2021/04/02

مهمّة الدبيبة إستثنائيّة، وهي ليست المرحلة الإنتقاليّة

حياتنا هي مليئة بالمخاطر، وتتواجد فيها الكثير من الصعوبات التي نتوقّع بعضها ونحسب له؛ ولكن هناك بعض الأحداث التي قد لا نتوقّعها ومن ثمّ فربّما لا نحسب لها حساباتها وربما لا نستعد لها بما يجب. كل إنسان يجتهد في هذه الحياة، وكل إنسان من الممكن أن يخطئ وأن يصيب؛ والعاقل هو من يتقبّل أخطائه ومن ثمّ يتعلّم منها فلا يكرّرها.

هناك الكثير من الإنتقادات اللاذعة لحكومة السيّد عبد الحميد الدبيبة التي نقرأها في كل يوم من خلال وسائط الإعلام، والكثير منها أنا شخصيّاً لم أتمكّن من معرفة السبب من ورائه.
السيّد الدبيبة هو إنسان مجتهد، ويحاول جاهداً بأن يعيد الأمور إلى نصابها في بلد تحوّلت إلى خرابة وفوضى لا حدود لها منذ عام 2014 وحتى يومنا هذا. الرجل يجتهد ويحاول، وأنا شخصيّاً أراه - وإلى حد كبير - صادقاً في مساعيه وقويّاً في محاولاته. لابد لنا من التنبّه إلى أنّ وضعنا الحالي هو الأفضل، لكنّه ليس بالضرورة الأحسن.
إنّ ما نشهده الآن من محاولات جادة للم الشمل في ليبيا هو بكل المعايير وبكل الإعتبارات أفضل من تلك الحالة التي وجدها السيّد الدبيبة أمامه حينما إستلم السلطة منذ إسبوعين فقط، ووجد نفسه مرغماً للتعامل معها وفق تصوّراته؛ وربما الأهم، وفق ما يتوفّر لديه من إمكانيّات بشرية ولوجستية وماليّة بالطبع.
إن الحالة التي إستلم فيها السيّد الدبيبة ليبيا لم تكن نموذجية ولم تكن مثالية ولم تكن حتى طبيعيّة؛ وبذلك فكلّنا نعرف بأن المهمّة صعبة وشاقّة وقد تكون مستحيلة. إن المهمّة قاسية جداً، خاصّة إن لم يتعاون معه بقية الليبيين والليبيّات، أو إن حاول البعض عرقلة مساعيه من خلال المحاولات المسلّحة أو الفوضوية بأيّ شكل من الأشكال. وهذا الإحتمال هو وارد وفي أية لحظة وفي أيّ يوم أو ليلة. السيّد الدبيبة لا يملك عصاة سحريّة، ولا توجد تحت تصرّفه أية قوّات موحّدة سواء كانت شرطية أو عسكرية، أو مخابراتيّة (لوجستيّة). ومن هنا فإنّ وضع السيّد الدبيبة - ومعه بكل تأكيد المجلس الرئاسي - هو بكل صراحة لا يحسد عليه؛ واتمنّى له من كل قلبي التوفيق والنجاح.
أنا أرى بأن الشئ المهم الآخر، والذي علينا أن نكون على بيّنة منه وهو أن المرحلة الحالية من حكومة الدبيبة ومجلس المنفي الرئاسي، ومن ورائهما مجلس عقيلة المتشتت الأوصال، ومن هناااااك... من بعيد، مجلس الدولة الإستشاري... الشئ المهم والجوهري هو التدارك بأن هذه المرحلة هي مرحلة "إستثنائيّة" ومؤقّته، وهي ليست مرحلة إنتقاليّة وإنّما هي تمهّد ل"مرحلة إنتقاليّة" أتمنّى بأن تكون الأخيرة، وأتمنّى بأن نتمكّن من بلوغها بدون مشاكل تذكر.

المرحلة الإنتقاليّة الأخيرة
حكومة السيّد الدبيبة ومجلس السيّد المنفي، ومن ورائهما تلك الأجسام المهترئة والإنتهازية... كل هذه الأجسام يجب أن تنتهي وتزول بعد إنتخابات 24 ديسمبر 2021 المبرمجة... أو المأمولة. حينما تجرى تلك الإنتخابات البرلمانية والرئاسيّة، وتثمر عن إختيار أجسام جديدة منتخبة؛ سيكون لزاماً وإجباريّاً إنهاء كل الأجسام التي أوصلتنا إلى هذه الحالة الفوضوية التي تعيشها بلادنا الآن ويعاني منها الشعب الليبي بكل طوائفة وبكل مكوّناته الثقافية والعرقية.
إنهاء كل تلك "الأجسام" الفاسدة يعني - ويجب أن يعني - إبعاد كل من ينتمي إليها من البشر، والتعامل مع كل فرد بما يقتضي القانون وبما يتوجّب من إجراءات. لا يمكن ولا يمكن السماح لأيّ كان ومهما كان بأن يتم تعيينه في السلك الديبلوماسي، أو إعطائه منصباً سيادياً "مكافأة" له على إفساده.
مرحلة ما بعد إنتخابات 24 ديسمبر 2021 سوف تكون المرحلة الإنتقاليّة الأخيرة في ليبيا، والتي بعدها تنتقل ليبيا إلى الوضع النهائي والمستقرَ من خلال دستور دائم وإنتخابات مستندة إلى ذلك الدستور تبتدئي بها تلك المرحلة وعلى هداها تسير ليبيا إلى الأمام، ويبدأ الشعب الليبي في بناء مستقبله على أسس وبرامج عمل مختلفة عمّا نمارسه الآن.
فترة المرحلة الإنتقاليّة الأخيرة أنا أقترح مدّتها ب4 سنوات غير قابلة للتجديد، يتم خلالها الآتي:
  1. تاسيس دستور وطني دائم، وأقترح أنا هنا بأن يتم "تعيين" لجنته المعدّة له وليس إنتخابها. التعيين في بلاد العالم المتخلّفة والتي من بينها ليبيا هو الأفضل بكثير من الإنتخابات في مثل هذه الأمور. علينا بأن نتعلّم من تجربتنا السابقة في إنتخابات عام 2014 والتي أنتجت لنا أشخاصاً في غير مستوى المهمّة المناطة بهم، وبذلك فهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تأسيس أي دستور يقبله الشعب الليبي.
  2. توحيد الجيش الليبي، والشرطة، وكل الأجهزة الأمنية.
  3. القضاء على كل الأشكال المسلّحة بأية مسمّيات وتحت أية بنود.
  4. توحيد جميع مؤسّسات الدولة وتوزيعها العادل على كل مناطق ليبيا.
  5. أعادة هيكلة وتنظيم كل المؤسّسات الإقتصادية والمالية على أسس علميّة ودولية معتبرة بعيداً عن تدخّل من لا يعرف ولا يفقه بإسم الدين أو غيره.
  6. إعادة إعمار ليبيا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.
  7. إعادة الإعتبار لمؤسّسات الدولة السيادية بما فيها أجهزة الرقابة، والقضاء، والمحاكم، والمؤسّسات الدينيّة.
  8. إعادة تنظيم علاقات ليبيا مع الخارج بما يشمل ذلك السلك الديبلوماسي، علاقات ليبيا مع الغير، وكل المعاهدات التي أبرمت بين ليبيا وغيرها منذ عهد الإستقلال وحتى الآن.
  9. تنظيم وإنشاء الأحزاب السياسية، وتنظيمات المجتمع المدني، وكذلك الصحافة والإعلام، وكل وسائل التعبير الأخرى في كل أنحاء ليبيا.
  10. القيام بعمل إحصاء سكّاني، وعمراني، وتعليمي ومهني متكامل يكون هو الأساس لأية إحصاءات مستقبلية، والتي يجب بأن تكون دورية ومنتظمة.
إن تمكّنت الحكومة الإنتقاليّة، وبقية الأجهزة المنتخبة الأخرى من إتمام كل تلك المهام بنجاح في ذلك الظرف الزمني؛ فإنّنا حينها نقدر على تجاوز مشاكلنا، ونبدأ بالفعل في بناء دولتنا العصرية والمتحضّرة والمدنيّة.
يومكم سعيد، ولنكن متفائلين بأن الغد سوف يكون أفضل بكثير من اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك