2021/03/08

السحر وتأثيره على العقل (الحلقة التاسعة)

هناك بيننا من يسرّه أن يبقينا على ما نحن عليه، ويسعده أنّنا نتقبّل كل ما يقال لنا بدون أن نستفسر أو نتساءل. إنّنا إن فعلنا ذلك، فنحن يقيناً لا نستحق بأن نعيش في زمن لا يعرف غير العبور إلى الأمام.

صباحكم منوّر ويومكم معطّر، وربّنا يفتح عليكم أبواب السعادة ويحميكم.
بعد أن عبرت خلال بعض المجلّات الطبيّة ليلة البارحة بهدف الإطّلاع والمعرفة، دفعني عقلي للقيام بتغييرات بسيطة لحلقة اليوم والغد. فقد كان برنامجي لحلقة اليوم أن أعرض بعض الحالات المرضية للمخ والتي تتصاحب مع التخيّل ورؤية أشياء غريبة، والتحدّث إلى كائنات غير موجودة، وسماع أصواتاً لأناس هم في عداد الموتى؛ ولكن إرتأيت أن أترك المجال لغيري اليوم لأشارككم في أرائهم وأفكارهم على أن أدفع بالحلقات قليلاً إلى الأمام مع المحافظة على وعدي السابق بأن تكون حلقات هذه السلسلة 15 حلقة فقط.
وحتى ألزم نفسي هنا أمامكم، فسوف أطرح عليكم برامج الحلقات القادمة من الحلقة العاشرة وحتى الخامسة عشر. سوف تكون مواضيع الحلقات اللاحقة كالآتي: أمراض مخيّة متصاحبة بالتخيّل ورؤية الأشياء، أمراض نفسانية متصاحبة بالتخيّل ورؤية الأشياء، ثلاثي المخفيّات المخيفات، السحر والخرافات المصاحبة له، كيف يمكنكم مقاومة خرافات السحر والجن؟.

ماذا تقول الأبحاث عن الرؤية والتخيّل؟

الأفكار المتطفّلة أو الدخيلة Intrusive Thought:
هي أفكار تدخل في مخّك وتستحوذ عليك(تغتصبك)، فلا تستطيع التملّص منها. من بين تلك الأفكار التي تنتابك وتجعلك غريب الأطوار ولا تستطيع إخراجها من مخّك أو تفكيرك فتتركك هائماً مخبولاً ومتأزّماً أنّك تكيد في داخل ذهنك على قريب عزيز عليك وسوف تنتقم منه مع أن ذلك ليس من نيّتك أو تفكيرك على الإطلاق... أفكار إستحواذية مقلقة.

هناك الكثير من الأشياء التي تؤدّي بك إلى ذلك الإحساس الغريب، ومنها:
  1. التشدّد الديني المتطرّف.
  2. العصبيّة المستدامة.
  3. إنفصام الشخصية(الشيزوفرينيا).
  4. الكآبة ثنائية القطب Bipolar Depression.
  5. الشخصية النرجسيّة؛ والمثال الواضح هو طغاة السياسة.

هناك الكثير من المؤثّرات التي تؤدّي بك إلى تلك الحالة الصعبة من الإحساس الغريب في داخلك، وأعرض هنا بعض منها:
  1. الحرمان المادّي(الفقر المدقع)، والإنعزال الإجتماعي(الإستكراد).
  2. العناء والشقاء والغضب المستدام.
  3. السكن مع عائلتك في بيت مهترئ وغير لائق للسكن.
  4. فقدان عزيز عليك تبكي عليه كثيراً ولا تخرج ذكراه من تفكيرك.
  5. الهيام بحب شخص ما حتى الوله(الجنون).
  6. حدوث طلاق وإنفصال لأسباب ترغمك عليها الظروف المحيطة.
  7. الإرهاق الشديد بسبب ضنك العيش.
  8. الإدمان الشديد على التدخين، الخمر، أو المخدّرات... أو كلّها.


جنون التوهّم Delusions
هذا الموضوع كبير ومتشعّب، وسوف أتعرّض إليه في يوم الغد إن شاء؛ لكنني إرتأيت أن أعطيكم بعض المعلومات هنا:
جنون التوهّم؛ هو الحالة التي تصيبك فتحسّ بالأشياء بهيئة مختلفة عن الآخرين المحيطين بك؛ ومنها سماع الأصوات، رؤية الأشباح، الإعتقاد بأن غيرك يكيد بك، النظر إلى الغرباء على أنّهم من المتربّصين بك، وبأنّ هناك يحاربك في إعتقادك.

هناك أنواع كثيرة من "جنون التوهّم" منها على سبيل المثال لا الحصر:
  1. جنون الإضطهاد.
  2. جنون التديّن.
  3. جنون العظمة(يكثر عند المغالين في الدين وطغاة السياسة).
  4. جنون التفوّق.
  5. جنون التآمر.
في دراسة مستفيضة عن جنون التديّن أجريت على المتديّنين المسيحيين من الكاثوليك والبروتستانت مقابل الملحدين تم نشرها في مجلّة "أبحاث نفسية" Psychiatric Research نشرت في عام 2001؛ أوضحت تلك الدراسة بأنّ البروتستانت يعانون من جنون التديّن أكثر من الكاثوليك؛ وأنّه كلّما إزداد التشدد في التديّن كلّما زادت ظاهرة التوهّم، وإزداد معها الشعور بالكيد والإضطهاد. الدراسة أجريت على 133 متديّناً نصفهم من الكاثوليك والنصف الآخر من البروتستانت، مقابل نفس العدد من الإلحاديين. الدراسة وجدت بأنّه لا أحد من الإلحاديين كان يعاني من ظاهرة التوهّم أو جنون التديّن.


الهلوسة Hallucinations:
الهلوسة في تعريفها العلمي هي إستلام خاطئ للحقيقة، وقد تحدث مع كل الإحساسات القادمة إلى مخاخنا؛ لكنّ أكثرها شيوعاً الأشباح التي نراها والأصوات التي نسمعها بدون وجود حقيقي لها؛ وسبب سماعنا لها هو "التخيّل".
يقول البروفيسور جون مغراث John McGrath من معهد المخ في كوينزلاند في أستراليا: هناك الكثير من الأصوات التي تسمعها، والأشباح التي تراها لأجسام وكائنات هي ليست هناك؛ لكن ذلك لا يعني إطلاقاً أنّك تعاني من الشيزوفرينيا أو أنّك تتعاطى حبوباً مهلوسة. عليك بأن تتريّث وتهدأ؛ فليست كل تلك الأشياء الغريبة عليك تكون دائماً مخيفة أو مقلقة. فقد برهنت الأبحاث العلميّة التي أجريناها بأن شخص واحد لكل عشرين في المجتمع يقولون بأنّهم يسمعون أصواتاً أو يرون أشباحاً لا يراها غيرهم لكنّهم هم في كامل وعيهم.
وتفيد الأبحاث التي عملناها كذلك بأن أي سماع لأصوات غير موجودة أو رؤية أشباح غريبة لا يراها المحيطون بنا سببها نشاطاً متزايداً في منطقة السمع أو النظر الواقعة في قشرتنا السمراء حسب موضعها التشريحي الذي نعرفه.
أمّا البروفيسورة "فلافي ووترس" Flavie Waters، وهي مستشارة في الأمراض النفسية والعصبية Neuro-psychologist في جامعة غرب أستراليا فتقول: تخيّل الأشباح المخيفة وسماع الأصوات الغريبة سببه بأن هناك شيئاً ما قد أختلّ في العلاقة بين الفصّين الأماميين في المخ وقشرة المخ الحسّية؛ ونحن بمقدورنا معرفة الكثير منها، والأبحاث مازالت مستمرة لمعرفة المزيد حتى يكون بوسعنا علاجها والقضاء عليها.
وتقول البروفيسورة فلافي ووترس: هناك بعض العوامل مثل السهاد، الإجتهاد المفرط، والحزن العميق بسبب فقدان عزيز، والتعرّض لحوادث مرعبة في السابق، أو السجن الإنتقامي بسبب الأفكار(الحصان الأسود ... من عندي !)، وغيرها من التغييرات الكبيرة التي يتعرّض لها الإنسان في حياته قد تجعل المخ أكثر قابلية للتخيّل أو سماع أصوات غريبة، وذلك يحدث بسبب توتّر العلاقة بين القشرة الحسّية للمخ والفصّين الأماميّين.
عندما يكون دماغك مستريحاً فإن فصّيك الأماميّين يكونان هما المسيّران لسيارة حياتك، فتقرر فصّا مخّك الأماميّان ما عساه أن يحدث في اللحظة الموالية وتستعد له؛ وبذلك تكونان في وضع قوي للتحكّم في بقية وظائف المخ. وحينما يكون أي منّا في حالة نفسية سئية، فإن فصّي مخاخنا الأمامية تلتهي بالإعتناء بتلك الحالة المضطربة التي تمر بها حتى تساعدنا على المحافظة على رباطة جأشنا، فتتحرّر لحظياً بقية فصوص المخ وكذلك قشرته الحسّية من السيطرة على وإدارة فصّي المخ الأماميّان لها، وبذا تفقد التناسق بينها فتبدأ أنت صاحب ذلك المخ في تخيّل الأشباح وسماع الأصوات الغريبة وقد تحسّ وقتها بإرتعاب شديد وخوف غير مبرر يؤدّي بك إلى اللجوء إلى تصوّر أن هناك مخلوقات تمتلك قدرات رهيبة هي من يسيطر عليك حينها فترتمي أنت في أحضانها وتفقد سيطرتك على أفعالك من باب أن هناك من "يسيطر عليك"، وتلك هي طبيعة النفس البشرية في حالةالخوف والإرتعاب.
وتواصل البروفيسورة ووترس: في بعض الثقافات، يكون مسموحاً لك بأن تسمع أصوات أعزاء عليك سبق لك فراقهم بسبب الموت. البروفيسور جون مغراث يوافقها على ذلك التصوّر الواقعي، ويضيف إلى ما قالت بأنّه في بعض الثقافات (الأديان)، يقول التابعون لتلك الثقافة أو الإعتقاد بأنّهم يسمعون "الله" وهو يخاطبهم عن بعد(الإلهام)، وبعضهم يسمع الشيطان يهمس في أذانهم من وراء الظلام وفي وسط السكون(الوساوس)؛ وتلك "التخيّلات تتناقص مع إنفتاح الإنسان على الغير والتحدّث معهم والخروج من بؤرة الإنعزال التي كثيراً ما تقوده نحو التشدد والتشيّخ عند المسلمين أو "الترهّب" عند المسيحيين.

أعتقد بأنّه يكفي لهذا اليوم، وأظنّني أدخلتكم في متاهات كثيرة، وقد أكون أخفت بعضكم؛ لكنّني ما وددت غير إعلامكم بما يفكّر به غيرنا من "العلماء" ... علماء الفكر والبحوث العلميّة وليس "علماء" شيوخ الدين.

يومكم طيّب ومثمر ويوكن ملئياً بالتفاؤل؛ خاصّة وأن مجلس النوّاب قد يكون إجتمع هذا اليوم بمدينة سرت لإعتماد حكومة السيّد الدبيبة !!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك