2021/05/03

السحر وتأثيره على العقل (الحلقة السابعة عشر- ج)

الشخص الذي يفكّر ويحلّل ويبحث عن البراهين هو ذلك الشخص الذي لا يخاف ولا يتأثّر ولا يكترث. أما ذلك الشخص الذي يسرع وبدون تفكير بإلصاقها بالجن وأفعال السحرة فإنّه سوف يخاف ويرتعب ويفقد السيطرة على تصرّفاته ويدخل بذلك في دوّامة لانهاية لها. يتحوّل ذلك المرتعب إلى "مخبول، مشوّش الفكر، حائر، متذبذب؛ ومن ثمّ يصبح فاقد الإرادة وخاضعاً لكل الإيحاءات والتأويلات ويرضى بما يؤمر به أو يرتّب له.
هناك أشياء تحدث أمام أعيننا ولا نقدر على تفسيرها. بعض البشر يبحثون عميقاً فيها، يتفحّصوها، يرسلوها لعقولهم لتقوم بتدبّرها، ثم تمر بملكة التفكير عندهم فيتخيّلوها ويتصوّروها وترتسم أمام أخيلتهم بكل وضوح... ثم بعد ذلك يكون بوسعهم أن يبحثوا في أمرها.
البعض الآخر، قد يتجاهلها من زاوية "أن الباب اللي يجيك منّه الريح سدّه وأستريح"، والبعض الآخر يعتقد بأنّها من أفعال الجن أو السحر أو "القوى الخفيّة".
الشخص الذي يفكّر ويحلّل ويبحث عن البراهين هو ذلك الشخص الذي لا يخاف ولا يتأثّر ولا يكترث. الشخص الذي "يتجاهل" قد يمر بسلام لفترة ما، وحينما تتكاثر عليه متشابهات الأحداث يصدّقها ويعتقد بوجودها. أما ذلك الشخص الذي يسرع وبدون تفكير بإلصاقها بالجن وأفعال السحرة فإنّه سوف يخاف ويرتعب ويفقد السيطرة على تصرّفاته ويدخل بذلك في دوّامة لانهاية لها. يتحوّل ذلك المرتعب إلى "مخبول، مشوّش الفكر، حائر، متذبذب؛ ومن ثمّ يصبح فاقد الإرادة وخاضعاً لكل الإيحاءات والتأويلات ويرضى بما يؤمر به أو يرتّب له.
نحن كثيراً ما نتفرّج على المشاهد المثيرة في التلفزيون، والتي من بينها "الألعاب البهلوانيّة"، ومشاهد السحرة، وأولئك الذين يجيدون خداع البصر بألعابهم التي قد تستند على بعض محاولات "التنويم المغناطيسي" بهدف السيطرة على تركيز المشاهد والإستحواذ على تفكيره. بعد تلك المشاهد المثيرة يحس أغلبنا بالإنشراح والسعادة ويتعامل معها على أنّها ليست أكثر من "ألعاب بهلوانية" هدفها التخفيف على المشاهد وبث مشاعر الفرح في أوصاله.... أي أنّنا نشاهدها على أنّها "فكاهات بريئة".
هناك بكل تأكيد مشاهد أخرى لا نتفرّج عليها في التلفزيون، ولا تصلنا من باب المتعة والسرور. أشياء يتخيّلها البعض وتنسج لهم عقولهم عنها القصص الخيالية والتي كثيراً ما تكون مرعبة ومخيفة ومدمّره حسب إعتقاداتهم؛ وبذلك فإن الضحايا يكونوا خائفين ومرتعبين وفاقدي الإرادة في أغلب الأحيان، ويصبحون على إثر ذلك بالفعل "منوّمين مغناطيسيّاً" أو مغيّبين عقليّاً؛ فيصدّقوا خيالاتهم البصرية والسمعية وتستجيب لها عقولهم الخائفة فترسم لهم أشباحاً وأوهاماً وسيناريوهات مرعبة ومخيفة تزيد من إرتعابهم فتدخلهم في تلك "الدوّامة" التي يبقون بداخلها إلى أن يأتي إليهم من "يخرجهم منها" !!.
وحيث أننا هنا نتعامل مع "خرافات" و"أوهام" و"تصوّرات" و"تخيّلات" لا أساس لها من الصحّة غير تصديق المتضرر لها وإعتقاده بوجودها وبقدراتها الرهيبة؛ فإن الحل يكون دائماً هو بدوره "إعتقاديّ" و"خيالي"و "إيحائي"، و بكل صدق "دلسي". صاحب الحل يكون دائماً شيخ من شيوخ الدين، وهو بكل يقين دجّال وكاذب وجاهل منافق، ومن غبائه وسطحية تفكيره وضيق مداركه يصدّق كل ما يفعله الساحر، و"يرسّخ" تلك الهالة في عقول وتفكير "المرتعبين" بأن يقول لهم بأن "القرآن" كان قد ذكر ذلك، وبأن ، وبأن، وبأن الرسول عليه السلام كان قد تم سحره !!. بذلك ينظم شيح الدين إلى جانب الساحر ويصوّره على أنّه يمتلك قدرات خارقة، وعلى أن بوسع الساحر أن يدمّر حياة الإنسان ويفرّقه عن زوجه وأمّه وإخوته ومحبّيه؛ بسبب إرسال "الجن الخبيث" إليه فيتملّكه ويسيطر عليه. يقول شيخ الدين للإنسان الخائف والمرتعب... لايمكنك يا إبني أو يا بنتي مقاومة أفعال الساحر، لأنّ الساحر يقدر على تسخير الجن، وحينما يسلّط "الجن" عليك فإنّه - الجن - يتلبّسك ويصبح من حينها قادراً على دفعك لفعل أشياء هي ليست من تفكيرك ولا هي من مشيئتك ولا هي من إرادتك. تلك "الإيحاءات" تضيف إلى مخاوف "المسحور"، وبالفعل تنوّمه مغناطيسياً، وتدخله في عالم "التيه"؛ فتخلق منه إنساناً مذعوراً ومرتعباً ومتذبذباً وفاقداً للسيطرة على نفسه. يتحوّل حينها ذلك الإنسان إلى ضحيّة للساحر وضحيّة لشيخ الدين الذي وبكل قوّة يدعم كل أفعال الساحر ويؤكّدها من خلال قراءة بعض آيات السحر حتى لا يترك أي مجال لذلك الإنسان - المشوّش التفكير والمرتعب وفاقد الإرادة - لآن يفكّر أو يقدر على التصرّف بوحي من إرادته وقدراته التي حباه الله بها.
حينها يصبح "الضحيّة" بالفعل أضحوكة بين الساحر، الذي لم يسبق له أن إختلط به أو رأه أو تحادث معه أو حتى سمع صوته؛ وبين شيخ الدين الذي يذهب إليه طالباً "الإغاثة" منه. شيخ الدين يستفيد من تلك الحالة بأن يجدها فرصته لكي يقنع ذلك "المسحور" بأن وسيلته الوحيده للتخلّص من هذا السحر تكمن في الإستعانة ب"عالم" ورع ويخاف الله ليقرأ له "الرقية الشرعية" والتي "بإذن الله" سوف تخرج ذلك الجن الذي يلبسه أو يتلبّسه، وبذلك يبطل السحر.
إن لم تنفع الرقية بإخراج الجن وإبطال السحر، يوحي شيخ الدين للمصاب بأن الجن الذي يسكنه هو جن خبيث، وقد يكون من الصعب إخراجه. تلك في حد ذاتها بكافية لأن تزيد من رعب المرتعب، وتجعله أكثر خنوعاً وخضوعا لشيخ الدين... وهناك الكثير من النساء تم إستغلالهن بآساليب غير أخلاقيّة وهن في تلك الحيرة من أمورهن.
حينما تفشل "الرقية الشرعية" في إخراج الجن وإبطال السحر، يعمد شيخ الدين إلى الإستعانة بآساليب أخرى "عبطية" بإمتياز؛ من بينها قراءة القرآن على رأس المريض ثم نثر الرذاذ(النفث) عليه، بما يعني في واقع الأمر "البصق" على مقدّمة رأسه والتي يسمّيها شيوخ الدين ب"الناصية"، حتى يربطوها بالقرآن، وبذلك يعطونها قدسيّة: {{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}}، وإذا لم ينفع كل ذلك، فقد يقرأوا القرآن على كوب مملوء بالماء ويطلبوا من المصاب شربه... هيه، هيه، قول بإسم الله؛ وإمسك الكأس بيدك اليمين !!. وأحياناً لزيادة "القدسية" قد يستعين شيح الدين "الرائي" ببخور وتعاويذ أخرى من بينها الجاوي والفاصوخ وربما يلجأ البعض إلى ضرب الدفوف والتلفّظ بالكثير من العبارات مثل حيّ حيّ، يا الله يا الله، وينك يا جد الصالحين، ويا سيدي عبد السلام الأسمر أو سيدي بوعجيلة أو يعلم الله من بقيّة أسماء "المرابطيّة" !!. القصّة سوف لن تنتهي هناك، خاصّة إن فشل "الرائي" في إخلراج "الجان" أو "الشيطان". هناك الكثير من الخزعبلات التي يضحكون بها على المريض المسكين، ومن بينها اللجوء إلى ما يسمّونه ب"الطب النبوي"، وما كان رسول طبيباً ولا قال بأنّه يقدر على معالجة الأمراض. إنّه تجنّي على دين الله وتجنّي على رسوله؛ لكن شيوخ الدين في كل أزمانهم وفي كل عصورهم هم دائماً يلوون كلام لله ويحرّفون دينه لخدمة أغراضهم "الغبيّة"، والتي هم أنفسهم أحياناً قد لا يعرفوا بأنّهم يخالفون كلام الله بسبب جهلهم وتضيّق أفاق تفكيرهم. هناك، لو أنّهم أدخلوك في "الطب النبوي" فحدّث ولا حرج. يأتي التشريط، وتأتي المغايت (سحب الدم الفاسد !!)، وتأتي الأعشاب، وتأتي كل الخرافات التي تجاوزها الزمن. قرأت هذا اليوم بأنّهم قتلوا إمرأة صغيرة في السن بسبب تمرير مياه "مرقيّة" - يعني قرئت عليها "الرقية" - في وريدها فماتت المسكينة. تلك هي جريمة كبرى لو أننا كنّا نعيش في بلاد متقدّمة وتحترم الإنسان. نحن وللأسف في عالمنا المتخلّف لا من يحاسب ولا من يراقب ولا من يقدر على مجابهة شيوخ التعاسة، أو حتى أن يقول لهم بأنّهم مخطئون. سوف يكفّرونه ويستبيحوا دمه، ثم يكيدون به ويقتلونه "للتقرّب بقتله إلى الله" !!..
المهم أنّني أنا في حلقة اليوم لم أكن أشاء أن أتحدّث عن ما يفعله "شيوخ الدين" بالمسحور، وإنّما وددت في حلقة اليوم أن أعرض عليكم مشهداً آخر يكون مكمّلاً لمشاهد الحلقة السابقة وتلك التي سبقتها بخصوص الأليّة التي يفكّر بها مخ الإنسان حينما يتعرّض الشخص لمشاهد أو أفعال تعتبر غريبة على تفكيره أو ربما خارجه عن مجالات تصوّره. أنا هنا أتحدّث عن بعض الظواهر التي نعتبرها كبشر "خارقة للعادة" ومن ثم نتندّر حولها، نبحث فيها، نتفلسف بشأنها، أو نرتعب منها.
ظاهرة اليوم "الخارقة للعادة"، وتكمن في تمرير سكيناً أو خنجراً أو عصاء حادة أو قضيباً حديديّاً ملتهباً في بطن إنسان من الأمام إلى الخلف بدون أن يحسّ ذلك الإنسان أي ألم !!. كثيراً ما نقول عنها بأنّها "خدع بصريّة" وبكل تأكيد نصنّفها في قائمة "الألعاب البهلوانية"، وقد نبوّبها تحت خانة "التنويم المغناطيسي"؛ غير أن أحد الجرّاحين المحترفين كان قد فسّر تلك الظاهرة وكان قد أزاح اللثام عنها.
يقول الجرّاح الخبير بأن الشخص المعروض في شريط الفيديو المرفق كان ربّما قد تم التعامل معه من قبل في وجود كل الإحطياطات، وبأنّه ربّما شعر بالكثير من الألم حينها، وقد يكون نزف بعض الشئ، وقد يكون دخل المستشفى للعناية؛ لكنّه بكل تأكيد خرج من المستشفى وقد إلتأمت جروحه بتكوين ندباً Scars محل دخول السيف وخروجه من الجهة الأخرى، والمعروف عن الندب التي تتكوّن بعد الجراحة أنّها نسيج متليّف لا أعصاب ولا أوعية دموية فيه. حينما يوضع السيف الحاد والرقيق في نفس الندب ويعبر من نفس المسار حتى الجانب الآخر من البطن فإن المريض لا يحسّ بأي ألم، ولا يحدث له أي نزيف أو قطع في الأحشاء ذلك لأن الشخص الذي يدخل السيف يعرف تحديداً الممر الآمن بين الأحشاء، ويعرف الوجهة فيمر بالسيف بكل هدوء وببطء شديد حتى يبعد السيف ما يقع أمامه وهو في طريقه نحو الندب من الجهة الأخرى.
نحن نعرف بأن الأحشاء الداخلية بما فيها عضلة القلب هي خالية من أعصاب الألم، ولولا الأغشية المغطية له - وهي غنية بالأوعية الدموية والأعصاب - لما شعر أيّ منّا بتقطّع أوصاله من الداخل على الإطلاق. نحس بالألم في القلب فقط حينما يصيب العطب شغاف القلب أو جدران الأوعية الدموية، لكن عضلة القلب إن نحن أبعدنا الأغشية المحيطة بها وإبتعدنا عن الأوعية الدموية فهي لا ألم فيها على الإطلاق، ويمكن تقطيع القلب أو الكبد أو الكلية أو الأمعاء بدون الإحساس بأيّ ألم. يمكن أيضاً تقطيع الدماغ إلى قطع صغيرة بدون الإحساس بأيّ ألم إن نحن تجنّبنا السحايا، وبعض الحواجز بين الفصوص.
يومكم سعيد، وكلّما تحدثنا عن أسرار الجسم كلّما تعرّفنا على أشياء جديدة تفتح مداركنا على أشياء لم نكن نعرفها من قبل.. وقد تكون غريبة جداً.
هذه مشهد لحالة واقعيّة، وقد تم تفسير الظاهرة أعلاه... أتمنّى لكم مشاهدة ممتعة !!:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك