2019/07/02

ليس من العقلانيّة التصعيد مع أطراف خارجيّة

 (هذا الكلام موجّه إلى القيادة العامة للجيش الليبي، وإلى رئيس وأعضاء مجلس النوّاب)
لقد لاحظت أخيراً وبعد سقوط مدينة غريان في أيدي مليشيات حكومة الوفاق بأن القيادة العامة للجيش الليبي أخذت تتخبّط وتصدر القرارات المتسرّعة التي يغلب عليها البعد الدعائي والتأثير العاطفي.
علينا يأ أيّها المعنيّون بالحفاظ على بلادنا وحدة واحدة، ويا من أخذتم على عاتقكم تحرير ليبيا - كل ليبيا - من سيطرة وسطوة وعبث المليشيات التي تختبئ تحت مسميّات الثوّار وكتائب الشورى والجيش الوطني التابع لحكومة الوفاق والتي هي في واقع الأمر ليست أكثر من واجهات يختفي وراءها تنظيم الإخوان المسلمون والجماعة الليبيّة المقاتلة والجماعات الدينيّة المتطرّفة والتي من بينها من يتبعون الصادق الغرياني وبقيّة سماسرة الدين... أقول لكل من أخذ على نفسه عهداً بأن يسعى لهزيمة كل تلك المليشيات المسلّحة مهما كانت تسمياتها ومهما كانت الجهات التي تقف وراءها، ومن بعدها تحرير ليبيا من عبثهم وسيطرتهم حتى نتمكّن بالفعل من تأسيس دولة عصريّة نكون كلّنا كمواطنين ومسئولين خاضعين لقوانينها ومحافظين على أمنها وسلامتها... أقول لكل من بصدق يحب ليبيا إن بلادنا الآن هي بالفعل تمر بمرحلة صعبة وبأوضاع غاية في التعقيد؛ وإزاء كل هذا فإنّني أدعو قيادة الجيش أن تركّز على معارك التحرير وأن تترك المحاسبة إلى ما بعد إنجاز هذه المهمّة الصعبة وتحقيق الإستقرار في ليبيا تحت حماية الجيش الليبي الحقيقي الذي يمثّل كل ليبيا ويعبّر بصدق عن كل ليبيا.
أنا أرى وبكل صدق بأن إقحام تركيا وبهذا الشكل وفي هذه الأوقات العصيبة هو تصرّف غير مدروس وتغلب عليه العاطفة، وبأن قرارات القائد الأعلى للجيش الليبي كانت مستعجلة وغير مدروسة ومن وجهة نظري كانت غير صائبة وغير عقلانيّة.
الجيش الليبي مازال ضعيفا ومازالت التحدّيات التي تواجهه كبيرة وخطيرة، ومازالت الطريق التي أمامه طويلة وشاقّة حتى يتمكّن من تحقيق غايته المنشودة ببسط سيطرته على كل التراب الليبي، وتجريد المليشيات من سلاحها ثم الإشراف على تأسيس شرطة وطنيّة قادرة وفاعلة وتمتلك إرادة قويّة تمكّنها من فرض الأمن على كل التراب الليبي وتوفير كل سبل الأمن للمواطن حتى تعود إلى المواطن الليبي ثقته بنفسه ومن بعدها ثقته بأجهزة الحكم سواء كانت تشريعيّة أو تنفيذيّة.
في مثل هكذا ظروف وتحت مثل هكذا أوضاع على قيادة الجيش الليبي أن تحدّد أولوياتها بكل عناية وبكل إعتبار مع أخذ النصيحة من جهات إستشارية وطنيّة تكون مدنيّة لكنّها واعية ومطّلعة ومحتسبة ولها بعد إستراتيجي وخلفيّة جيّدة عن العلاقات العامة والقانون الدولي.
أنا أرى بأن كل القرارات التي أصدرتها قيادة الجيش بخصوص تركيا لم تكن صائبة في هذا الوقت، وكان من الممكن تأجيلها إلى ما بعد الإنتصار النهائي وإعادة سيادة الدولة الليبيّة الموحّدة. حينها، وحينها فقط سوف تكون مثل تلك القرارات فاعلة ومؤثّرة ولا تعطي لصاحب الشأن فرصة للتهديد أو التلويح بإستخدام القوّة ضد قيادة الجيش الليبي أو ضد مقرّات هذا الجيش. أنا أتمنّى بأن يسقط الجيش تلك القرارات أو على الأقل ركنها في مكان ما بعيداً عن وسائل الإعلام إلى أن يحين الوقت لتنفيذها بحذافيرها.
أمّا كيف يمكن التعامل مع تركيا في الوقت الحاضر، فأنا أرى بأن الحسم ضد أي وجود عسكري تركي على الأراضي الليبية يجب أن يتم بكل هدوء وبدون إعلانات أو دعايات أو تشهير. أن يتم تدمير كل المواقع العسكريّة التركيّة في ليبيا بكل حرفيّة ومهنيّة بعيداً عن الأضواء، بما في ذلك تلك المطارات والموانئ التي قد تستخدمها تركيا لإنزال قوات عسكرية بهدف دعم جماعة الإخوان وبقيّة المليشيات المسلّحة. كما أتمنّى بألّا يتم إقحام المواطنين العاديين التابعين للدولة التركيّة أو أية دولة أخرى من العاملين في ليبيا في أية مواضيع سياسيّة أو عسكريّة على الإطلاق إلّا وأن تثبت على أحدهم شبهة التنسيق العسكري للدولة التركية على الأراضي الليبيّة. يجب إعادة الرحلات الجوية المدنية بين ليبيا وتركيا كما كانت قبل هذا القرار حى لا نزيد من التضييق على المواطن الليبي الذي يعاني وبشكل يومي.
أنا أتمنّى بأن تعيد القيادة العامة النظر في قراراتها الأخيرة والتي أعقبت سقوط غريان في أيدي مليشيات الإخوان، وأن تعتبرها غير واقعيّة ولم تكن لها أية دواعي تفيد معارك الجيش ضد تلك المليشيات. كما أتمنّى بأن تفكّر القيادة جيّداً قبل إصدار أية قرارات مستقبليّة تخص العلاقات الدوليّة وأن تستشير القيادة جهات إعتبارية ليبية مثقفة وواعية ومهنية ومتخصّصة قبل إصدار أية قرارات مشابهة في المستقبل... وربنا ينصر جيشنا الوطني على المليشيات المارقة والعابثة، ولتعلم القيادة العامة للجيش الليبي بأن كل شرفاء ليبيا ومحبيها عن صدق ينتظرون بأحر من الجمر دخول أوّل طلائع الجيش إلى ميدان الشهداء في طرابلس ومن بعدها التلاحم الحقيقي مع سكّان العاصمة من أجل ليبيا الدولة المدنية والمتحضّرة والتي ينتخب خيار أهلها ليحكموها ويسيّروا شئون الحياة فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك