2019/12/08

هم يصنعون الأمل والحياة ونحن نصنع العناء والشقاء

حينما تنظر حولك وتتدبّر عالمك المحيط بك فإنّك قد ترى أشياء لا يراها غيرك وتكتشف حقائق قد لا يكتشفها غيرك. إنّك بذلك تمارس حقّك في الوجود، وتستثمر معطيات زوّدك الله بها فستفيد من مردوداتها وتفتح عن طريقها دروباً تظل موصدة أمام غيرك، لأنّ غيرك قد لا يهتدئ إلى معرفة شفراتها التي تفتح بها.
قمت يوم الأمس بمرافقة إبنتيّ التوأمتين (إيناس وإيثار) لحضور يوم تحضيري في جامعة لندن UCL معد لمن يفكّرون في دراسة الطب Young Doctors، وقد أذهلني بالفعل عدد الحضور ومن كل أنحاء العالم.
حينما عدت للجامعة في فترة الظهر لمرافقة إبنتيّ في ساعة الغذاء المعطاة لهما، وبينما كنت أنتظر في باحة الإستقبال المعدّة للمرافقين فوجئت بالفعل بمئات بل وأقولها بدون مبالغة بأكثر من ألف من اليانعين من الشباب والشابّات في أعمار 16-17 سنة وهم نازلون من الطوابق العليا للخروج مع ذويهم للبحث عن مكان يتناولون فيه وجبة الغذاء في وسط العاصمة. حينما سألت إبنتيّ عن الكم الهائل من الحضور قالتا لي بأن عدد الحاضرين معهما كان 240 طالب وطالبة يرغبون كلّهم في دراسة الطب بعد إنهاء المرحلة الثانويّة؛ وحينها تذكّرت بأن هذا اليوم هو معد مسبقاً لشباب هذه الفئة العمرية الذين يرغبون في دراسة الطب، الهندسة، الكمبيوتر، القانون، ورجال الأعمال وبذلك كان بالفعل تقديري لعدد الحضور بآكثر من ألف ... كان في محلّه.
وبينما أنا أنتظر في فناء الإستقبال وأشهد أمام عيني تلك المئات من اليانعين وهم فرحين ومستبشرين بيومهم التعليمي الذي تقدمه لهم جامعة لندن بكل عناية وإهتمام، حينها قلت في نفسي: إنّهم يتقاضون عن كل مشارك 140 جنيهاً لحضور هذا اليوم، ولو أننا حسبنا العدد ب1200 فإن مدخول الجامعة من يوم واحد مثل هذا كان 168,000 جنيهاً إسترلينيّاً !!.
أضف إلى ذلك، فإن كل ما تقدّمه الجامعة للشباب هو "ماء للشرب" ليس أكثر وتجمّلوا بذلك عليهم !!. المهم أنّه كان يتوجّب على كل الحاضرين بأن يموّلوا غذائهم وبقية مستلزماتهم خلال اليوم بأنفسهم في وسط العاصمة !!.
بعد الغذاء في وسط العاصمة أعدت إبنتيّ إلى الجامعة ثم خرجت لقضاء فترة ما بعد الظهر في جولة في وسط لندن التي أعرف شوارعها أكثر من معرفتي لشوارع طرابلس التي كنت قد قضيت أغلب فترة طفولتي فيها !!. المهم... أنّني قمت بجولة مشي على الأقدام من مبنى الجامعة وحتى بداية توتنهام كورت رود وهناك أبصرت محطة وورن ستريت لقطار الأنفاق وقد حوّلوا إحدى مداخلها لتطل الآن على توتنهام كورت رود. شد ذلك التغيير إهتمامي نظراً لأن محطّة وورن ستريت ذكّرتني بتلك الأيّام الجميلة في عام 1977 حيث جاءت كل دفعتنا في كلية طب طرابلس إلى لندن وفي نفس الجامعة التي تركت أبنتيّ بداخلها هذا اليوم. جاءت دفعتنا الأولى في كلية طب طرابلس إلى لندن في دورة تقوية لمدة شهر في أيّام الإنسان القدير وصاحب النظرة المستقبليّة الواعية الدكتور عبد الرزّاق الزواوي رحمه الله وأثابه عنّا خيراً... سكنّا حينها في بيت ضيافة بقرب محطّة وورن ستريت القطاريّة والتي بكل تأكيد كانت محطة البداية ومحطّة النهاية في كل يوم كنا نخرج فيه للذهاب إلى الكليّة أو للخروج للتفسّح في لندن !!. 
العبور أمام محطة وورن ستريت أرجع إليّ الكثير من الذكريات الجميلة وذكّرني بكل زملاء وزميلات الدفعة الذين تعددت الآن مشاربهم وتغيّرت طريقة تفكير البعض منهم، وأصبح اليوم بعضهم يقف مع حكومة السرّاج والبعض الآخر مع مشروع المشير حفتر لتحرير ليبيا من العصابات المارقة، وإختار بعضهم الباقي بكل تأكيد البعد عن السياسة والإهتمام بالطب والعيادات الخاصة !!.
المهم أنّني حينما مررت أمام محطّة وورن ستريت قرّرت الإتجاه يميناً وأخذ طريق مارلبون الطويل بهدف المشي والتفسّح والتطلّع على مشاهد الماضي التي شدّت إنتباهي في أول فتح لعيوني على عاصمة الضباب.. إنّه برج "البي تي" المشهور بقرب سكن "رمزي هول" الذي كنّا نقيم فيه حينها. مشيت كثيراً في شارع مارلبون حتى وصلت إلى شارع بورتلاند العظيم، وهناك مشيت كل المسافة حتى دخلت شارع أوكسفورد من منتصفه وإتّجهت يميناً ناحية شارع إدجوير المشهور بمحلّاته العربيّة وزوّاره من العرب وخاصّة منطقة الخليج حيث يأتون للحج في لندن، وهنا تجدهم يشترون كل شئ للذكرى وحتى تلك الأشياء التي سوف لن يستخدموها. بكل تأكيد مررت بنهاية شارع أكسفورد الطويل حتى وصلت إلى قوس الرخام Marble Arch ومن ثمّ إدجوير رود حيث إشتريت بعض الحلويات الشامية المعسّلة من بقلاوة ومقروض وكنافة وحجيبات ومعشّش وما يأتي في مقامها. هذا المحل أعرفه جيّداً منذ سنوات عديدة، حيث أنّني كلّما ذهبت إلى لندن لابد وأن أعرج إلى هناك لأشتري ما يكفي لشهرين على الأقل...هههه.
المهم أن صاحب المحل يعرفني جيّداً، وجاء هو بنفسه لتقديم الخدمة لي، وكان بالفعل إنساناً رائعاً ولطيفاً إلى حد كبير. هو دائماً يختار لي من أحسن ما في محلّه، وأنا أعرف بأن بضاعته طازجة وهو لا يغش. المهم وبينما هو يختار ويخلط المعسّلات في الأطباق، أخذنا نتحدّث عن أحوال العرب وكيف أن بلداننا بدأت بالفعل تدمّر نفسها وتدمّر كل ما بنتهمن قبل. كان الرجل من العراق، وبكل تأكيد بدأنا بالعراق، ثم اليمن، ثم سوريا، ثم وقفنا عند ليبيا.
قال لي بأنّه كان قد ذهب وعمل في ترهونة قبل أن يأتي إلى لندن منذ ما يقرب من عقدين من الزمان أي في عام 1991، وقال لي بأن الليبيين كانوا قد عاملوه معاملة حسنة لا يمكن له أن ينساها. هنا تحدّثنا عن قيم وأخلاق العرب حينما كانوا أنقياء وقبل أن تدخلهم خزعبلات تجّار الدين.
تحدّث الرجل بحذر عن تلك الأيّام الجميلة في عهد "الزعيم صدّام حسين" كما قال ولكن بكل حذر وببعض التوجّس والخوف. تحدّث عن أيّام الكرامة العربيّة، وكيف أن إيران حينها لم تكن قادرة أن تفرض نفسها على العرب. تحدّث كذلك عن تلك الأيّام - أيّام صدّام حسين - حيث كانت دويلات الخليج كما قال تخاف من صدّام حسين ولا تستطيع أي منها بما في ذلك السعوديّة عن فكرها الوهابي ونشر ثقافة الخنوع والتخاذل بين العرب. تحدّث أيضاً عن "الزعيم" معمّر القذّافي الذي كما قال كان برغم كل ما نقوله عنه رجلاً عنده أنفة وعنده كرامة وعنده قوّة لا يمتلكها الطغاة الذين يحكموننا اليوم بعد ما حدث في العراق في بداية الألفية الثانية وكذلك ما حدث بعد ثورات الربيع العربي. هنا تدخّلت بكل لطف وقلت له بأن أولئك الذين ذكرهم كانوا طغاة ولم يتمكّنوا من بناء بلدانهم. قال لي نعم إن ما تقوله صحيحاً، لكننا اليوم نعاني من حكم طغاة جبناء خانعين ولا توجد لهم كرامة. قال: إننّا نختار بين طغاة الأمس وشياطين اليوم. قال إن "طغاة الأمس" كانوا بالفعل قد إنتصروا لكرامتنا وفرضوا إحترام الغير لنا غصباً عنهم، وهنا ذكر مثال توني بلير وساركوزي وكونداليزا رايس وبرسلكوني رئيس وزراء إيطاليا حينها، وكيف أن كل أولئك "العظام" كانوا قد جاءوا صاغرين لزيارة القذّافي في خيمته في آماكن كان هو قد إختارها. تحدث الرجل كذلك عن حافظ الأسد وكيف أن سوريا في عهده كان لشعبها كرامة وكانت سوريا بالفعل مركزاً للثقافة والتحضّر واللطافة في كل المنطقة العربية. 
لقد كان الحديث مع هذا الرجل المثقّف والواعي والمتشبّع بحب العرب والحاسّ بمعاناة أمّة العرب وأمّة الإسلام في ظل الأوضاع "المخزية" التي نعيشها الآن كما قال... كان الحديث معه ممتعاً ورائعاً ومحفّزاً للآحاسيس الكامنة. وددت لو أنّني مكثت أطول وقت لتبادل الأفكار مع هذا الرجل، لكنني كنت ملتزماً بتوقيتات معيّنة فشكرته على حفاوته وحسن إستقباله لي، وحينما شعرت بتخوّفه وحذره حينما كان يتحدّث عن "أبطال الماضي" أكدت له بأنّه في آمان تام معي، بل وقلت له بأننا يجب بألّا نخاف وأن نقولها عالية ومدوّية بأننا لا نرضى بأوضاعنا الذليلة التي نعيشها الآن، وبأن الشياطين الذين يحكموننا الآن علينا التخلّص منهم ونقل بلداننا من سلال المهملات إلى جوار بلاد العالم التي تنعم بالعيش الكريم والشريف والمحترم لشعوبها.
ودّعت الرجل وأخذت طريقي ناحية شارع أوكسفورد متجهاً ناحية الجامعة حيث سوف تكمل إبنتيّ يومهما في الساعة الخامسة والنصف مساء. بدأت طريق العودة من قوس الرخام في نهاية شارع أكسفورد وأقولها بحسرة أنني حين عودتي من شارع إدجوير وجدت الكثير من نساء العرب وهن يتسوّلن على الأرصفة بكل ذلّ وبكل مهانة. أقول الكثيرات وكان من بينهم رجال مسنّين.. شعرت بإحباط وبغبن وبأسى وكادت أن تنزل دمعة من عيني على أحوالنا نحن العرب حيث نمتلك التريليونات ولا نقدر أن نوفّر بعض من الكرامة لأهلنا حتى نعينهم على العيش بكرامة في بلدانهم وبين آهاليهم. كانت تلك المشاهد بصدق مؤثّرة جداً في تفكيري وفي آحاسيسي عند تلك اللحظات خاصّة وأنّني أتجوّل في أكبر شوارع لندن حيث الألاف من البشر تجوب شارع أوكسفورد من جانبيه... نعم إنّها آلاف مؤلّفة من البشر من جميع أصقاع العالم.. من أفريقيا، من آسيا وخاصة الصين واليابان، ومن أمريكا اللاتينية، وبكل تأكيد من بقية بلدان أوروبا. الذي شاهدته في شارع أوكسفورد هذا المساء (الكريسماس على الأبواب !!) كان بصدق ملهباً للمشاعر، وكان بالفعل دافعاً للإحساس بالحسرة والندم على أحوالنا نحن العرب والمسلمين وكيف ساءت أحوالنا إلى وضع - قطعاً - لم يسبق له مثيلاً في التاريخ منذ مجئ نبينا محمد بتلك الرسالة العظيمة إلى العرب بهدف الجعل منهم أمّة عظيمة؛ لكنّهم وللحسرة بإسم الله قتلوا، وبإسم الله فجّروا، وبإسم الله فجروا وفسقوا، وبإسم الله إغتصبوا، وبإسم الله سرقوا، وبإسم الله خانوا أوطانهم، وبإسم الله تآمروا على شعوبهم. 
أحسست حينها وأنا أعبر بكل صعوبة من بين تلك الأرتال البشرية وهي تمخر شارع أوكسفورد جيئة وذهاباً ومن على جانبية.. أحسست بأن غيرنا بالفعل يصنعون الحياة وبأننا نحن من يصنع الموت ويصنع الشقاء ويحدث الخراب والفساد والتدمير في كل ما بناه من سبقنا لنا. قلت في نفسي والكثير من الأشجان تختلج في صدري وفي حلقي: لماذا نحن العرب والمسلمون وصلنا إلى هذه الأحوال الرديئة التي نعيشها الآن في بلداننا؟. أعدت على نفسي نفس السؤال الذي كثيراً ما سألته من قبل: هل هو ديننا أم هي تفسيراتنا نحن لذلك الدين هي من كان قد أوصلنا إلى هذه الحالة المزرية التي نعيشها الآن؟.
لقد رأيت البشر هنا وهم يتجوّلون أحراراً، يلبسون ما يريدون، يأكلون ما يرغبون، يشربون ما طاب لهم، يتحدّثون عن كل شئ، ويتعاملون مع بعض كبشر بعيداً عن الدين وبعيداً عن التديّن وبعيداً عن الخوف من طغيان "شيوخ الدين". هؤلاء البشر هم بالفعل أحراراً فيما يفعلون، وكل منهم من حقّه أن يختار لنفسه ما يريد بدون الخوف من تدخّل الغير في شئونه. هؤلاء البشر هم بالفعل من يصنع الحضارة، ويصنع المجد، ويتمتّع بالحياة. لماذا نحن لا نقدر على العيش مثلهم؟. لماذا نحن نحسّ دائماً بأننا لا نستطيع أن نفعل ما نريد؟. لماذا نحن لا نمتلك حريتنا ولا نستطيع تقرير مصائرنا بدون الحاجة إلى أخذ الفتاوي من شيوخ التعاسة عندنا؟. هل الخطأ فينا أم في الدين الذي نعتقد به؟. علينا دائماً بأن نسأل أنفسنا هذا السؤال إن كنا بالفعل نريد أن نفكّر ونتدبّر من أجل أن نتحضّر ونتقدّم ونشعر بقيمة أنفسنا.
من ناحيتي، أنا لا أرى بأن ديننا هو سبب تأخّرنا برغم معرفتي بأن أفقر شعوب العالم هي إسلامية، وأجهل شعوب العالم هي إسلاميّة، وأكثر شعوب العالم التي تعاني من الذل والهوان هي إسلامية، وأقل شعوب العالم في الصدق والمصداقيّة هي إسلامية، وأقل شعوب العالم في النزاهة والإخلاص هي إسلامية..... ولكن مع كل ذلك فلا علاقة لديننا بهذا التخلّف الذي نعاني منه. إنّه فهمنا لذلك الدين وإقحامه في كل شئ هو ما يفسد أمورنا ويغلّب الحقراء علينا الذين يحكموننا بالعنف وبالطغيان وبالكذب والنفاق... ويفعلون كل ذلك "بإسم الله". إنّهم يسرقون ويقتلون ويغتصبون ويفعلوا كل المخازي ويصيحون عالياً "تكبير"... أليس ذلك هو ما دمّر حياتنا كعرب وكمسلمين؟. 
المهم، وللأسف كل تلك الأفكار جالت في خيالي وأنا أعبر بصعوبة بين تلك الجماهير الغفيرة وكل منها يسعى لقضاء حوائجه بدون خوف وبدون تردد وبدون توجّس. واصلت طريقي نحو مقصدي وأنا أنظر حولي وأتمعّن في كل ما أرى محاولاً أن أترك الحريّة لعقلي كي يحلّل ويتدبّر ويبحث عن أسباب تخلّفنا كعرب وكمسلمين حتى مررت بعربي - يبدو من مظهره بأنّه من منطقة الخليج أو ربما من العراق - كان هذا الشاب يعزف في وسط شارع أكسفورد، وأقولها بصدق كان رائعاً بشكل أوقفني وأخرجني من ذلك الشعور بالإحباط الذي عانيته وأنا أرى العالم من حولي وهو سعيد ومستبشر. كان الشاب رائعاً في عزفه على الجاز وكان قد أحضر معه موسيقى هادئة ورائعة ورومانسية إلى أبعد الحدود كخلفية جميلة لعزفه الجميل. كانت موسيقاه رقيقة لأبعد الحدود، وكان بذلك قد جذب أعداداً كبيرة من الأوروبيين ليقفوا ويستمعوا إلى موسيقاه بكل إهتمام. كانوا يقذفون النقود في صندوقه الذي وضعه أمامه وكان ذلك الشاب بصدق رسولاً لثقافة وموسيقى العرب الجميلة والرائعة والمتشبّعة بالحب والحنان والنقاء والرومانسية. هذه الموسيقى حرّمها شيوخ التعاسة عندنا، وربما كان ذلك هو السبب في فراره من بلاد العرب والمسلمين حتى يحسّ بالحرية هنا في بلاد الحرية، حيث لا مكان أو على الأقل لا نفوذ لشيوخ التعاسة الذين يحاربوا الإبداع الإنساني الذي يولد مع الإنسان وهو من عطايا الرب لعباده. 
المهم.. آه.... لا أستطيع أن أتوقّف عن التعبير عن آحاسيسي رغم معرفتي بأنني أطلت عليكم كثيراً. أنا آسف، لكنّني حينما أحس بالغضب وأشعر بالمهانة على أحوالنا كعرب ومسلمين تتوارد الكلمات نحوي مثل السيل الجارف ولا أقدر على صدّها. المهم.. أنني واصلت طريقي في شارع أوكسفورد ومررت بالكثير من أولئك العازفين والذين يستغلّون مواهبهم الموسيقية في الحصول على بعض المال من ذوي القلوب الرحيمة ولكن بطريقة مؤدبة ومهذّبة ومحترمة مع أنّها بكل تأكيد تركن تحت مظلّة "الشحاته". كان هناك الكثير من العازفين والمبدعين على طول الشارع الطويل، غير أنني مررت بمجموعة أفريقية من رجال ونساء يعزفون ويرقصون ويغنّون بإبداع أكثر من رائع. كانوا يتجمهرون أمام محلّات "ديزني لاند" الشهيرة، وكانوا بصدق قد إستحوذوا على أعداد هائلة من المعجبين من كل الأجناس. بكل تأكيد كانت حاصلاتهم مملوءة بمال العطايا والتبرّعات مما يعكس كم الإعجاب من المارة والعاشقين للغناء والموسيقى والطرب.
المهم أنني أكملت المسير في شارع أوكسفورد من بدايته وحتى نهايته بدون أن أحسّ بأي إعياء أو إرهاق أو حتى مجرّد الضجر برغم كل تلك الآحاسيس الحزينة على أوضاعنا. أكملت طريقي ناحية توتنهام كورت رود ومنه عائداً إلى جامعة لندن وكانت بالفعل الساعة تقترب من الخامسة والنصف مساء حيث أخذت إبنتيّ وعدنا إلى "الميدلاندس" حيث نقيم؛ فكان يوماً رائعاً وجميلاً لثلاثتنا؛ وبالفعل أحسّت إبنتاي بأن ما سمعتاه في هذا اليوم من أخصايين كبار كان رائعاً ومفيداً وربما أيضاً محفّزا لهما كي تختارا الطب كوجهة مستقبلية؟. من يدري، ففي هذا العمر النديّ قد تغيّرا إختيارهما وقد تنظران إلى الغد بشكل مختلف، لكنني أبداً لا أرغم أطفالي على فعل ما أريد أنا، بل إنني أعطيهم حرية التفكير وحرية الإختيار وحريّة العبور نحو الغد. يومكم رائع بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك