2018/01/18

الصراع في ليبيا هو "سلطوي"... ليس بالسياسي ولا هو بالفئوي

عندما نحتكم إلى عقولنا ونحكّم ضمارنا وننظر إلى الأمام نقدر على حل مشاكلنا ونستعيد ثقتنا بأنفسنا، فنتمكّن بذلك من بناء دولتنا وإستعادة كرامتنا وإحترام الغير لنا.
تحدّث الكثيرون من الإخوة المثقفين والمثقّفات في بلادنا عن نوعية الصراع الذي تشهده ليبيا ومنذ فبراير 2011، ونعته الكثير منهم ب"السياسي". أنا ربّما أختلف مع من نعت الصراع في ليبيا بالسياسي، لأنّه من وجهة نظري صراعاً بعيداً عن السياسة وقريباً من فرض الأمر الواقع... أي أنّه صراع سلطوي"تسلّطي" بإمتياز؟.
الصراع السياسي يبتدئ دائماً بالحوار والنقاش وطرح وجهات النظر. الصراع السياسي يكون غالباً مرتكزاً على أساس تشيّع كل طرف لوجهة نظره السياسيّة بجميع ملامحها... وهي غالباً ما تكون لها ملامح واضحة وأبعاداً كثيرة ومتنوّعة تشمل كل أوجه البناء والإستقرار في الدولة. فبعد فترة من النشاط الخفي والمبطّن يخرج الصراع إلى العلن برغبة أو بغير رغبة أطرافه لأنّ مجريات الأمور تفرض نفسها ولأن الصحافة لا تبقى متفرّجة. حينما يخرج الصراع إلى العلن يحتكم المتصارعون إلى الشعب عن طريق صناديق الإقتراع ويرضى الجميع في نهاية الأمر بمخرجات صناديق الإقتراع ويلتزم كل طرف - بعد بعض "الضجيج" من هنا أو من هناك - بنتائج الإنتخابات وتنقسم من حينها النخب السياسيّة إلى مواءمة ومعارضة ويستمر الصراع السياسي بعد ذلك عن طرق المنابر الحرّة ولكن من خلال تلك التقسيمات(مواءمة ومعارضة).
لو أننا نظرنا إلى الصراع، أو لأقل الصراعات التي حدثت في ليبيا منذ عام 2011 فإنّنا نجدها مقنّعة وماكرة وحقديّة ومخادعة ذلك لأنّ أطراف الصراع كلّها تسعى وبكل قوّة لفرض السيطرة على البلاد ومن بعدها على العباد لتشرع من بعدها الجهة الغالبة في فرض أجنداتهاعلى الجميع وبدون إستثناء، ومن عساه أن يعترض فسوف يجد نفسه إمّا مقتولاً أو مخططفاً أو مهجّراً أو متخفّياً. هذا لا يمكن تسميته بصراع سياسي ولا هو بصراع صحّي ولا هو بصراع من أجل الوطن على الإطلاق. إنّه صراع تسلّط وليس صراع سلطة والفرق هنا كبير جداً.
أنا شخصيّاً ومن خلال متابعتي القريبة جداً من كل الأحداث التي جرت في بلادنا ومنذ نهايات عام 2010 أستطيع القول وبكل قوّة بأن الصراع في ليبيا كان فقط - ولازال - بين طرفين لا ثالث لهما. الطرف الأوّل - والذي بالفعل قام بالثورة في 17 فبراير 2011 - وهو الطرف الوطني(العلماني)، والعلمانية هنا لا تعني الكفر أو الإنكار أو تجاهل الدين، بل على العكس من ذلك تماماً؛ فالعلمانية في مضمونها وفي جوهرها تؤمن بحريّة التديّن وحريّة الإعتقاد مادام المتديّنون يبقون بعيدين عن فرض أنفسهم أو طرق تفكيرهم على الغير. الطرف الثاني - وهو من إنتهز الفراغ السياسي في ليبيا بعد إسقاط الدولة فإستولى بكل دهاء وخدع على البلاد - هو بكل تأكيد الطرف الديني(العقائدي)، وهذا الطرف يغلب على المنتمين إليه التطرّف والتشدّد والمغالبة بأية وسيلة كانت ولو بالقتال والتخريب والتدمير.
الطرف الوطني(العلماني) هو عموم الشعب الليبي الوسطي الطيّب الذي عرفناه منذ ايّام الإستقلال ولم يغيّره نظاما الحكم اللذان مرّا بليبيا منذ عام الإستقلال وحتى عام 2011.
الطرف الديني(المتشدّد) هو مجموعة صغيرة من الليبيّين الذين يؤمنون بفكرة "تديين" الدولة ولو بقوّة السلاح وفرض أجندات تغلّف بستار الدين، وأغلب المنتمين إلى هذا التيّار هم من العائدين من بلاد يتنتشر فيها الفكر المتشدّد وتنتهج الجماعات فيها مبدأ العنف لترعيب الآخرين(عموم الشعب) بهدف إخضاعهم وتركيعهم ومنعهم من المعارضة أو الإعتراض (المبايعة العمياء الصامتة).
من هنا فإنّني أقول إن الحل في ليبيا قد يكون سهلاً جداً وفعّالاً بشكل كبير ولا يحتاج إلى أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا قوى دوليّة ولا تدخّل من الجيران ولا لجان مصالحة ولا شيوخ قبائل ولا أعيان، وإنّما كل ما يتطلّبه هذا الحل هو خروج الأقليّة المتشدّدة بإسم الدين من المشهد وتوجيه إهتمامها إلى خدمة دين الله من خلال الدعوة إلى طريق الله بالتي هي أحسن وأسلم وبعيداً عن أي عنف مهما كان صغيراً.
الحل يكمن بتوجّه رجال الدين وشيوخهم "وعلمائهم" ومفاتيهم وعلّاماتهم إلى المساجد حيث يعبد الله ومن هناك يتركون السياسة لمن يفهمها ويتنازلون عن أحلامهم بفرض منهاج أو توجّه معيّن على الناس، فيتركون بذلك عموم الناس"الطرف الوطني" لأن تمارس السياسة الحقيقيّة والهادئة والبعيدة كل البعد عن العنف والقتل والتدمير والإختطاف والتكفير والتهجير والدسائس والتعدّي والإغتصاب وما إليها من الممارسات التي تلفظها الإنسانيّة قبل أن يحرّمها الدين، ليحتكم الناس - كل الناس - إلى القانون وسلطة القضاء الذي تفرضه أجهزة الأمن وتحميّة قوّة الجيش. لو خرج رجال الدين من الصراع في ليبيا فسوف تسير أمور البلاد إلى الأمام وبكل سلاسة، وحينها سوف تصبح ليبيا بالفعل دولة مثل بقيّة دول العالم في أقل من أسبوع..... وبدون أمم متحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك