حكم الدول هو ليس فكاهة ولا هو نزهة ولا هو فرصة سانحة. حكم الدول هو فن وممارسة وإبداع وبحث جدّي عن الأفضل مع رسم الخطط الجدية لبلوغه. حكم الدول هو برامج وتخطيطات ومسالك وإنجازات، ولا يمكن تحقيق ذلك بدون محاسبة ومكاشفة وعقاب.
لا يمكن على الإطلاق فهم أو هضم ما قامت به دولة الإمارت، وذلك بقبولها الضغط الترامباوي بالإعتراف العلني بدولة الصهاينة. إن ما قامت به تلك الإمارات يعتبر تنكّراً لحق الفلسطينيين ونسياناً لمعاناتهم وتشجيعاً للمغتصب بأن يحتفظ بما إغتصبه. لقد قام حكّام الإمارات "البدو" بتقديم دعية للصهاينو لم يكونوا يحلموا بها حتى حينما وضعوا بروتوكولاتهم منذ ما يزيد عن قرن من الزمان. لقد أظهرت دولة الإمارات بحكّامها الأغبياء ولأبعد الحدود علم اليهود على "برج" خليفة وبطريقة ملفتة للنظر مع معرفة أن هذا البرج يلاقي إهتماماً دوليّاً وله أبعاداً سياحية كبيرة جداً. لقد أشعر أهل الإمارات كل العالم بوجود "إسرائيل" وبحقّها في البقاء وبإحلالها محل دولة فلسطين، ولا أعتقد بأن الصهاينة كانوا يحلمون بذلك اليوم الذي وضع فيه علمهم القذر على أعلى برج في العالم.
نحن نعرف ومنذ بدايات الأربعينات بأن ملوك وأمراء الخليج كلّهم كانوا صناعة وحماية أمريكية ، وكانوا مستعدين لفعل أي شئ تأمرهم بفعله أمريكا وبريطانيا في سبيل الحفاظ على عروشهم التي تحميها أمريكا وتحافظ على بقائها بريطانيا.
كان حكّام الخليج هم بحق سبب نكسة عام 1948 ونكسة عام 1967 وربما أيضاً ذلك الإنكسار الذي حدث في حرب 1973 بما عرف بثغرة الدفرسوار التي غيّرت فجأة موازين الحرب وحوّلت الإنتصار العربي إلى هزيمة لولا تفطّن السادات للأمر وقبوله بوقف إطلاق النار قبل أن تفقد مصر كل شئ؛ مع أن شروط وقف إطلاق النار كانت مجحفة جداً للمصريين كما نعرف والتي كان من بينها الإعتراف بدولة الصهاينة.
من خلال ما لاحظت وما عرفت أشعر الآن بأن ثورات "الربيع العربي" ربّما كان مخططاً لها سلفاً مع يقيني بأن من قاموا بها كانوا صادقين ومتفاعلين مع أوضاعهم التي كانت تحيط بهم في بلدانهم، لكن مخطط ما قبل ثورات الربيع العربي لم يتوقّف. لقد تلقّف الحقراء الثورة بمجرد نجاحها وتمكّنت الجماعات الدينية من السيطرة عليها، غير أن ذلك لم يكن هكذا بتخطيطهم أو بمحض الصدفة. كان كل شئ مدبّراً عن بعد، وكان أن سمح لهم بالسيطرة على كل شئ بشرط أن يكون "الإخوان المسلمون" هم المسيطرين الحقيقيين على الأوضاع في المنطقة العربية. فالإخوان هم "الحمار القصير" والمروّض الذي يركبه الغرب بدون أية مشقّة أو معاناة.
لقد تم تدمير الجيش السوري والجيش الليبي والجيش اليمني وكان كل ذلك محبوكاً سلفاً، ثم كانت هناك محاولات لتدمير الجيش المصري حينما حكم محمد مرسي مصر وأخذ في أخونة قيادات الجيش غير أن الجيش المصري لم تنطلي عليه تلك الخدعة، وبالفعل إستفاق الجيش المصري قبل أن تلعب به السيول.
كان من قبل ذلك قد تم تدمير الجيش العراقي عن بكرة أبيه ولنترك المبررات الآن، وتم بعد تدمير الجيوش العربية المذكورة تدمير كل إمكانيات إيران الإقتصاديّة، وتم تحويل إيران إلى العدو اللدود لدول الخليج بدل دولة الصهاينة، وتمت كذلك محاصرة حزب الله الذي برهن على أنّه كان خطراً على بقاء وإستقرار دولة الصهاينة، وتم ترويض حكام الخليج كي يكرهوا حزب الله ويحوّلوه إلى "عدو لدود"... كل ذلك كان من ضمن البرنامج المعد سلفاً وربما منذ بدايات السبعينات بالقضاء على جمال عبد الناصر ثم تشكيل جماعة الطالبان ثم تنظيم القاعدة ثم ذلك الهجوم المبرمج على نيويورك ثم تشكيل تنظيم داعش وإنتهاء بتدمير العراق.
الآن بدأنا نرى النتائج ترتسم على الواقع وأمام أعيننا، وكانت دولة الإمارات هي ربّما الخطوة "التلقائية" الأولى للتطبيع مع الصهاينة، وأقول تلقائية لأن كل المحاولات التي سبقتها كانت بكل تأكيد تختلف عنها من حيث الطريقة ومن حيث الحوافز ومن ناحية الضواغط ومن حيث المحدودية. ما قامت به دولة الإمارات لا يمكن إيجاد أي وصف له أكثر من "العمالة المطلقة" والنذالة التي لا مبرر لها غير العمالة والخضوع للغير. المرحلة النهائية سوف تكون وبأية طريقة السعي لتدمير الجيش المصري والجيش التركي، مع أن الدولتين تعترفان بدولة الصهاينة وباركتا إعتراف الإمارات بتلك الدولة اللقيطة. مازال هناك إحتمال بسيط في تفكيرهم الماكر - تفكير الموساد - بأن تتغيّر الأمور في مصر أو تركيا وقد يتحوّل الجيش في كل منهما إلى قوة خطيرة على دولة الصهاينة... فهم يتعاملون مع كل الإحتمالات، وسوف يدمّرون الجيشين ببعضهما بطريقة أو بأخرى، حتى تصبح دولة الصهاينة هي من يملك المنطقة ومن يملك النفوذ فيها ويتحّول العرب والمسلمين إلى "رعاة غنم" من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك