2023/11/26

"إسرائيل" تحاربنا بالديموقراطيّة، ونحن نحاربها بالفتاوي الدينيّة
في وسط الحرب على غزّة، وفي أشدّ مراحل الإقتتال خرج الإسرئيليّون للشوارع وفي أهم ميادين عاصمتهم "تل-أبيب" للتعبير عن أرائهم في رئيس وزرائهم الذي بشخصه يقود الحرب على عدوّهم اللدود.
لم يخرج الإسرائيليّون ليعلنوا الولاء والبيعة ل"وليّ أمرهم"؛ وإنّما خرجوا لينتقدوه، ويسبّوه، ويطالبوا بتنحيته. هل هناك حريّة وديموقراطيّة أفضل من هكذا؟.
قام نتن-ياهوه بكل ما بوسعه لمحاربة "عدوّ إسرائيل" اللدود، وبالفعل فعل نتن-ياهوه ما لم يقدر على فعله من سبقوه؛ لكنّه لم يتمكن من إرضاء الشعب الذي يتولّى "ولاية أمره"؛ فكل الإستطلاعات الحاليّة تقول بأن نتن-ياهوه سوف لن يفوز في الإنتخابات المقبلة، وعلى أن حزبه الذي يقوده سوف يتم إبعاده من قيادة الدولة في "إسرائيل". تلك هي الديموقراطيّة الحقيقيّة التي تم على أسسها بناء هذه الدولة الصغيرة في تعداد سكّانها والكبيرة في كل شئ آخر. كبيرة في الإقتصاد، كبيرة في البناء والتعمير، كبيرة في البحوث والإختراعات، كبيرة وموفّقة في الخدمات التي تقدمها لمواطنيها.... والأهم كبيرة في الديموقراطيّة وحريّة المواطن فيها.
دعوني هنا أعود بكم قليلاً إلى التاريخ حتى نفهم بعضنا جيّداً. في عام 1948م تم الإعلان عن إنشاء دولة "إسرائيل" في وسط كلّه عدائي، وفي محيط يمقتها حتى "التدمير" والمحق والإفناء.... "سوف نلقي بإسرائيل في البحر"!!.
برغم كل ذلك قرّرت تلك الدولة تأسيس أطر حكمها على أسس ديموقراطيّة 100%؛ وبرغم نفوذ "شيوخ الدين" فيها، وبرغم أن اليهود هم في ثقافتهم وجوهريّاتهم يعتبرون أكثر إلصاقاً وإستماعاً لشيوخ الدين عندهم. وبرغم أن "شيوخ الدين" عند اليهود يعتبرون من أكثر رجال الدين تشدّداً في العالم وربّما منذ نشوء الخليقة؛ ومحاربتهم للنبي"عيسى" ودينه الجديد الذى جاء به إليهم... نعم إليهم "بني إسرائيل" هو خير مثال على ما أقول.
برغم كل ذلك، وبعيداً عن تجذّر "العبرانيّة" عندهم؛ قرّر اليهود إبعاد شيوخ دينهم عن دولتهم التي كانوا يسعون لبنائها. لقد قالوا لشيوخ دينهم المتشددين: لكم ما تدعون إليه؛ ولكن لا دخل لكم في مجريات الدولة، ولا في قوانينها. إلزموا معابدكم وديركم ولا تضعوا أنوفكم في أمور لا تفهمونها وفي أشياء لا تفقهونها.
قبل شيوخهم غصباً عنهم بما أُمِروا به، وإلتزموا بما تعهدوا به إلى يومنا هذا. لم يتدخّل رجل الدين في دولة "إسرائيل" في شئون الحكم، ولم يفرضوا أجنداتهم على من يحكم بلدهم. بذلك... وبذلك فقط تمكّن اليهود من بناء دولة عصريّة "علمانيّة" وديموقراطيّة وعصريّة. تلك هي الجواهر التي بنيت عليها دولتهم، وذلك هو ما جعلهم أقوى دولة في محيطهم. ذلك هو ما نصرهم في كل الحروب الدامية التي خاضوها مع جيرانهم في حروب 1948، 1967، 1973 والتي إنتصروا فيها جميعاً على العرب وبالقاضية برغم الإختلاف الجوهري في الثروة والأعداد البشريّة بين الطرفين.
لقد إنتصر اليهود في كل حروبهم مع العرب، وخسر العرب كل حروبهم مع دولة "الصهاينة" بسبب وحيد ووحيد وهو "الديموقراطيّة".
لا توجد دولة عربيّة واحدة تمارس الديموقراطيّة على الإطلاق... على الإطلاق. نحن كعرب بقينا على تخلّفنا وتهاوننا وإنهزاماتنا بسبب أنّنا ألغينا حق شعوبنا في المشاركة في الحكم، وبسبب أنّنا سلّطنا شيوخ ديننا على شعوبنا حتى فرضنا عليهم "الترويض" و"الإستكانة"... والطاعة العمياء. شيوخ ديننا كانوا - وبكل جدارة - هم حماة الطغاة في عالمنا العربي، ولم يتهاون شيوخنا في نصرتهم للطغاة الذين يحكمونا؛ فأصدروا الفتاوي التي تحرّم الخروج على الحاكم بإعتبار أنّه "وليّ الأمر"، وعلى أنّه يجوز "شرعاً" قتل كل من يخرج على الحاكم أو ينتقده، أو حتى يبدي رأية المخالف في أي شأن من شئون الحكم.
شيوخ ديننا بالطبع لم يقدّموا تلك الخدمة هكذا بالمجان... لقد أخذوا هم بدورهم "أجورهم" السخيّة نظير تلك الخدمات "العظيمة" التي قدّموها للحكّام الطغاة منذ عهد الإستقلال وحتى يومنا هذا. شيوخ ديننا نالوا ما كانوا يحلمون به من "ولاة الأمور" بأن تركوهم يسرحون ويمرحون كما يشاءون في كل شئون "الرعيّة". لقد أخذ شيوخ ديننا الأموال، السلطة، و"التشريع"، والتدخّل العلني والواضح والصريح في كل شئ في شئون الحكم... وكان المواطن هو "الضحيّة" وفي كل شئ. المواطن العربي والمسلم كان يتصيّده عدوّان في بلده وفي شارعه وفي زنقته وفي بيته: الحاكم الطاغي والمتجبّر، وشيخ الدين المتخلّف والمتجمّد والكذّاب والمنافق.
بذلك وبذلك فقط لم نتمكّن في بلداننا العربية - ولا الإسلاميّة - من بناء دولاً متقدّمة أو عصريّة أو متحرّرة. فنحن إستعمارنا هو من دواخلنا، ومن يستعمرنا هو حكّامنا وشيوخ ديننا...وتلك هي مشكلتنا الحقيقيّة التي لا يحق لنا التحدّث فيها أو عنها أو بشأنها.
وختاماً - يا إخوتنا العرب والمسلمون - أدعوكم فقط لنظرة سريعة وخاطفة لتلك الفترة من عام 1960 وحتى عام 2023م؛ حيث كانت كل بلاد العرب قد نالت "إستقلالها"، وحيث حكم العرب بشراً هم من بينهم. أريد هنا أن أعطيكم أرقاماً صغيرة وملخّصة جداً عن عدد حكام كل دولة عربيّة خلال تلك الفترة الزمانية مقارنة بعدد من حكم دولة "إسرائيل"؛ حتى تعرفوا كم نعاني نحن العرب من التسلّط والظلم في داخل بلداننا، وبأيدي وأفعال بشر يقولون لنا بأنّهم من أهلنا.
منذ عام 1960 وحتى يومنا هذا حكم دولة "إسرائيل" 17 رئيس وزراء، بينما حكم مصر 5 رؤساء. أمّا تلك البلاد التي تحكمها الأسر فحدّث ولا حرج. فالملك في بلاد العالم المتقدّمة، وكذلك رئيس الدولة هو ليس أكثر من رمز للحفاظ على أمن وسلامة الدولة، وفرض الأسس القانونيّة فيها. أمّا نحن - أمّة العرب وأمم الإسلام - فالملك والأمير والسلطان هو كل شئ في الدولة.
من هو رئيس الوزراء في السعوديّة، ومن هو وزير الدفاع، ومن هو وزير الداخليّة، ومن هو وزير الخارجيّة؟. ذلك ينطبق على كل الممالك والسلطنات والإمارت والمشيخات في بلدان العالم العربي وللأسف. متى قد وربّما وعسى أن تخرج الشعوب العربيّة إلى الشوارع لتفرض وجودها وسلطتها على حكّامها الطغاة؟. سؤال إن نحن أجبنا إليه لكنّا عرفنا طريقنا نحو الديموقراطيّة؛ ومن هناك يمكننا إبعاد الحكّام الجائرين والسرّاق من بلداننا وتحييد "شيوخ الدين" الذين يفرضون وجودهم علينا بإسم الله وبإسم الدين... وبإسم الفتاوي. يومكم سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك