2021/05/03

السحر وتأثيره على العقل (الحلقة الثامنة عشر-ب)

 هناك من يحلم حلمة مرعبة فيصاب باليأس وفقدان الأمل، ويصبح إنساناً متشائماً ولا يرى غير النكائب في مسقبل حياته. هناك من يحلم حلمة ما ويذهب لشيخ الدين كي يفسّرها له، ويؤكّد له شيخ الدين وللأسف على أن الحلم هو "رؤية" ويتفلسف شيوخ الدين في تفسيراتهم من خلال تخيّلاتهم وأفكارهم الضيّقة لأبعد الحدود فيقولون لك بأن هناك أحلام عابرة "أضغاث أحلام" وأحلام حقيقية"رؤية".
إن كنت تبحث عن معرفة حظّك فعليك بضاربة الودع
في ليبيا كان نظام التعليم ينقسم إلى أربعة مراحل: الإبتدائي، والإعدادي، والثانوي وبديله المعاهد التعليمية والحرفية، ثم الجامعي. مع بدايات الثمانينات على ما أعتقد، قام الراحل معمر القذّافي بتحديث النظام التعليمي في ليبيا بما يتماشى مع ذلك في الدول الغربية، وبذلك كانت قد ألغيت إمتحانات الشهادة الإبتدائية وإمتحانات الشهادة الإعدادية.
المهم أنّني كنت في المرحلة الإعدادية، وكانت تلك المرحلة تتكوّن من ثلاثة سنوات تختتم بإمتحانات ختاميّة ومفصليّة؛ فهي كانت تحدد من سوف يذهب للتعليم الثانوي ومن قد يرتضي بالإلتحاق بالمعاهد المنتشرة في كل مكان في ليبيا والتي كان أغلبها معاهد المعلّمين العامة لمدة سنتين والخاصة لمدة أربعة سنوات.، وكان معها بالطبع المعاهد الدينية، وبعض المعاهد التخصّصية مثل المعهد الزراعي في الغيران، والمعهد الصناعي في جنزور، ومعهد جمال الدين الميلادي للموسيقى في طرابلس، وبعض المعاهد المشابهة في بقية أنحاء البلاد.
المهم أنّني وبعد إنتهاء إمتحانات الشهادة الإعدادية وقبل إعلان النتائج كنت في يوم من الأيّام - مع صديق لي معي في نفس المدرسة - وكان كلينا يمشي من ناحية البحر ناحية الجنوب، وحدث أن مررنا ما بين محطة الحافلات (البلمان) ومصنع الروجية للسجائر مروراً بالباب الجديد وباب الحرية على يسارنا ومن على يميننا كان وعلى بعد بضعة أمتار سوق الثلاثاء القديم. المهم أننا مررنا بعد ذلك بقرب جامع بورقيبة وكان على مرمى أبصارنا - وعلى يسارنا - الجانب الغربي من معرض طرابلس الدولي حيث مدينة الملاهي وكان عمي رحمه الله يشتغل هناك كشرطي حراسة.
حينما مر كلانا بقرب جامع بورقيبة لفت إنتباهنا وجود إمرأة عجوز تجلس بقرب مدخل الجامع وتطرح أمامها خرقة تضع عليها الكثير من السبح والأحجار "المباركة" وبعض الأعشاب التي كانت تستخدم كدواء. نظرت إلينا العجوز نظرة ماكره بعض الشئ وعرضت علينا قراءة السعد(الطالع) !!.
بصراحة وبصدق أنا لم أكن من المؤمنين بتلك الأشياء، لكن صديقي أصر على الجلوس معها والطلب منها لقراءة بختنا، ولم يكن ذلك مجانيّاً بالطبع !!.
المهم قرأت العجوز حظّي أنا أوّلاً وقالت لي بأنني خرجت لتوي من إمتحان عصيب، وبأن ما تراه بالنسبة لي ليس مسرّاً. قالت لي بصريح العبارة بأنني سوف لن أعبر في ذلك الإمتحان!.
بعدها جلس أمامها صديقي وكان مهتمّاً بقوة بما قد تراه له في مستقبله. قالت له بأنّها تراه في يوم من الأيام يسافر إلى بلاد برّه وأن يصبح مشهوراً. قالت له بأنّه سوف يعبر إمتحان الشهادة بنجاح منقطع النظير.
بعدها واصلنا مسيرنا نحو وجهتنا وكان صديقي يجري ويمرح ويبتهج بشكل هستيري. صدق قارئة الحظ في كل ما قالته له، وكان ينظر إليّ بعين "التشفّي" بعض الشئ لأنّها رأت في مستقبلي بأنني سوف أرسب الإمتحان.
أنا بصدق لم أكن أحفل بما قالت لأنني يقيناً لم أكن حينها أؤمن بتلك الأشياء. المهم، أنّه وحين خرجت النتائج حدث العكس تماماً. لقد نجحت أنا وكنت الثالث على الفصل، ورسب هو ليجلس في الدور الثاني في سبتمبر، وكان قد نجح بعد ذلك، ولكن بتقدير مقبول(كنا نقول: نجح بالدف، يعني بالحذف !!)).
صديقي أصبح من جماعة القذّافي بعد ذلك، وبالفعل تم إرساله لتعلّم اللغة الإنجليزية في بريطانيا وكان أن أصيب هناك بأمراض وإختلالات نفسية أثّرت في حياته بشكل كبير، وقامت السفارة الليبية بإعادته إلى ليبيا ولم يخرج من ذلك التيه والعصاب الذي أصابه إلى يومنا هذا. الذي أطنّه الآن - وبعد أن أصبحت طبيباً - أنّه كان ربّما قد أصيب بوقع "التصادم الثقافي" Cultural Clash على عقله فلم يعد يرى طريقه بوضوح، وهناك من قال بأنّه كان قد تم خداعه وبيعت له مخدّرات وحبوب هلوسة أوصلته إلى ذلك التيه (الهبال !). المهم أنّه لم يصبح مشهوراً كما تنبأت له تلك المرأة المتنبئة !!.
المخفيّات المخيفات
كانت تلك ربما هي مقدّمة لحلقة اليوم والتي سوف أتحدّث فيها عن الكثير والكثير من الموروثات الإجتماعية في بلدنا والكثير من البلاد المجاورة لنا، وتلك التي مازالت تعاني من التخلّف وسيطرة المعتقدات القديمة على تفكير وممارسات أهلها.
هناك الكثير من الممارسات التي تعرفونها، وربما كان بعضكم قد مارسها. أنا أرى أنّه من الصعب عليّ الإلمام بها كلّها، لكنني سأذكر ما أتذكّره منها:-
  1. قراءة الطالع: وذلك يتم من قبل عرّافات في أغلب الأحيان، وهن محترفات في هذه المهنة، ويعرفن كيف يلعبن بعقول الزبائن الذين يأتون إليهنّ بهدف معرفة ما تخبئه لهم الأقدار. قراءة الطالع تتم عن طريق "التسبيب"، رمي الودع، قراءة فنجان قهوة، قراءة بعض التسابيح والأذكار وتخيّل مستقبلك أمام عينيك.
  2. الأبراج: أنا كنت أطالع الأبراج من باب "المزحة" في المجلّات المصرية عندما كنت في الإعدادي، وكنت أتمتّع بقراءتها والتندّر بها. هناك من البشر من يتتبّعها بكل شغف ويصدّق ما يقوله برجه له. هناك ربما من يبرمج مستقبل حياته على ما تتنبّأ له به قارئة الأبراج(العرّافة) أو قارئة البخت أو المنجّمة. بكل تأكيد ليس كل من يقوم بقراءة الأبراج هو من النساء، وإنّما هناك من الرجال من يحترف في ذلك بكل تأكيد. قراءة الأبراج تدخل في ما يسمّى ب"علم التنجيم" وهو لوحده يعتبر عالماً شاسعاً في حد ذاته.
  3. التتقيز: التقازة عادة ما تكون إمراة، وهي من تلقي بحجرات أمامها على التراب وتقرأ من خلالها ما عساه أن يحدث لك. أكثر من يستخدم التقازة كان من الفتيات في عمر الزواج، فيذهبن للتقازة(العرّافة) حتى تنظر لهنّ في شأن العريس القادم. هناك الكثير من الأغاني والأهازيج الليبية عن التقّازة، ولمن يرغب في الإستماع توجد الكثير منها على اليوتيوب. أكتب "التقازة" وسوف تنهال عليك الفيديوهات التي قد تنال رضاك !!.
  4. الحضاري: الحضاري كانت منتشرة في بلادنا، وكان يقوم بها الكثير من "المتدينين الصوفيين" في مختلف مناطق ليبيا. كان منها "الحميد" وهو فقط كنوع من الفنون، وكان منها الخبيث؛ حيث تستخدم مراسيم الحضاري والجدب والرقص البهلواني وتلك الأبخرة ودعوة الصلّاح ومن بعدها "التخيّل" ورؤية الأشباح والتحادث مع الجِنّة والشياطين وبعضهم يقول بأن يتحادث مع الملائكة.
  5. الكتيبة: الكتيبة هي معروفة في ليبيا منذ زمن العثمانيين وربما ما قبله. هناك نوعين من الكتيبة: الكتيبة التي تحل المشاكل، والكتيبة التي تخلق المشاكل !!. كتيبة حل المشاكل مثل كتيبة الشيخ لحل العقد، جلب الحظ، إبعاد المرض، حل المربوط، وطرد السحر والجن. كتيبة خلق المشاكل، يقوم بها "الأوغاد"، وهم بكل تأكيد من "شياطين الأنس" للعبث بالآخرين وتثبيت فكرة "التلبّس" و"المسكونيّة"، وجلب المكاره لأناس يقصدهم الذي يقوم بتلك الأعمال القذرة.
  6. الفال: وهو رسم مستقبل أسود لك من قبل أناس يكرهونك والهدف هو "الإساءة لك" من خلال رؤية متشائمة لمستقبل حياتك. ومن على منوالها كنّا نسمع من جدّاتنا "من يكرهك يحلملك الحلمة الشينة"، أي من لا يحبّك لا يرى لك غير الأحلام المزعجة. هناك بكل تأكيد "الفال الحسن"، وهو حينما ترى لك أمّك أو جدّتك(حنّاك) أحداثا سعيدة تأتي أمامك وتفاجئك.
  7. العين: وهي خرافة يعتقد بها الكثير من الناس في بلادنا. العين تكون دائماً في نطاق الشر والكراهية، وهي ما يقولون عنها ب"العين الحاسدة" أو "العين الحاقدة" أو "العين الكارهة". العين حسب إعتقاد الكثير من الناس - وأغلبهم من النساء - تتأتّى بأن يصيبك مكروه إن نظرت إليك إحداهن بعين "الإعجاب الشديد" أو ذكرت محاسنك ببعض المبالغة.
  8. السحر: سبق لي التحدّث عن هذا الموضوع في واحدة من هذه السلسلة، وهناك الكثير من الممارسات التي يستخدمها "السحرة" للإيذاء بضحاياهم منها وضع أشياء غريبة في حجرات نومهم، أو تحت مخداتهم، أو في مواضع جلوسهم. أكثر الأشياء المستخدمة هي كومة من الشعر الجاف والوسخ، رمية من الأظافر المقطوعة، بعض الأوراق المكتوب عليها بخط مبعثر عن قصد، والتي يسميها من يؤمن بالسحر ب "الطلاميس". هناك بكل تأكيد تحديثات كثيرة بخصوص مسالك السحرة والتي دخلت مجالات الهواتف النقّالة، ووسائل التواصل الإجتماعي، وكذلك عبر الأثير !!. بمعنى، أنه في عالم اليوم هناك من يصدّق بأن أي إنسان وفي أيّ مكان من العالم بوسعه أن يسحرك عبر الأثير، بدون الحاجة لأن تراه أو يراك... آآآآآه.
  9. الأحلام وتفسيرها: هناك من يحلم حلمة مرعبة فيصاب باليأس وفقدان الأمل، ويصبح إنساناً متشائماً ولا يرى غير النكائب في مسقبل حياته. هناك من يحلم حلمة ما ويذهب لشيخ الدين كي يفسّرها له، ويؤكّد له شيخ الدين وللأسف على أن الحلم هو "رؤية" ويتفلسف شيوخ الدين في تفسيراتهم من خلال تخيّلاتهم وأفكارهم الضيّقة لأبعد الحدود فيقولون لك بأن هناك أحلام عابرة "أضغاث أحلام" وأحلام حقيقية"رؤية". ويأتونك من القرآن بما شئت وكيف أن فلان وفلان حلم بحلمة وفسّرها له كذا وكذا؛ وكل تلك القصص بكل تأكيد هي واردة في القرآن، ولكن الله لم يقل لنا قط بأن نصدّق تفسير الأحلام، أو التكهّن بالمستقبل. فكل الآيات الواردة في القرآن كانت عبارة عن "روايات" لقصص السابقين وكيف كانوا يفكّرون، وهي بكل تأكيد تنقل لنا ثقافة الناس ومعتقداتهم في تلك العصور.
  10. الدعوة: هناك كما نعرف نوعان من "الدعوات": منها الدعوة الحميدة، ومنها الدعوة الخبيثة. الدعوة الحميدة كأن تدعو لك أمّك بالنجاح والتوفيق والحظوظ بفتاة الأحلام بالنسبة للفتيان، أو زوج المستقبل بالنسبة للفتيات!!. أما الدعاوي الخبيثة كأن يدعو عليك من يكرهك بأن "يرفعك الله" أو أن "يدمّر حياتك" أو "الله لا يورّيك خير" أو "من غادي لغادي".. معناها "مشيت فيها" أو "إن شاء معاد نشوف وجهك"... يعني ربي يرفعك، ويخلّصني منّك !!.
أعتقد بأن الحديث في هذه الأمور والبحث في مثل هذه الموروثات قد يحتاج إلى كتب ومجلّدات، ولا أقدر أنا هنا مهما أطلت عليكم أن ألمّ بهذا الموضوع كما وددت.
وفي هذا الإطار، أنا أدعو كل من توجد لديه إضافات أن يتكرّم بها علينا بهدف المعرفة ولفت الإنتباه.... وكذلك من باب "التسلية" !!.
في الحلقة القادمة سوف أتناول هذا الموضوع من زاوية البحث والتحليل والإنتقاد حتى نخرج من تفكيرنا الكثير من المعتقدات الخاطئة ونقدر على العبور إلى الأمام. يومكم مبشّر بالخير إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك