2020/05/19

الإنتصارات التركيّة لا تخدم القضيّة الليبيّة

حينما يرى نفر من المتعلّمين في أية بلد الصورة كما ترسم لهم وليس كما ترسمها لهم عقولهم، نقول حينها بأن تلك البلد لا تمتلك متعلّمين بوسعها أن تعتمد عليهم أو أن ترسم معالم طريقها بأيديهم. بلد يفتقد متعلّميها إلى الرؤية الواقعية للأشياء هي بلد متخلّف حتى وإن كان كل أفراد شعبها يحتسبون من المتعلّمين وحملة الشهائد العليا.

كان سقوط قاعدة الوطيّة في أيدي القوّات المدعومة من تركيا خسارة عسكرية وإستراتيجيّة كبيرة للجيش الوطني الليبي. وتعتبر خسارة قاعدة الوطية أكبر خسارة للجيش الوطني الليبي تأتي قبل أهمية سقوط غريان في العام الماضي.
أنا شخصيّاً يهمّني جيش بلادي ولا أحفل بالأفراد مهما كانوا ومهما عظّمهم الأخرون. أنا أحس بالحزن العميق حينما يخسر جيش بلادي موقعاً لخصمه، لكنّني أرى بأن مطبّات الحياة هي للجلوس والتدبّر ومراجعة الحسابات، ثمّ تغيير استراتيجيّة التفكير. وقبل أن أعرج على النتائج المتوقّعة من فوز القوّات التي تدعمها تركيا وتناصرها وتعمل على تغليبها على خصمها، أود أن أعود لأكرّر من جديد أخطاء قيادة الجيش الوطني خلال السنتين الماضيتين والتي سبق لي أن كتبتها عدّة مرّات من قبل ولكن يبدو أنّه ليس هناك من يقرأ أو يحلل أو يستفيد:-

  1. فشل قيادة الجيش في البرهنة لليبيين والليبيّات على أن هدفها هو تحرير وصيانة البلاد وليس حكمها.
  2. فشل قيادة الجيش في الإستحواذ على قلوب كل الليبيين والليبيّات بسبب الغباء الإعلامي.
  3. إصرار قيادة الجيش على معاداة غير العرب من الليبيين بالإصرار على تسمية الجيش ب"الجيش العربي الليبي". وأنا كنت قد حذّرت من ذلك في العديد من المرّات من قبل.
  4. أخطاء إستراتيجيّة في إختيار الأهداف: فكيف يمكن لأي جيش في العالم أن يتقدّم ويترك وراءه قوّات معادية قادرة على الهجوم والفتك به في أية لحظة. أنا سبق لي التنبيه على ذلك في أكثر من مناسبة، فكيف تهاجم العاصمة ومصراته من خلفك قادرة على مهاجمتك، وكيف تهاجم العاصمة ومن الجهة الأخرى تبقى الزاوية وزوارة من أكبر أعدائك؟. كيف تهاجم العاصمة ومن خلفك الآخر تقبع غريان وهي في أيدي من تحاربه؟.
  5. أخطاء إستراتيجيّة أخرى مثل الموافقة على وقف إطلاق النار في العام الماضي وإعطاء تركيا كل الحريّة لتسليح الخصم بل ونقل قوّات كبيرة للمناطق التي تحيط بك من كل مكان.
  6. أخطاء إجرائيّة منها الدفع وبكل قوّة نحو مشروع "التفويض"، والخطأ الأكبر والأشد سلبية على المجهود الحربي هو "إلغاء المجلس الرئاسي"، والذي أبعد وبكل جلاء تعاطف الدول الكبرى مع قيادة الجيش.
  7. الفشل الذريع في إستقطاب سكّان العاصمة ونيل تعاطفهم مع القيادة العامة وذلك لعدة أسباب منها فشل القائد العام في تطمين سكّان العاصمة بأنّه سوف لن يحكم ليبيا بعد تحريرها.
من هنا أنا أرى بأن خسارة قاعدة الوطية لم تكن مفاجئة بالنسبة لي، وسوف تتم خسارة آماكن مهمّة وإستراتيجيّة أخرى في الأيّام القليلة القادمة منها ترهونة ومنها قاعدة الجفرة ومنها سبها وبقية مدن الجنوب؛ إن لم تفكّر القيادة في العمل الجدي والمضني لتغيير النهج والمنهج وطريقة التفكير. في الجانب الآخر، أود أن أوجّه كلامي إلى المبتهجين بإنتصارات حكومة الصخيرات بالدعم التركي الفاضح والصريح والعلني. أريد أن فقط أنبّهكم جميعاً إلى الآتي:
  1. إن الفوز على جيشكم الوطني لا يمكن إحتسابه نصراً.
  2. إن تبعات تدمير جيشكم الوطني سوف تكون سيادة تركيّة على كل الأرض الليبيّة، وتلك سوف يصبح من المستحيل التخلّص منها أو إجتثاثها من الأرض الليبية.
  3. إن الذين تناصرونهم هم وهم وحدهم من دمّر أسس الديموقراطيّة في ليبيا، وبذلك فإن ليبيا سوف لن تشهد أي حكم ديموقراطي فيها تحت إمرتهم.
  4. إن الفوز على الجيش الوطني بقيادة وتخطيط وسلاح تركي سوف يسقط الصوت الوطني في ليبيا لعدة عقود من الزمان.
  5. إن إنتصار القوى المعادية للجيش يعني بكل وضوح إنتصار التيّارت الدينية المتشددة والتي في حيثياتها لا تعترف بشئ إسمه الديموقراطية وتعتبرها كفراً.
  6. الجماعات الدينية المختلفة بمجرد إنتصارها على الجيش وضمان سيطرة الجيش التركي على كل شبر في ليبيا سوف تبدأ هي نفسها في التخاصم فيما بينها بسبب الإختلاف في التفكير، وذلك سوف يحرم بلادنا من أيّ أمن أو سلام لعقود قادمة من الزمان.
  7. إن الإنتصار على الجيش يعني إنتصار أردوغان بطريقة تفكيره، وهذا سوف يفتح الطريق واسعة أمام السيطرة الكلّية لتنظيم الإخوان المسلمون في ليبيا ولعقود قادمة من الزمان.
  8. إن مصر سوف لن ترضى بأن يكون على حدودها الغربية حكومة إخوانية قوية ومدعومة من تركيا؛ وبذلك فسوف لن تستقر ليبيا على الإطلاق، وقد لا تستقر كل المنطقة العربية على إثر الصراع الذي سوف ينشب بين مصر وتركيا في ليبيا.
من هنا فأنا أرى بأن الإستيلاء على قاعدة الوطية يعتبر بكل المعايير والمقاييس نكبة كبيرة لليبيا وصدمة للحالمين بالديموقراطية وتحقيق الدولة المدنية المستقلّة.... تصبحون على خير وبأية طريقة إستقبلتم إنتصار الأتراك على الجيش الوطني في قاعدة الوطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك