2020/04/26

الديموقراطيّة لا تتحقق بالتفويض ولا بالتقيّة

 قد يرى البعض أشياء برغباتهم وقد يسيرون إليها بعواطفهم، لكن الحقيقة هي التي تراها بعقلك وتسير إليها بتفكيرك وحساباتك.

بعد أن إستمعنا إلى تلك الكلمة المقتضبة للمشير خليفة حفتر في الليلة قبل الماضية، شاهدنا بأن الكثير من الناس في بعض المناطق الشرقيّة وهم يخرجون إلى الشوارع يعلنون تفويضهم للمشير خليفة حفتر ليقود البلاد !!.
في البدء وددت أن أعرف - أو لو أنّني أعرف - هل كان ذلك "عفويّاً" أم أنّه إستمراراً لممارسات الطاغية القذّافي التي تعوّدنا عليها طيلة عقود الزمان التي حكمنا خلالها؟.
أنا أظن بأن كل شئ كان مبرمجاً، وبأن الذين خرجوا لم يكونوا أكثر من "تابعين" يعملون ما يؤمرون به وغالباً لا يفكّروا فيما يفعلون، وقد يكونوا من الطامعين أو الطمّاعين أو الساذجين، أو العاطفيين الذين تعوّدنا على رؤيتهم خلال عقود حكم الطاغية القذّافي.
أنا من خلال خبرتي الحياتيّة أجدني لا أحفل بمثل هكذا "مشاهد" لأنّها بالنسبة لي ليست أكثر من مقاطع "سينمائيّة" ينساها الناس بمجرّد مشاهدتها، وقد يستمتعوا بها حينها. أنا الذي يهمّني هو العمل الجدّي والصادق والمخلص لإنقاذ الوطن من الأدران التي علقت بها منذ ثورة فبراير 2011.
نحن كلّنا نعرف "يقيناً" بأن بلادنا ليست في أحسن حالها، وبأن كل يوم يمر يتعذّب فيه الكثير من الأبرياء من أبناء وبنات وطننا، وفي المقابل يترفّه - من بيننا - أخرون لا تهمّهم إلّا جيوبهم وبطونهم وأنفسهم. تلك المشاهد يجب بأن تختفي، وعلى مثل تلك المشاهد يتوجّب علينا بأن نتفق ونتعاضد ونسعى جميعاً نحو حل لمشاكل بلادنا.
أنا مازلت - والحالة هذه - أحسّ وأؤمن عن قناعة بأن الخطوة الأولي لليبيا كي تخرج من محنتها تكمن في سيطرة الجيش الوطني الليبي على كل شبر من ترابها، وأن يقدر الجيش على حماية حدودها، وأن يفتح الطريق نحو تشكيل جهاز شرطة قوي ومتعلّم ومتمدّن وعصري يحمي مواطنيها. أنا أرى بأنّنا - كلّنا - يجب أن نلتقي حول مثل هذا التفكير وأن لا نختلف عليه في شئ.
الذي قد نختلف عليه ونحن مازلنا نحب بلادنا ونتمنّى لها كل الخير هو: من سوف يقود هذا الجيش، وما هي الكيفيّة التي يتم بها إنتشار الجيش الوطني في كل ربوع بلادنا؟.


أنا لا أؤمن بالأشخاص، ولا يمكنني إطلاقاً وإطلاقاً عبادة أشخاص مهما كانوا. أنا أؤمن دوماً بأن الأشخاص يذهبون والوطن باقٍ... فلنحاول - كلّنا - أن نرى الأشياء وفق هذا المنظور. 
من الناحية المهنيّة والعسكريّة أنا أرى بأن المشير خليفة حفتر هو جدير بقيادة الجيش والإنتقال به من هنا إلى هناك، ولكن الذي أختلف معه - قطعيّاً - فيه هو "طمعه" في السلطة. لو أن المشير خليفة حفتر خرج على العلن وأعلنها قويّة ومدوّية وصادقة بأنّه لا يطمع في حكم ليبيا وأنه بكل وضوح لا ولن يسعى لذلك مهما كانت المغريات. لو أنّه خرج علينا وقال ذلك بكل وضوح، فإنّه بالنسبة لي سوف يصبح بطلاً وطنيّاً وسوف بكل تأكيد يحظى بكامل إحترامي وتقديري له مدى الحياة. النقطة الثانية والتي يجب أن يقولها المشير خليفة حفتر بكل صراحة ووضوح هي أنّه لا يفضّل جهة على أخرى في ليبيا، وأنّه سوف لن يفرّط في وحدة البلاد، وأنّه لا يميّز بين فئات الشعب الليبي وخلفيّاته العرقيّة... أي أن ليبيا هي لكل أهلها من الليبيين والليبيّات بغض النظر عن إنتماءاتم الجغرافية أو أصولهم العرقيّة.
أنا لا أرى بأن ذلك يتطلّب الكثير من المشير حفتر أكثر من عودته إلى نفسه وصدقه مع ذاته وإختياره لأن يكون بطلاً بما يحققه لليبيا وليس بحكمه لها. أنا أرى بأنّها ليست أكثر من لحظة مع الحقيقة، ولحظة مع الذات، ولحظة مع العقل. أنا لا أراها صعبة على الإطلاق، بل أراها ميسّرة جدّاً وبوسعه القيام بها وربّما بأسرع ما يمكن.
وفي نهاية المطاف أود أن أقولها عالية وصريحة وواضحة بأن المشير خليفة حفتر لو أنّه إختار بأن ينتصر لأنانيّته وحبّه لنفسه وأن يستمر في حلمه بحكم ليبيا فإنّه يقيناً وقطعاً وأكيداً سوف "يخسر" كل شئ كما خسر من قبله الطاغية معمر القذّافي كل شئ.
هل يفعلها المشير في هذا الشهر الكريم، ويخرج على الشعب الليبي ليقولها بكل صراحة وبكل جلاء، وبكل وضوح على أنّه لا يسعى لحكم ليبيا، وسوف إطلاقاً لن يسعى لحكم ليبيا حتى وإن فوّضه "كل" الشعب الليبي على ذلك. الحكم لا يأتي بالتفويض ولا بالمبايعة ولا بالتقيّة، وإنّما بالديموقراطيّة الحقيقيّة والصادقة والنقيّة... يومكم ميسّر بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك