إنّ كل من يفكّر ويبحث ويتدبّر لابد له من العبور إلى الأمام. تلك هي سنّة الله في خلقه، وبتلك العقول المبدعة نحن خلقنا. إن من ينظر إلى الوراء هو فقط من يرتعب من السيران إلى الأمام، ومن فيض إرتعابه تجده يحارب التغيير ويقف في وجه الإبداع الإنساني معتبراً إيّاه من البدعة المحرّمة حسب تفكيره وحسب عالمه الذي يعيش فيه، والذي هو - يقيناً - ليس عالم البشر الذين يحيطون به.
تعتبر سيارة كونيوت التي اخترعها جوزيف نيكولاس كونيوت عام 1769م من أوائل السيارات في التاريخ وكانت تعمل بالبخار. كان كونيوت مهندسا في الجيش الفرنسي وقام بإختراعها من أجل جر العتاد الثقيل للجيش وعلى الأخص المدافع، و كانت هذه السيارة ذات ثلاثة عجلات، وكان محرّكها يعمل بأسطوانتين، وكانت مكابس الأسطوانتين موصولتين بالعجلة الأمامية بواسطة إسطوانة ناقلة للحركة كانت عارية وبدون غطاء. وما يُعرف عن تلك السيارة أن سرعتها وصلت إلى 5 كيلومترات في الساعة في أحسن الأحوال. كانت تلك العربة صعبة التوجيه بسبب ثقل غلاية الماء وثقل السيارة عموماً. وإنتهت في حادث إصطدام مع جدار المعسكر أثناء أحد إستعراضاتها !.
وفي عام 1885 إخترع "كارل بنز" سيارة تعمل بمحرك جازولين أوتو لأوّل مرّة في تاريخ الإنسانيّة، وكان ذلك في ألمانيا؛ وسجل بنز براءة اختراع هذه السيارة في 29 يناير 1886 في مدينة مانهايم الألمانيّة. ومنذ ذلك التاريخ والإنسان أخذ يعمل جاهداً على تطوير ذلك الإختراع بعد أن أقتنع بجدواه وبعد أن أعتمده في تفكيره.
وحينما ننظر اليوم حولنا نرى بأنّه في أكثر بقليل من مائة سنة، نجح العقل البشري في تطوير تلك السيّارة إلى نماذج وأشكال متعدّدة، وكل نموذج نجده يتسابق مع الآخر في إظهار إبداعات العقل البشري، وقد نقف بجانب أية سيارة حديثة أو ندخل بداخلها لنرى بأعيننا ما حققه العقل البشري لنا وما وفّره القادرون منّا لنا من أبّهة وفخامة وإبداع تنعّمنا كلّنا بوجوده وفرحنا بتوفّره بين أيدينا.
ومرسيدس من الداخل حيث الفخامة والأبّهة
وحيث أنّني لا أستطيع أن أعبر من خلال نافذة الزمن لأنقل إليكم إبداعات العقل البشري عبر السنين، إلّا أنّني توقّفت عند نموذجين من آخر الإبداعات البشريّة في عالم السيّارت. الإبداع الأوّل كان بكل تأكيد إختراع السيّارة الكهربائيّة، وذلك كان ربّما إستجابة للرغبة الإنسانية في العيش في آمان وسلام بعيداً عن التلوّث الذي تسبّبه الأعداد الهائلة من السيّارات في العالم بسبب إستخدامها للوقود الصخري، وكذلك إنتاج سيّارات تسير بالطاقة الشمسيّة المتجددة. أمّا الإختراع الثاني الذي شد إنتباهي فهو بكل تأكيد "السيّارة الذاتيّة"، والتي تقود نفسها بنفسها؛ وهذه السيّارة سوف تتواجد في المدن الكبرى خلال هذا العقد من الزمان وبشكل كبير جداً.
محطّة نموذجيّة في بريطانيا لشحن السيّارت الكهربائيّة
حينما تصفّحت أخبار اليوم هذا الصباح، عثرت على خبر عن إستعدادات بريطانيا لعالم اليوم ولا أقول هنا "عالم الغد"، حيث بدأت بريطانيا في تشجيع شركات القطاع الخاص على إنشاء محطّات شحن كهربائي للسيّارت ستعداداً لعما 2035 حيث ستنتهي جميع السيّارات التي تسير بوقود صخري لتصبح بريطانيا من أوّل دول العالم التي تسير جميع سيّاراتها بالوقود الكهربائي؛ ومن هنا نشاهد الآن في أغلب الشوارع وفي كل المدن البريطانيّة ظهور محطت الشحن الكهربائي الذاتيّة والتي لا تحتاج إلى وجود بشر حولها وهي متوزّعة على حواف الطرق تنتظر زبائنها الذين مازالوا قليلين لكن أعدادهم تتزايد في كل يوم.
بعد إنشاء تلك "الصناديق" الكهربائيّة فرادى وفي مجموعات متناثرة هنا وهناك، بدأ التفكير الآن في التوسّع في هذا المجال وذلك بإنشاء محطّات كبرى تشتمل على عدد كبير من صناديق الشحن الكهربائي وفي وجود إسترحات حديثة لوفير كل لوازم أصحاب السيّارت من أكل وشرب وترفيه بينما تشحن سيّاراتهم أليّاً بعد بالطبع دفع فواتير الشحن !!.
محطّة شحن كهربائي نموذجية تسير بالطاقة الشمسيّة
هكذا... فإنّنا نرى غيرنا يتقدّم ويسير إلى الأمام، بينما نظل نحن - وللأسف - في آماكننا نتفرّج ولا نقدر أن نقف في مقدّمة شعوب العالم الباحثة عن غد أفضل ومستقبل أكثر رفاهيّة وإرتياح للبشر. نحن - في عالمنا العربي والإسلامي - وللأسف وجدنا أنفسنا مستهلكين ومستخدمين لإبداعات غيرنا التي يتجمّلون علينا بها مع أنّنا ندفع أثمانها مقدّماً ونتنازل عن الكثير من ثوابتنا من أجل الحصول عليها. نحن وجدنا أنفسنا في ذيل بلاد العالم نسير من ورائهم ولا نقدر على تقدّم الصفوف لأنّنا مازلنا نعاني من سيطرة طرق تفكير متخلّفة في تعليمنا وفي تنشأتنا، ولأنّنا مازالت تسيّرنا عقليات هي بكل تأكيد أكثر تخلّفاً.... فهل نصحى من سباتنا؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك