2021/03/25

السحر وتأثيره على العقل (الحلقة السابعة عشر- ب)

مخّك يستجيب لما ترسل إليه، وحسب حالتك النفسيّة يكون تخاطبك مع مخّك. مخّك لا يوظّب لك حالتك النفسّة، بل إنّه يستجيب لك مهما كانت حالتك، ويتصرّف بالنيابة عنك؛ ولكن من خلال إيعازاتك له.
كما ذكرت بالأمس، فإنّ هذه الحلقات الثلاث هي مترابطة ومكمّلة لبعض، ومن ثمّ تعاملت معها على أنّها بمثابة "حلقة واحدة"، لكنّها نشرت لكم في ثلاثة حلقات جزئيّة بهدف التخفيف عليكم من وقع الإطالة. أنا أعرف بأن الكثير منكم لا يحب قراءة المقالات الطويلة، لكنّني أنا، من ناحية - وبصدق - أعشق الكتابة، ومن ناحية أخرى لم أشاء أن ألخّص هذه المواضيع الجدية في مقالات قصيرة !!.
حلقة اليوم أراها هي ربّما الأهم والأكثر إثارة من كل حلقات هذه السلسلة، وسوف تجدون رابطاً في نهايتها ينقلكم إلى مشاهد فيديو أتمنّى منكم مشاهدته مع أنّه باللغة الإنجليزية لكن أغلب محتوياته تم التعرّض إليها في هذا المقال، والمشاهدة هي على الأكثر من باب "الإستمتاع" وربّما أيضاً من باب "التندّر" والطرافة !!.

اليد التخيّلية Virtual hand
يقول علماء الأعصاب في جامعة صسيكس Sussex University البريطانية بأن نتائج أبحاثم أوجدت بأن اليد المطّاطيّة والتي يركّب بها نابض صناعي يتم توظيبه ليتماثل تماماً مع نبضات قلب الشخص المركّبة له يخلق "تخيّلاً" في مخّه يظهر له وبكل جديّة (Vividly) على أن تلك اليد المطاطية هي جزء حقيقي من جسمه، فيقوم دماغه بالبرمجة وفق ذلك "التخيّل" أو الشعور، فيستقبل منها الأحاسيس ويرسل إليها الإشارات الحركية بغية تحريكها إستجابة لرغبة أو غاية حاملها.
ويقول أولئك المبدعون بأن نتائج أبحاثهم - والتي نشروها في مجلّة نيورو سيكولوجيا Neuropsychologia - من الممكن إستخدامها في الكثير من الأغراض التي يستفيد منها الإنسان في حالات مرضية كثيرة من بينها:
  1. توظيف هذا الإستنتاج المهم في علاج الحالات العصبية والنفسيّة خاصّة عندما تكون هناك هواجس بخصوص المظهر والشكل.
  2. يمكن أيضاً توظيف هذه النتائج لمعالجة هواجس "النمطيّة الجنسانيّة" عند بعض الرجال(شيوخ الدين)، ونظرتهم الإغرائيّة(الإغوائيّة) للمرأة.
  3. تركيب اليد الصناعية محل اليد المبتورة ومقدرة المخ على تحريكها وكأنّها يداً طبيعية.
ويقول البروفيسّور أنيل سيث Anil Seth الذي كان يقود هذا البحث - وهو مهتم جدّاً بقضايا تصوّرات وتخيّلات المخ - بأن مخ الإنسان يقوم أحياناً برسم صورأ من الخيال نتيجة لظروف "قاسية" مثل المرض والإرتعاب والحالات النفسيّة العميقة وكذلك بتأثير بعض الأدوية المهلوسة؛ وتلك الصور و"الأشباح" Images تكون أحياناً في هيئة بشر أو حيوانات أو حشرات أو ثعابين، حينما تظهر أمامه تبدو وكأنّها حقيقيّة فتزيد من إرتعابه وتجعله يفقد السيطرة على تصرّفاته. تلك الصور قد يخزّنها المخ على هيئة "ذكريات" في مخزون الذكريات العميق Resident Memories ويسترجعها له مخّه أليّاً Spontaneous حينما يمر الإنسان بظروف مشابهة لتلك التي كانت هي ذاتها المحفّز لها في أوّل الأمر.
ويضيف البروفيسور سيث، على أن مخ الإنسان يبني تلك "ردود الأفعال الأليّة" من خلال “الهمس اللمسي والبصري والسمعي" Visual, auditory, and tactile illusions حسب الإشارة المرسلة من حيث القوّة والسرعة والشكل والتوقيت. كذلك؛ يضيف البروفيسّور سيث قائلاً: مخّ الإنسان يبني خبرة "الإمتلاك" من محفّزات حسّية يستقبلها عن طريق رسائل "شبحيّة" من خلال النظر أو سمعيّة عن طريق السمع، أو ملمسيّة عن طريق المستقبلات الحسيّة العديدة تحت الجلد؛ وتلك الإشارات الحسيّة المحفّزة يحوّلها مخ الإنسان إلى ذكريات يحتفظ بها المخ لأوقات أخرى، أو قد تكون عبارة عن ردود أفعال حركيّة يرسلها الجانب الحركي من المخ ليحرّك بها العضو "الممتلك"... أي المثبّت أو المزروع وفق الإشارات الحسيّة المستقبلة ووفق تفسير الدماغ لها. ذلك التفسير تؤثّر فيه الكثير من العوامل والتي منها مستوى التعلّم، مستوى الذكاء، كم الخبرة الحياتيّة، وكذلك الحالة النفسيّة التي يمر بها الشخص حين إستقبال تلك الرسائل الحسيّة المثيرة.
قام البروفيسّور سيث مع فريقه الذي كان يشرف عليه بتجربة عمليّة وواقعيّة على 21 متطوّعاً من الرجال والنساء. كل متطوّع ألبس ما يشبه "القلنسوة" على رأسه في مقدّمتها شاشة حاسوبيّة لتسهيل رؤية "الواقع المعزز" Augmented Reality. قام البحّاثة بإخفاء إحدى أذرع المتطوّع وذلك بتغطيتها بشرشاف أو بطّانية بهدف حجب رؤية تلك الذراع بالعين من قبل المتطوّع، وطلب من المتطوّع التركيز على الشاشة التي أمام عينيه.
بعد ذلك أظهروا لكل متطوّع على الشاشة التي أمامه موجات لنبض الشريان الكعبريRadial Pulse، وكذلك صورة اليد المطّاطية الموضوعة بجانبه. اليد المطاطية الموضوعة بجانب المتطوّع كانت تصدر موجات متتابعة بلون أسود وأحمر تتجانس مع نبضات القلب، وتظهر تلك الموجات الشريانيّة على الشاشة أمام عينيه.
النتائج البحثية أبانت بأنّه حينما تم توظيب نبضات اليد الصناعية مع نبضات قلب المتطوّع إرتبط مخ المريض عميقاً باليد الصناعية على غرار أولئك الذين لم يتم التوظيب عندهم مع نبضات القلب.
البحثة قالوا بعد نهاية التجارب بأن مخ الإنسان يدمج إنطباعه عن الجسم خارجياً مع الإنطباع الداخلي حينما يقوم الدماغ بتحديد ما يحدث حقيقة للجسم. يقولون أيضاً بأن نتائج التجارب أبانت بأن الصورة التي يرسمها الدماغ تكون ناتجة عن الخيال البصري (التخيّل) لتهيوء حركات اليد المرسل له من ذلك الشخص. ومن خلال تلك الصورة (الخيالية) التي يرسمها الدماغ في تلك اللحظة يكون رد فعل الشخص سريعاً وقويّاً وربّما عشوائيّا Irrational بحيث أنّه يرى اليد الصناعية الموضوعة بجانبه وكأنّها يده الحقيقية فيحاول تحريكها لكنّها بالطبع لا تتحرّك، ولكن الذي يتحرّك إستجابة لوخز اليد المطاطية هو في الواقع يده الطبيعية التي كانت محجوبة عن نظره كإستجابة للسع أو وخز اليد المطاطية الغير متصلة به !!.
من هنا يستنتج البروفيسور سيث بأن الأشياء التي يراها الإنسان المرتعب أو العصبي أو المريض أو الواقع تحت تأثير بعض الأدوية المهلوسة إنّما ينتجها له مخّه من خيال "أشباح" يتوّهمها الإنسان عند تلك الظروف الإستثنائيّة.
يمكنكم التواصل مع هذا الرابط للمزيد: اليد التخيّلية - الشفرة الخطأ

وفي الخلاصة؛ أود القول هنا بأن ماذكره القرآن في قصة موسى عليه السلام {{ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }} كان بالفعل وتحديداً مشابهاً تماماً لما خرج به هؤلاء البحثة مع أنّهم ولا واحد منهم كان قد قرأ القرآن أو كان يعرف بقصة موسى والسحر. وبناء عليه أريد من القارئ العزيز والمتابع لهذه السلسلة أن يعرف بأنّني هنا في هذه السلسلة كنت أتحدّث عن معرفة وعن يقين ومن خلال إطّلاعي على الكثير من التجارب العلميّة والبحوث التي قام بها الناس المهتمون بقضايا الدماغ وقدرات مخ الإنسان على التصرّف أحياناً بردود أفعال قد تبدو لعقل ذلك الإنسان على أنّها خارجة عن المعتاد، ويفسّرها له من يفتقر إلى المعرفة على أنّها من أفعال الجن والسحرة والشياطين وبقيّة المعتقدات القديمة التي كان ومازال مصدرها هو الجهل الذي كان سائداً حينها، ويصرّ شيوخ ديننا على نقله لنا كما هو على إعتبار أنّه من "المسلّمات" التي لا تقبل النقاش فيها أو حولها، بل ويحاول البعض منهم فرض تصديقه علينا من مبدأ أنّه "ورد في القرآن" !!.
وختاماً... مع حلقة اليوم، قررت عرض عليكم شريط فيديو من اليوتيوب عن اليد المطاطية مشابه لما تحدّثت عنه اليوم، وهو باللغة الإنجليزية، لكنني كنت شرحت مجريات الفيديو باللغة العربية في مقال اليوم، وأنا أدعوكم لمشاهدة الفيديو من باب "الإستمتاع" برؤية ردود الفعل "المضحكة" والتي قد تجدونها مسلّية أيضاً.... يومكم مفرح ومبهج ومليئ بالمسرّات إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك