2024/03/24

أصبح من اللزوم بأن نخلع جلابيب الماضي ونرتدي حلل اليوم

من ينظر إلى الأمام هو فقط من يرى ما أمامه، أمّا من ينظر إلى الخلف فإنّه لا يستطيع أن يرى إلا ما كان ورائه. فلا تستطيع أن تقود سيّارتك إلى الأمام وأنت تنظر إلى الخلف.

الكثير من شيوخ الدين يكثرون من دعوة الجيل الجديد للنظر إلى الخلفاء وأصحاب الرسول عليه السلام؛ فعلّهم يتشبّهون بهم ويفعلوا مثل ما كانوا يفعلون.
أنا لا أجد غضاضة فيما يقولون من حيث الصفات الحميدة التي ربّما كانت موجودة حينها، والتي يوجد بيننا من يحملها ومن يمتلكها؛ فكلّنا في نهاية الأمر بشر نخطئ ونصيب، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بقدر ما يفعل من أعمال حسنة. السؤال الذي علينا طرحه على أنفسنا أوّلاً هو: هل نحن بالفعل في حاجة لأن ننظر إلى الوراء، وهل نستفيد من محاكاة من كانوا يعيشون في القرن السابع الميلادي؟.
الخلفاء والصحابة عاشوا زمانهم وتعاملوا بمعطيات ذلك الزمان وذلك المكان. نحن نعيش زمناً مختلفاً، ونتعايش مع أوضاع مختلفة؛ فهل ربّما الأحرى بنا والأجدى لنا أن نتعاطى مع معطيات هذا الزمان الذي نعيش فيه وبوسعنا أن نؤثّر في مجريات أحداثه؟.
معطيات زماننا تختلف كليّة عن معطيات زمانهم، ولا يمكن لأي منّا تركيب عجلة سيارة بيجو من عام 1929 على سيارة بيجو حديثة لعام 2024م !.
الإمام الحنبلي أو الإمام الشافعي أو الإمام مالك أو الإمام أبو حنيفة أو الإمام محمّد بن عبد الوهّاب على سبيل المثال كلّ منهم قال رأيه في زمانه وحسب مداركه وعلومه وأنا أحترم رأي كل إنسان؛ ولكن ليس بالضرورة أنّ ما قاله أيّ من أولئك أنا أعتمده كما هو بدون نقاش وحوار ونقد ومناقشة. كذلك هو نفس الكلام ينطبق على فتاوي وطريقة تفكير إبن تيميّة أو إبن القيّم الجوزية أو الباز أو الألباني أو الشنقيطي؛ فكلّهم عاشوا بمعطيات زمانهم وفكّروا كما كان يفكّر به من عاصرهم.
القصد هنا، وبعيداً عن عبارات "التنكّر" و"عدم التقدير" وما يدخل في مجالها... القصد هو وبكل بساطة: علينا بأن نعتمد على أنفسنا، وأن نستخدم عقولنا لنفكّر لزماننا بدل الإعتماد على تفكير من سبقونا بألاف السنين؛ فأسس تفكيرهم وتقديرهم للأشياء حينها قد تكون قمّة في الذكاء والإستقامة، لكنّها حتماً لا تنفع لعالم اليوم.... لآن معطيات اليوم هي ليست معطيات الأمس.
كان الناس يتعالجون بالحجيمة وبالكي وبالأعشاب بدون معرفة أضرارها؛ فقط لأنّه لم يكن يتوفّر لديهم غيرها أو أفضل منها حينها. نحن اليوم نتعالج بالعقاقير وبقيّة العلاجات المتوفّرة، ونستطيع القضاء على أمراض كانت مستوطّنة حينها وتقتل البشر بكل سهولة. علينا يا سادتي بأن ننتقل إلى الأمام، وبأن ننزع القدسية من على البشر؛ فلا معصوم غير الله... وهذه هي مجرد وجهة نظر.
نحن لسنا في حاجة إلى عمر ولا إلى خالد ولا إلى علي أو أبوبكر... نحن في حاجة إلى أنفسنا. نحن في حاجة لأن نفكّر ونتأمّل ونعيش زماننا. البكاء على الأطلال سوف لن يعيدها، والنظر إلى الوراء سوف لن ينقلنا إلى الأمام. أعتقد بأنّه يكفينا البكاء على الماضي، وكأنّنا نحن اليوم لا يتواجد بيننا العقلاء ولا نمتلك القيم الإنسانيّة. نحن بكل تأكيد وبكل يقين أفضل ممّن سبقونا في كلّ شئ، وتلك هي ليست أكثر من سنّة اللهفي خلقه.
لا يوجد على وجه الأرض أيّ إنسان هو منزّهٍ عن الخطأ ولو كان نبيّاً، فالمنزّه عن الخطأ هو الله وحده والله فقط، وعلينا بألاّ نقلّل من قيمة أنفسنا. نحن لا نحتاج إلى عثمان أو خالد أو زيد أو عمر، فأولئك كانوا قد ماتوا وأصبحوا في خبر كان. نحن في حاجة إلى الثقة بأنفسنا والإيمان بأنّنا لسنا أقل من غيرنا من البشر عدا الأنبياء الذين إختارهم الله ليقوموا بنشر رسالة هو يريد بعثها للبشر، ولكن يبقى مع ذلك أن الأنبياء هم أنفسهم يخطئون: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}... فيوسف عليه السلام كان نبيّ الله كما نعرف؛ لكنّه حين همّت به تلك المرأة وحاولت إغرائه همّ بها وأراد ممارسة السوء والفحشاء معها؛ غير أنّ الله أنقذه من فعل ذلك حتى لا يكون نبيّاً مصطفاً ويفعل مثل تلك الأشياء.... بمعنى حتى لا يكون مثالاً لغيره من بعده.
لقد حان لنا الوقت بأن ننظر إلى الأمام، وبأن نعيش مع من يشاركنا هذا العصر وهذا الزمان وهذا الكوكب ..... فعلّنا نستفيد منهم وقد نفيدهم.... صيامكم مقبول، وصحّة شريبتكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك