2019/04/20

العقلانية تكمن في العودة إلى جوهر القضيّة

 الفرق بين الحلم والواقع قد يكون شاسعاً، ولكن حينما نتعامل مع الأشياء بكل واقعيّة وبعقل وبحسابات فإنّنا بذلك فقط قد نقرّب الواقع من الحلم، وبذلك نضمن التقدّم إلى الأمام بدون الكثير من المعاناة.
أنا أتفق مع كل من يحلم بليبيا دولة ديموقراطيّة بأننا كشعب لا يمكننا القبول بحكم العسكر، ونحن ثرنا على حكم العسكر بهدف تحقيق الديموقراطية في بلادنا. تلك البديهة لا أعتقد بأن أي إنسان ليبي وطني يختلف فيها مع الآخر.... ولكن، مع الحسابات تتداخل الأسس والبديهيّات.
هناك جوهريات لابد من البحث فيها قبل الإنتقال إلى تلك المسلّمة. إنّ أهم شئ في أية دولة ديموقراطية وفي أي مكان في العالم هو وجود عوامل الإستقرار لتلك الدولة والتي تتمثّل في الجيش والشرطة وأجهزة أمن فيها. هناك جانب آخر مهم وهو جانب القضاء، والجانب الرابع بكل تأكيد هو حرية الكلمة من خلال صحافة حرّة بالكامل


مشكلتنا في ليبيا أننا قفزنا إلى ممارسة الديموقراطية بدون البحث في أسسسها وفهم معانيها وبديهياتها... وبدون بناء دعائمها. نحن بالفعل خرجنا لإنتخابات وإنتخبنا وكانت إنتخاباتنا على مستوى أرقى بلاد العالم ديموقراطيّاً مع أنها كانت أول تجربة بالنسبة لنا كشعب ليبي. حققنا الديموقراطية في ليبيا في عام 2012، لكننا لم نقدر علي المحافظة عليها فخسرناها لشلل مهرّجة ومسيطرة ومستغلّة وطمّاعة وهي من حكم ليبيا منذ عام 2014 مع أن التمهيد لعمليات "فجر ليبيا" كان قد بدأ منذ نهاية عام 2012 بتلك الحركات الصبيانية في العاصمة والسيطرة على مقرّات الدولة وإحتجاز رئيس وزراء ليبيا وما إليها من تلك التحديات التي واجهتها الدولة الوليدة وفشلت حينها في التصدّي لها. لماذا فشلت دولة ليبيا الديموقراطية في الحفاظ على ديموقراطيّتها؟. لأنّها لم تكن تمتلك عناصر الإستقرار وفرض السيادة والتي يتربّع على رأس هرمها كما ذكرت الجيش والشرطة.
تلك كانت مشكلة ليبيا من وجهة نظري، وتلك كانت بالفعل هي مسبّبات كل ما جرى في ليبيا منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. لم تكن هناك أية محاولة من حكومات ليبيا المعيّنة من الجهات المنتخبة لتكوين جيش قوي في ليبيا، بل وعلى العكس قام المشاغبون بمحاربة الجيش والقضاء على من تبقّى منه من ضبّاط وأجهزة أمن، وبدأوا في السيطرة على بنغازي وما جاورها إلى أن خرج بعض ضبّاط الجيش عن صمتهم وأخذوا يشرعون في بناء الجيش من جديد. كان أبرزهم بكل تأكيد هو اللواء حينها خليفة حفتر والذي وبكل حيادية أعتبره أنا هو رائد إعادة بناء الجيش الليبي ولا تهمّني نواياه المبطّنة التي نظنّها ونتكهّنها بدون أو تتواجد أية أدلّة لنا عليها.
السيّد خليفة حفتر هو من أعاد بناء الجيش الليبي، وهو من تمكّن برغم كل العراقيل من المضي قدماً في تلك المهمّة التي كانت شبه مستحيلة، وبالفعل بنى جيشاً معتبراً بغض النظر عن نواقصه وعيوبه ومثالبه التي قد يراها أو يتحدّث عنها البعض. أنا شخصيّاً أرى بأنّه يتوجّب علينا كشعب ليبي نحب بلادنا ولا نؤتمر بغيرنا أن نتفق على هذه البديهة التاريخيّة وأن نترفّع عن ظنوننا ونحتكم إلى عقولنا.
من خلال هذه العجالة أرى بأنّه يتوجّب علينا كليبيين وليبيات أن نحترم هذا الرجل وأن نقدّره على أعماله العظيمة وأن نقف معه ونناصره حتى يسيطر الجيش الليبي على كل التراب الليبي ومن ثم يمكننا العودة للحديث عن الديموقراطيّة. لابد يا أيّها الإخوة والأخوات يا من تتحدّثون عن حكم العسكر ويا من تحلمون بالديموقراطية ويا من تتغنّون بأهداف ثورة فبراير... لابد لكم ولنا ولكل ليبيا من أن يكون لنا أمن وآمان وأن ننظّف بلادنا من تلك السرطانات التي إنتشرت في كل ركن فيها. لابد من تحقيق الأمن قبل التحدّث عن الديموقراطية. لابد من تحقيق الأمن قبل التحدث عن البناء. لابد من الخضوع لسلطة القانون والإلتجاء إلىى سلطة القضاء قبل الحديث عن الغد والرخاء المنظر. ومن أجل تحقيق تلك الأساسيات لابد وأن يكون لنا جيشاً يحمينا وشرطة تحافظ على أمننا. ومن أجل أن يكون لنا جيشاً علينا بأن نقبل ما هو متاحاً لنا وما هو متوفّراً بين أيدينا؛ فبناء جيش وأي جيش مهني ومحترف يحتاج إلى عقد من الزمان على أقل تقدير. أعتقد بأن الرسالة هنا أصبحت واضحة لمن بصدق يبحث عن خير وأمن وسلامة ليبيا ومن بصدق تهمّه معاناة أهلها.
أنا شخصياً أرى بأن الهوّة التي تفصل بيننا كليبيين وليبيات تقع في جانب الإدراك وفهم الواقع لأن - وللأسف - الكثير منّا مازالت تسيطر عليه العواطف حينما يتحدّث عن الديموقراطية ونظيرها حكم العسكر.... يومكم سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك