2017/12/25

وماذا بعد الإحتفال بعيد الإستقلال

 
مرّت بنا يوم الأمس ذكرى عزيزة على نفوسنا محبوبة في قلوبنا وممهورة في وجداننا وهي ذكرى الإستقلال المجيد. لقد إحتفل بها من أحتفل وحيّاها من حيّاها وإسترجع ذكرياتها كلٍّ منّا حسب تصوّره وحسب الطريقة التي يفكّر بها.
اليوم... هو بكل تأكيد يوم جديد. جديد في أحداثه، جديد في ذكرياته، وجديد في تصوّراتنا له. علينا بأن ننظر إلى الأمام، وعلينا بأن نعتبر كل يوم جديد هو بمثابة ولادة حلم جديد وإنبثاق فجر جديد وبداية للتكشّف على عالم جديد. علينا بأن نمضي اليوم ونستعد للغد ونخطّط للمستقبل. علينا بأن نتماشى مع نواميس الحياة إن لم نقدر على مسابقتها.... علينا بأن دائماً نحلم بالغد السعيد.
حين الإحتفال بيوم إستقلال ليبيا في عام 1951 كان العقلاء من أجدادنا ينظرون إلى ما بعد الإستقلال... إلى بناء الدولة. كانوا يرون أمامهم وطناً في حاجة للبناء وشعباً في حاجة للإيواء وغدٍ في حاجة للتفكير فيه والإستعداد له. إنطلق أجدادنا من لحظة الإحتفاء إلى عالم البناء وهم يعرفون يقيناً بأن الفرق بينهما كان كبيراً. بدأوا في بناء الدولة بما توفّر لديهم، وقرّروا السير في طريق كانوا يعرفون بأنّها موحلة وبأنّها شائكة وبأنّها صعبة.... لكنها واعدة.
كانت ليبيا تعمّها الفوضى، وكان السلاح في كل مكان، وكانت تتواجد في بلادنا فئات وجماعات مختلفة كل لها وجهة نظرها وكل لها حلمها وكل لها تطلّعاتها. عاد الليبيّون المهجّرين في الخارج، وجلبوا معهم أفكاراً من البلاد التي عاشوا فيها وآوتهم. كان الإختلاف في الرؤى هو سيّد الموقف، وكان التسابق على السلطة هو الهاجس الذي يدور في خلد كل من ظن بأنّه كان بطلاً أو مجاهداً أو سيّداً أو زعيماً. كادت البلاد أن تدخل في حرب أهليّة لكن الخيّرين من أبناء البلد إلتقوا وتناقشوا وتحاوروا وخرجوا إلى خلاصة مفادها أن ليبيا تحتاجنا وبأننا نحن نحتاج إلى بلادنا... فلنبنيها معاً. خرجوا بحسّ وطني يقول: إن أنا وأنت تحاربنا فسوف ندمّر بعضنا ومن بعدها ندمّر بلادنا، وإن نحن تنازلنا لبعض وتوافقنا فسوف يخرج كل منّا فائزاً ونحافظ بذلك على كياننا الذي هو بلادنا. توافق الليبيّون على كلمة سواء بينهم، وتنازل أصحاب الأحلام الشخصيّة عن أحلامهم وإتفقوا - ولو كان ذلك على مضض - بأن يتوحّدوا تحت سلطة واحدة وهي سلطة الإمارة السنوسيّة. حوّلوا تلك الإمارة إلى مملكة وبايعوا إدريس السنوسي - رغم معارضة الكثيرون - من أجل الوطن ومن أجل أهل الوطن ليكون ملكاً على ليبيا وبذلك فقط وضعوا أحمالهم على عرباتهم ووضعوا العربات على الطريق وشرعوا يجرّونها إلى الأمام. بنوا ما إستطاعوا وبما إستطاعوا إلى أن وصل القطار إلينا ففرحنا بقدومه وقرّرنا جماعة الركوب فيه لكنّنا إختلفنا على من يقوده. كان يتواجد بيننا الكثيرون ممن هم قادرون بكل كفاءة على تسيير قطار الحياة في بلادنا لكن وللأسف تواجد بيننا من رأوا في أنفسهم بأنّهم هم ولا يوجد غيرهم. دخلوا غرفة القيادة ورفضوا ألّا يبرحوها لأنّهم لم يتمكّنوا من رؤية غيرهم من القادرين حولهم وبذلك فلم نتعلم نحن الدرس من أجدادنا. إتفق أجدادنا رغم إختلافاتهم، وإختلفنا نحن رغم أتفاقاتنا فربحوا هم ومازلنا نحن في عداد الخاسرين.

وأود في هذا اليوم الموالي لذكرى الإستقلال أن أقول لأهلي في ليبيا وأن أصدق القول معهم... البلد هي كيان وأنتم مهما بلغتم ومهما فكّرتم ومهما حسبتم فستبقون أفراداً تنتهون كما إنتهى غيركم...لكن بلادكم فسوف تبقى ما بقى خلقاً على وجه الأرض.
أود أن أقول لكل إخوتي وأخواتي أبناء وبنات هذا الوطن... هلمّوا بنا معاً نبني بلدنا. علينا بأن نرى أنفسنا خدماً لهذا البلد، ومن يرغب في خدمة بلده يستطيع أن يخدمها من أي موقع. علينا يا سادتي ويا سيّداتي أن نتنازل عن بعض من تطلّعاتنا الشخصيّة من أجل بلدنا وأن نرضى بخدمة هذه البلد الطيّبة من أي موقع وبأية صفة، فكل منّا بيده أن يخدم بلده إن هو أخلص وإن هو تواضع وإن هو تخلّى عن أنانيّته وحبّه لذاته. علينا بأن نرى بلدنا كسفينة مبحرة في عالم الحياة وهي تسير إلى الأمام. علينا بأن نرى أنفسنا مسافرين بداخلها، وعلينا بأن نتفق على من سيقود سفينتنا إلى بر الأمان. تصوّروها سفينة في عرض البحر، وتصوّروا الأخطار التي قد تكون محدقة بها، وتصوّروا بأن قبطانها لابد وأن يمتلك الخبرة الحقيقيّة للإبحار بها بين الأمواج المتلاطمة حتى يرسو بها على شاطئ السعادة. تصوّروا بأن شجاراً كان قد نشب بداخلها وهي في عرض البحر، وتصوّروا بأن الدمار بدأ يطال هيكلها وتصوّروا بأن حريقاً قد نشب بها.... فماذا ستتصوّروا مآلكم بداخلها؟. سوف لن يكون هناك ملاذاً لأيٍّ منكم غير القذف بنفسه في مياه البحر العميقة. سوف تموتون جميعاً بما في ذلك أمهر العوّامين منكم... فحافظوا على سفينتكم.... وحافظوا على بلدكم.

دعونا يا أيّها السادة والسيّدات بأن نتفق جميعاً على إجراء الإنتخابات العامة(برلمان ورئاسة) بعد أن نصوّت على وثيقة الدستور الجديدة ونعتمدها كشعب. دعونا نحتكم جميعاً إلى صوت الشعب من خلال صناديق الإقتراع التي لا تكذب ولا تموّه ولا تفترض. دعونا نحتكم إلى رأي شعبنا ونرضى بما إختار، ودعونا نرحّب بمن يختاره الشعب قائداً أو حاكماً أو رئيساً، ومن إختاره الشعب ليكون بالنيابة عنه مشرّعاً. دعونا كلّنا نتعاون من أجل بناء بلدنا، وإن أخطأنا هذه المرّة فسوف نفلح في المرّة القادمة. إن نحن أخطأنا في المرّة القادمة فسوف نفلح في المرة التي تليها. هكذا تتعلّم الشعوب، وهكذا تبني الشعوب أنفسها، وهكذا تسير الحياة إلى الأمام... تلك هي سنّة الله في الأرض.

هلمّوا بنا نبدأ من جديد ولكن بعد أن تعلّمنا من أخطاء الأمس واليوم الذي سبقه. هلمّوا بنا جميعاً وبدون إستثناء نبدأ في تسجيل أنفسنا للمشاركة في الإنتخابات المقبلة بدون تردّد وبدون مخاوف. دعونا نشجّع أبنائنا وبناتنا على المشاركة في العملية الإنتخابيّة والشروع الفوري في تسجيل أسمائهم حتى نبني معاً وطناّ هو على مشارف التكسّر والتشرذم والتشظّي. دعونا معاً نصافح بعضنا البعض من جديد لنبدأ مشروع تسامح وتصالح وتقارب وتعاضد وتحابب وإنسجام. أقسم لكم بالله بأننا سوف ننجح، وأقسم لكم بالله بأننا سوف نعبر من هذا النفق الضيّق وبأننا سوف نقدر على كسر جدار الشرنقة التي وجدنا أنفسنا بداخلها. فلننسى حساسياتنا ولنرتفع على ملذّاتنا ولنرى أنفسنا من بين ركّاب تلك السفينة الجميلة والأنيقة التي تسمّى "ليبيا" لنتمتّع معاً برحلة مريحة ومفرحة وواعدة. بارك الله فيكم جميعاً وأعانكم على بناء ليبياكم... وبه نستعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك