2018/05/13

الخميس رمضانكم والجمعة عيدكم

العالم من حولنا يسير إلى الأمام ويحقّق سكّانه في كل يوم إنجازاً علميّاً جديداً من أجل تيسير الحياة للبشر وتذليل الصعاب، ومن أجل رفاهية الإنسان وسعادته. علينا بأن نكون جزءً فاعلاً في هذا العالم من حيث التبعيّة ومن حيث المساهمة ومن حيث الإندماج، حتّى نحسّ بوجودنا ويشعر الغير بمساهماتنا. 


الحال يبقى كما هو الحال، وفي كل سنة يتجدّد النقاش والجدال. نحن في حاجة لأن نبحث دائماً عن الجديد، وحينما نعثر على الجديد فعلينا دراسته والتعرّف عليه وإن إقتنعنا بجدواه إعتمدناه وطبقّناه.
الحياة تسير إلى الأمام وليس لها من خيار غير ذلك المسار، أمّا نحن البشر فلنا أن نواكب سيران الحياة أو أنّنا نضيع في خلفيّة الخوار مثل ضوء الشمس في آخر النهار.
قال الله تعالى: {{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}}... هذ الآية ليس لها علاقة البتّة بموضوع رؤية الهلال، وإنّما المقصود هنا: فمن عاش حتى الشهر فليصمه. لاحظوا هنا بأن الله قال "فمن شهد" ولم يقل "فمن رأى" والفرق كبير جدّاً بين التعبيرين. فأن تشهد الشئ قد لا تحتاج إلى رؤيتة، وأن ترى الشئ فقد لا تحتاج لأن تشهده... كمن يرى شجاراً بين إثنين لكنّه يذهب لحاله ولم ينتظر ليشهد المشاجرة !!. والخلاصة أن مشاهدة الشهر هي قطعاً ليست كرؤية الهلال.
غير ذلك فلم يذكر في القرآن أي شئ عن رؤية الهلال، فما بالك بكيفيّة الرؤية. أمّا ما يقال بأنّه حديث للنبي عليه السلام ((صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين))، فقد ورد في روايات مختلفة وبنسق مختلفة وبتعبيرات مختلفة(يمكنكم البحث بأنفسكم)، أمّا صحّة ذلك الحديث ومدى إلزاميّته فأتركها لكم ولإعتباراتكم. هناك رواية أخرى تقول: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ)).
المؤكّد أنّ الله لم يذكر الرؤية ولم يلزم أحد بها، ومن ثمّ فإنّني أرى بأنّه من حقّنا كبشر أن نحدّد الرؤية كما نراها حسب زماننا وحسب مكاننا. آحاديث الرسول حتى وإن كانت صحيحة فهي لا تصلح لكل زمان ولكل مكان، وهي غير موحاة كما في القرآن، ومن ثمّ فهي توجّه الناس في زمن الرسول، وبكل تأكيد فإن الرسول لا يستطيع أن يخرج عن ما كان يفعله الناس في زمانه وفي مكانه الذي تواجد فيه.... فتلك هي ثقافة العصر.
من هنا فإنّني أرى بأنّه من حقّنا كبشر نعيش في هذا الزمان أن نلتجئ إلى آخر ما توصّل إليه العلم في عصرنا بخصوص معرفة اللحظة التي يولد فيها الهلال الجديد لكل شهر قمري، وأن نحدّد كمسلمين الطريقة التي نستخدم فيها مخرجات العلم والتقنية.
مثل هذه الأمور تحتاج إلى إجتماع نخبة من المفكّرين والعلماء(علماء الحياة وليس علماء الدين) وأن تحدد تلك المجموعة الطريق الأمثل للتعرّف على بداية شهر رمضان وتحديد أوّل يوم في الصيام، وكذلك الأمر بالنسبة لآخر يوم من هذا الشهر الفضيل، وكذلك بقية الأشهر القمريّة حتى نستطيع كمسلمين إستخدام التاريج القمري(الهجري) بكل ثقة وبكل يقين خاصّة فيما يتعلّق بالبرمجة لأمور مستقبلية.
أنا أقترح بأن يتم البحث العلمي في هذا الشآن، وذلك بأن تقوم مجموعة من الشباب المسلم الواعي والمثقّف والمتعافى صحيّاً بما في ذلك حاسّة البصر بترقّب ظهور الهلال وإمكانية رؤيته بالعين المجرّدة، ثم مقارنة ذلك بالحسابات القلكيّة وتحديد عدد الدقائق التي يمكثها الهلال الجديد بعد غروب الشمس بحيث يكون من المؤكّد رؤيته بالعين المجرّدة، وما إن نحدّد تلك الدقائق ونتأكّد من مصداقيّتها وذلك بإعادة تطبيقها في السنة الموالية وما إن نطمئن إلى مصداقية التزاوج بين عدد الدقائق بعد الغروب وحتميّة الرؤية. من ثمّ يمكننا وبكل ثقة إعتماد الحسابات الفلكيّة لمعرفة البداية الواقعيّة للشهر الجديد من خلال ذلك البحث الميداني والمعلوماتي وبذلك نتخلّص من مشكلة الرؤية من عدمها، ومثل تلك الأمور كثيراً ما تحدث في حالات تلبّد السماء بالسحب، وفي حالة الغيوم والأتربة، وفي حالة الضباب الكثيف والأدخنة.


بالنسسبة لحسابات هذه السنة، فإنّني أرى بأنّه في مغرب الثلاثاء 15 مايو 2018 سيظهر الهلال الجديد لكنّه سوف لن يمكث أكثر من دقيقتين بعد غروب الشمس في السعوديّة، وثلاثة دقائق في ليبيا.... وهذه الفترة القصيرة جداً سوف لن تسمح برؤية الهلال بأية وسيلة متاحة خاصّة إذا عرفنا بأنّ نسبة الإضاءة في الهلال سوف لن تتجاوز 0.2% من إضاءته حينما يصبح قمراً، وذلك الضوء الخافت جدّاً سوف يختفي عن الأبصار وأجهزة الترصّد الحديثة بسبب الشفق الذي تتركه الشمس من ورائها بعد الغروب.

 أمّا في مناطق أخرى من العالم ومن بينها مدينة لندن في بريطانيا فإن الهلال الجديد سوف يختفي(يسقط) قبل غروب الشمس ب6 دقائق كاملة، وذلك يجعل رؤية الهلال مستحيلة بأية مناظير مهما كانت حساسيّتها.  
هذا من الناحية العلميّة والحسابات الفلكيّة الدقيقة التي تخضع للعقل والعلم والمعرفة، أمّا في بلداننا العربية والإسلاميّة فإنّنا وللأسف نذهب إلى الجامعات ونتعلّم ونتحصّل على الشهائد العليا غير أنّنا من الناحية العملية نبقى رهائن لطريقة تفكير شيخ الدين الذي لا يؤمن بالعلم من حيث الأساس، وهناك في الواقع من بين شيوخ الدين من يعتبر العلماء من المشكّكين بوجود الله ومن أكبر الملحدين. ذلك ربّما يفسّر معاقبة العلماء والتنكيل بهم عبر العصور من قبل رجال الدين في اليهوديّة والمسيحية والإسلام والأمثلة هي كثيرة جدّاً لعلماء مبدعين تم حرقهم أو قتلهم أو سجنهم أو التنكيل بهم بسبب أفكارهم الجريئة.
أنتظروا مساء الثلاثاء فسوف ترون هيئات دينيّة تحمل معها أحدث المناظير - وهي باهظة الثمن - لتترقّب الهلال بكل شغف وترصّد من أجل رصد الهلال ونقل الخبر بسرعة لغرف المراقبة التي تحوي شيوخ دين ورجال محكمة والذين هم بدورهم يصدرون من بعد ذلك "فتوى" تنقل إلى الناس عبر شاشات التلفزيون تأمرهم بالصوم أو إتمام عدّة شعبان 30 يوماً والصوم في اليوم الموالي.
طبعاً هذه العمليّات الترصّديّة تكلّف عشرات الألاف من أموال كل دولة إسلاميّة وتستغرق من الوقت ما يقارب 3 ساعات ومئات من البشر في كل دولة إسلاميّة وهم منشغلون بهمّ الإستكشاف والبحث عن هلال لا يمكن رؤيته.
لقد أخذت منّي عمليّة تحديد بداية رمضان ونهايته وبداية عيد الفطر... أخذت منّي تلك العمليّة 3 دقائق فقط وكنت أنا لوحدي(لا فريق عمل ولا إمكانيّات ولا مناظير) ولم تكلّفني ولا درهم واحد، ومع كل ذلك عرفت يقيناً متى يبدأ رمضان ومتى ينتهي. بل ليس ذلك فقط، فبالعلم والمعرفة يمكنني الآن إعلامكم بيوم عيد الأضحى وبداية السنة الهجريّة وعاشورا وبداية رمضان للسنة القادمة ولقرون أخرى من الزمان.
أريد هنا أن أسأل كل شيخ دين وكل من يقول بأنّه "عالم"، وكل مفتي، وكل بحر علوم، وكل من يظن بأنّه موسوعة إسلاميّة... أريد أن أسألهم جميعاً: متى سوف تفتحون عيونكم على العالم المحيط بكم وتقبلوا مخرجات العلم والمعرفة التي تمكّن الإنسان(الغير مسلم وللأسف) من التوصّل إليها من خلال البحث وتسخير القدرات الذهنية للإنسان في سبيل خدمة البشر وفي أي مكان في العالم؟. متى يا سادتي تتخلّصون من التقوقع حول تراث الماضي السحيق وتعترفوا بأنّ ذلك الماضي أصبح منتهي الصلاحيّة منذ العديد من القرون وتحتظنوا بدل ذلك العصر الذي نعيشه الآن بكل إنجازاته ومبتكراته ومستحدثاته؟. إنّكم إن رضيتم بمخرجات العلم فسوف نصبح نحن(المسلمون) في المستقبل من سوف يخترع ويكتشف ويبدع، ونكون حينها نحن المسلمون بالفعل قدوة لغيرنا وسراجاً منيراً يضئ الطريق أمام كل البشر في هذا العالم وفي العوالم التي سوف تليه.... ربنا يتقبّل صيامكم وصلواتكم وإبتهالاتكم وتضرّعاتكم  ودعواتكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك