حضرت صباح الأمس ملتقاً أسبوعيّاً لفريق العمل التشاوري الجماعي لسرطان المخ بالمستشفى، وبصدق هالني ما رأيت وما سمعت. وكما ذكرت.. فإن هذا الإجتماع هو أسبوعي، لكنّني بالأمس وبعد عطلة العيد وجدت نفسي ربّما أسبح قليلاً في عالم خيالاتي التي كثيراً ما تطوف بي حول الكون بحثاً عن الخفايا القابعة خلف الأفق، أو ربّما سابحاً في عوالم ومجرّات أخرى قد لا نراها وقد لا نعرف عنها كثيراً لكنّنا بفضل العلم والمعارف المتداولة أصبحنا نحسّ بها ونلزم أنفسنا بالإعتراف بها والتعرّف عليها حتى لا يجرفنا تيّار الزمن المسرع جانباً ويركننا في مكان مهجور قد لا يهتدي غيرنا إلى البحث عنّا أو إيجادنا.
كان عدد الحاضرين بالأمس 24 من خيرة العقول في مجال جراحة وأمراض الأعصاب، أمراض ولواعج المخ والأعصاب، سرطان المخ والحبل الشوكي، علم الأمراض النسيجي للمخ والنخاع الشوكي والسرطانات المخية، علم النفس العصبي، وعلم الأشعة المخيّة والعصبيّة.
كان من بين الحضور 9 من جرّاحي الأعصاب من بينهم بروفيسّور ومعهم ثلاثة من المتدرّبين في نفس المجال. كان أيضاً موجوداً بيننا إثنين من خبراء علاج السرطان المخّي أحدهما بروفيسّور، وكانت معنا أيضاً رئيسة قسم الطب العصبي النفساني وهي من أكبر الخبرات في هذا المجال في المستشفى، وكان أيضاً موجوداً في الإجتماع أحد خبراء الأشعة المخيّة والعصبيّة بالمستشفى وهو واحد من ثلاثة أخصائيّين رفيعين في هذا المجال الحيوي في المستشفى من بينهم بالطبع دكتورنا الليبي القدير "خالد شرلالة"، وكنت أنا أمثّل مجموعة أخصائيي أمراض المخ والأعصاب الإحدى عشر.
كنّا كلّنا على إتصال مع أستاذ أمراض الأنسجة المخّية والعصبية ومساعده من جامعة برمنجهام عن طريق الدائرة المغلقة، وكان يتواجد بيننا ثلاثة من الممرضين المتخصّصين المتمكّنين في مجال علاج الأورام المخيّة من بينهم إمرأة.
وبينما النقاش كان يدور ساخناً ومترويّاً وتمحيصيّاً وبكل مهنيّة تمحلقت أنا في جمع الحضور بشئ من التأمّل والتدبّر وبعد عد للحاضرين قرّرت التعرّف على جنسياتهم لغرض في نفسي، خاصّة بعد تصويت الإنجليز على مشروع الخروج من الإتحاد الأوروبّي وإختيار الخروج على البقاء.
كان من بين الحاضرين الواحد والعشرين من الأخصائيين في القاعة يوجد فقط ثلاثة من البريطانيين، أمّا البقية فكانوا من جنسيات أخرى منهم الهند وباكستان ومصر وبولندا وسربيا وكنت أنا من ليبيا.
قلت في نفسي حينها، هؤلاء البريطانيّون يفتحون منافذهم لإستقبال أحسن الخبرات العالمية للعمل في بلادهم ولا يحفلون قطعاً بخلفياتهم العرقية أو الثقافية أو الدينية أو الجينيّة. إنّهم يتعاملون معهم كخبرات وكبشر ويستفيدون منهم لمصلحة الشعب البريطاني ويتسفيدون منهم في جلب الكثير من المرضى من خارج بريطانيا بهدف التعالج في أرقى المراكز العالمية عندهم، كما يستفيدون منهم مادّياً في تجميع الضرائب على مرتّباتهم بهدف إنفاقها على الخدمات الصحية والإجتماعية في بريطانيا. من هنا نرى البريطانيين وهم يحتفون بوجود هذه الخبرات في بلادهم بل ويفتخرون بذلك أيّما إفتخار، فيعاملونهم بكل إحترام وتقدير، بل ويعتبرونهم من بينهم فيعطونهم الجنسيّة البريطانية ولا ينظرون إلى توجّهاتهم السياسيّة أو إعتقاداتهم الدينيّة أو مشاعرهم الوطنيّة.
البريطانيّون يعرفون جيّداً بأن أغلب المقيمين بينهم يبقون على الحب والوفاء لبلدانهم، والكثير منهم يصرّون على المحافظة على عادات وتقاليد بلدانهم؛ لكن العمل هنا هو باللغة الإنجليزية وثقافة ومجريات العمل هي بكل تأكيد وفق النظم واللوائح البريطانية التي يحترمها كل من يأتي للعمل في هذا البلد.
عندما تأتي إلى مقر عملك هنا في بريطانيا عليك بأن تلتزم بقوانين ونظم ولوائح هذا البلد، ولكن بمجرّد أن تنهي يومك المضني في الشغل وتعود إلى بيتك أو تخرج لنشاطاتك الأخرى فأنت حر طليق يمكنك أن تفكّر كما شئت وأن تتعبّد كما يحلو لك وأن تتحدّث باللغة التي تريحك وأن تستمع إلى الموسيقى التي تختار.
المهم في الأمر أنّه كان في سجّلّات اليوم 42 حالة تحتاج إلى نقاش جماعي. عادة يبدأ النقاش بطرح سيرة مقتضبة عن الحالة من قبل الأخصائي الذي حوّلت إليه تلك الحالة في بادئ الأمر، ثم يقوم بعد ذلك بطرح وجهة نظره من الناحية التشخيصيّة كما يترأى له ويبحث بعدها عن دعم لتشخيصه أو تشخيص نهائي من بين إحتمالين أو ثلاثة إحتمالات واردة.
أذكر لكم هنا ثلاثة أمثلة عمليّة جرى نقاشها بالأمس من بين ال42 حالة التي تم عرضها وتناولها خلال تلك النقاشات الطويلة والمفيدة، وإخترت بأن أنشر هذه الحالات الثلاث هنا مع المزيد من تصوّراتي وتقديري لمجريات الأمور في عالمنا العربي والإسلامي بهدف وضع نوعاً من المقارنة فعسانا أن نفتح أعيننا ونتواصل مع العالم المحيد بنا بدل التقوقع على أنفسنا بحجّة أنّنا خير أمّة أخرجت للناس، وبحجّة أنّنا فقط من سوف نحظى برضاء الله، ومن ثمّ فمن الطبيعي - كما نظن - بأن نكون وحدنا من يحق له الحلم بالجنّة بمفهوم أنّهم لا محالة ذاهبون إلى نار جهنّم وبئس المصير:
كان عدد الحاضرين بالأمس 24 من خيرة العقول في مجال جراحة وأمراض الأعصاب، أمراض ولواعج المخ والأعصاب، سرطان المخ والحبل الشوكي، علم الأمراض النسيجي للمخ والنخاع الشوكي والسرطانات المخية، علم النفس العصبي، وعلم الأشعة المخيّة والعصبيّة.
كان من بين الحضور 9 من جرّاحي الأعصاب من بينهم بروفيسّور ومعهم ثلاثة من المتدرّبين في نفس المجال. كان أيضاً موجوداً بيننا إثنين من خبراء علاج السرطان المخّي أحدهما بروفيسّور، وكانت معنا أيضاً رئيسة قسم الطب العصبي النفساني وهي من أكبر الخبرات في هذا المجال في المستشفى، وكان أيضاً موجوداً في الإجتماع أحد خبراء الأشعة المخيّة والعصبيّة بالمستشفى وهو واحد من ثلاثة أخصائيّين رفيعين في هذا المجال الحيوي في المستشفى من بينهم بالطبع دكتورنا الليبي القدير "خالد شرلالة"، وكنت أنا أمثّل مجموعة أخصائيي أمراض المخ والأعصاب الإحدى عشر.
كنّا كلّنا على إتصال مع أستاذ أمراض الأنسجة المخّية والعصبية ومساعده من جامعة برمنجهام عن طريق الدائرة المغلقة، وكان يتواجد بيننا ثلاثة من الممرضين المتخصّصين المتمكّنين في مجال علاج الأورام المخيّة من بينهم إمرأة.
وبينما النقاش كان يدور ساخناً ومترويّاً وتمحيصيّاً وبكل مهنيّة تمحلقت أنا في جمع الحضور بشئ من التأمّل والتدبّر وبعد عد للحاضرين قرّرت التعرّف على جنسياتهم لغرض في نفسي، خاصّة بعد تصويت الإنجليز على مشروع الخروج من الإتحاد الأوروبّي وإختيار الخروج على البقاء.
كان من بين الحاضرين الواحد والعشرين من الأخصائيين في القاعة يوجد فقط ثلاثة من البريطانيين، أمّا البقية فكانوا من جنسيات أخرى منهم الهند وباكستان ومصر وبولندا وسربيا وكنت أنا من ليبيا.
قلت في نفسي حينها، هؤلاء البريطانيّون يفتحون منافذهم لإستقبال أحسن الخبرات العالمية للعمل في بلادهم ولا يحفلون قطعاً بخلفياتهم العرقية أو الثقافية أو الدينية أو الجينيّة. إنّهم يتعاملون معهم كخبرات وكبشر ويستفيدون منهم لمصلحة الشعب البريطاني ويتسفيدون منهم في جلب الكثير من المرضى من خارج بريطانيا بهدف التعالج في أرقى المراكز العالمية عندهم، كما يستفيدون منهم مادّياً في تجميع الضرائب على مرتّباتهم بهدف إنفاقها على الخدمات الصحية والإجتماعية في بريطانيا. من هنا نرى البريطانيين وهم يحتفون بوجود هذه الخبرات في بلادهم بل ويفتخرون بذلك أيّما إفتخار، فيعاملونهم بكل إحترام وتقدير، بل ويعتبرونهم من بينهم فيعطونهم الجنسيّة البريطانية ولا ينظرون إلى توجّهاتهم السياسيّة أو إعتقاداتهم الدينيّة أو مشاعرهم الوطنيّة.
البريطانيّون يعرفون جيّداً بأن أغلب المقيمين بينهم يبقون على الحب والوفاء لبلدانهم، والكثير منهم يصرّون على المحافظة على عادات وتقاليد بلدانهم؛ لكن العمل هنا هو باللغة الإنجليزية وثقافة ومجريات العمل هي بكل تأكيد وفق النظم واللوائح البريطانية التي يحترمها كل من يأتي للعمل في هذا البلد.
عندما تأتي إلى مقر عملك هنا في بريطانيا عليك بأن تلتزم بقوانين ونظم ولوائح هذا البلد، ولكن بمجرّد أن تنهي يومك المضني في الشغل وتعود إلى بيتك أو تخرج لنشاطاتك الأخرى فأنت حر طليق يمكنك أن تفكّر كما شئت وأن تتعبّد كما يحلو لك وأن تتحدّث باللغة التي تريحك وأن تستمع إلى الموسيقى التي تختار.
المهم في الأمر أنّه كان في سجّلّات اليوم 42 حالة تحتاج إلى نقاش جماعي. عادة يبدأ النقاش بطرح سيرة مقتضبة عن الحالة من قبل الأخصائي الذي حوّلت إليه تلك الحالة في بادئ الأمر، ثم يقوم بعد ذلك بطرح وجهة نظره من الناحية التشخيصيّة كما يترأى له ويبحث بعدها عن دعم لتشخيصه أو تشخيص نهائي من بين إحتمالين أو ثلاثة إحتمالات واردة.
أذكر لكم هنا ثلاثة أمثلة عمليّة جرى نقاشها بالأمس من بين ال42 حالة التي تم عرضها وتناولها خلال تلك النقاشات الطويلة والمفيدة، وإخترت بأن أنشر هذه الحالات الثلاث هنا مع المزيد من تصوّراتي وتقديري لمجريات الأمور في عالمنا العربي والإسلامي بهدف وضع نوعاً من المقارنة فعسانا أن نفتح أعيننا ونتواصل مع العالم المحيد بنا بدل التقوقع على أنفسنا بحجّة أنّنا خير أمّة أخرجت للناس، وبحجّة أنّنا فقط من سوف نحظى برضاء الله، ومن ثمّ فمن الطبيعي - كما نظن - بأن نكون وحدنا من يحق له الحلم بالجنّة بمفهوم أنّهم لا محالة ذاهبون إلى نار جهنّم وبئس المصير:
- ديفيد عمره 31 سنة تمّت مناقشة حالته في إجتماع سابق في شهر مايو الماضي، وبيّنت الأشعة التشخيصيّة بأنّه يعاني من سرطان أوّلي يسمّى "جلايوبلاستوما" لكنّه على درجة عالية من التمكّن. مشكلة النمو السرطاني في دماغه أنّه متوسّع بشكل كبير وموقعه في المخ قريب من الشق النصفي في الدماغ وتحويله جراحيّاً سوف يترك مضاعفات كبيرة وقد تكون خطيرة. طلب جرّاح الأعصاب المهتم بأمره النصيحة من الحضور عن الخطوة القادمة. وافق جل الحضور بأن الجراحة سوف تكون خطيرة وقد يكون من الصعب تنحية كل النمو السرطاني. إقترح بعض الحاضرين أخذ عيّنة من النمو السرطاني ودراستها قبل المضي في أي عمل جراحي. أخذت العيّنة وتم إرسالها إلى قسم الأمراض النسيجيّة في جامعة برمنجهام. أخصائي هذا المجال ذكر اليوم بأن نتائج البحث الميكروسكوبي والصبغي بيّنت بأن النمو السرطاني هو بالفعل جلايوبلاستوما" وبأنّه من الدرجة الرابعة. تمّت مناقشة الحالة مع برفيسّور العلاج الكيميائي والأشعة ووافق هذا البروفيسّور على أن العلاج الجراحي في هذه الحالة قد تكون مخاطره أكثر بكثير من فوائده. تحدّث الجميع عن عمر المصاب وبأنّه يتوجّب تقديم أحسن الخدمات الممكنة له. قال بروفيسّور العلاج الإشعاعي: أتركوه لنا وسوف نقوم بما نستطيع، وإن إستطعنا التقليص من حجم السرطان فقد نمكّن بذلك الجرّاحين من القيام بنزعه دون ترك الكثير من المضاعفات. تمّت إحالة هذا الشاب إلى قسم العلاج الكيميائي والإشعاعي.
- سوزان عمرها 65 سنة كانت تشتكي من إنعدام في التوازن في جهتها اليمنى مع ضعف بسيط في يدها ورجلها اليمنى. هي أيضاً تعاني من إختلال في التوازن عندما تمشي. بعد فحصها تم أخذ أشعة مقطعيّة لدماغها بيّنت بأنّها تعاني من نمو سرطاني في مخّها من الجهة المقابلة، ويبدو من الصور المتاحة بأن هذا النمو تظهر عليه ملامح النمو السرطاني الليمفاوي أكثر من كونه نموّاً أوليّاً في المخ. بعد مناقشة مستفيظة في لقاءات سابقة تم طلب صور بالرنين المغناطيسي لبقية الجسم من الصدر إلى البطن والحوض للبحث عن تغييرات شبيهة قد تدعّم إحتماليّة النمو الليمفاوي. الصور المقطعية تلك ألمحت على أن النمو السرطاني هو في مرحلة متقدّمة (درجة عالية) ومن ثمّ فالخطوة القادمة يجب أن تكون بأخذ عيّنة نسيجية من النمو في أي مكان ممكن. بكل تأكيد من أسهل الآماكن التي يمكن أخذ عيّنة منها هو المخ بحكم حجم النمو وإمكانية أخذ عيّنة جيدة تكفي للتشخيص. جرّاح الأعصاب المهتم بالحالة قال "لا" لأي عيّنة من المخ لأنّها سوف تترك عطباً مزمنا ولو كان صغيراً. إقتنع البقية بالفكرة ورأوها واقعية ومنطقية. كان من بين موجودات الصور المقطعية لبقيّة الجسم وجود شرخ في إحدى الضلوع على الجهة اليمنى من الصدر. هذا الشرخ رآه الجميع بأنّه ربّما يعتبر أسلم مكان لأخذ العيّنة وكاد الإتفاق يتم على ذلك لولا أن أحد الإخصائيين النابهين ألمح إلى أن ذلك الشرخ قد يكون عبارة عن عطب أوّلي في عظمة الضلعة من شبه المؤكّد بأنّه كان ناجماً عن كسر في الضلعة نتيجة لحادث عرضي، ومن ثم فلا أمل في موضوع التوصّل إلى تشخيص لهذه الحالة. بحث الجميع عن مواضع أخرى يمكن من خلالها أخذ عيّنة لكنّهم لم يعثروا على مكان مناسب، فعادوا إلى موضوع إحتمالية أخذ العيّنة من أحد الأجزاء الطرفية للمخ، لكن صوتاً آخر إعترض وطلب أخذ عيّنة من نخاع العظم. أخذت العيّنة وتمّت دراستها بكل تمعّن لكنّها ولسوء حظ المريضة لم تكشف عن معلومات كافية تؤدّي إلى التشخيص الحقيقي قبل الشروع في العلاج. تم الإتفاق أخيراً على أخذ عيّنة من المخ في أسلم الآماكن التي لا يتوقّع منها بأن تترك مضاعفات كبيرة. أرجعت الحالة لجرّاح الأعصاب وتركت في معيّته. جرّاح الأعصاب إقترح عمل صور لكل الجسم بالأشعة البوزيترونيّة PET scan قبل المغامرة بأخذ العيّنة من المخ. وبالفعل وافق البقية على ذلك الإقتراح وتم بالفعل ذلك التحليل الذي أظهر وجود شبيه محتمل في الكبد. تم أخذ عيّنة من ذلك وأرسلت إلى قسم الأمراض النسيجيّة وبعد صبغ العيّنة بأصباغ خاصّة قرأ أخصائي الأمراض النسيجية تقريره أمام الجميع بأن ما يتواجد أمامه هو تأكيد على أن النمو السرطاني هو ليفاوي، وعلى أنّه Aggressive B cell lymphoma . عرضت الحالة على أخصائي العلاج الكيماوي والأشعي فأبدى ترحيبة بإستلام الحالة والقيام بعلاجها كما يتوجّب.
- الحالة الثالثة لشابّة في آخر الأربعينات كانت تعاني من ألم في الرأس، دوخان، وأصيبت بنوبات صرع مؤقّتة. قيل بأنّها كانت تعاني من إلتهابات في الجيوب الأنفيّة لعدد من السنين وبأنّها تحت إشراف أخصائيي الأنف والأذن والحنجرة. عرضت صور مقطعيّة للمخ وقام أخصائي الأشعة العصبيّة بإعادة دراسة الصور وبيّن للحاضرين بأن الذي يراه أمامه هو ما يشبه النمو السرطاني في الجانب الأيسر من المخ، وهو كبير الحجم وتحاط به الكثير من الإحتقانات. قال بأن تلك الإحتقانات قد تطرح فكرة الإلتهاب الحاد ومن هنا فليس من السهل إحتساب أن العطب هو نمو سرطاني. علينا هنا بأن نفكّر في أشياء أخرى يمكن معالجتها قبل التفكير في موضوع السرطان لهذه الحالة الصغيرة في العمر نسبيّاً. هنا سألوني أنا: وماذا تظن دكتور بالحاج؟. قلت أنا أوافق الحظور على أن الصورة قد تعكس وجود إلتهاب بدل سرطان، وحيث أن المريضة تعاني من إلتهاب في الجيوب الأنفيّة فعلينا أيضاً أن ننظر في إمكانية وجود تجلّط في الأوعية الوريدية في المخ. هنا أعاد أخصائي الأشعة النظر من جديد في إمكانية ذلك الإحتمال وبيّن على أنّه لم يلحظ ما يفيد بذلك لكنّه لا يستطيع أن يكون يقينيّاً في هذا الشأن. أنا إقترحت إعادة صور الرنين مع أخذ شرائح للأوعية الدموية الوريديّة على وجه الخصوص، وكذلك يكون بوسعنا معرفة الوضع الحالي بعد مرور بضعة آسابيع على الأشعة السابقة. سألوني: وماذا تقترح أيضاً دكتور بالحاج؟. قلت أيضاً أنا أقترح أخذ عيّنة من السائل المخّي للبحث عن أية إلتهابات أو جراثيم كانت ربّما قد إنتقلت من أنف المريضة إلى مخّها ومن شبه المؤكد بأن تلك الجراثيم سوف لن تكون من الخبيثة بإعتبار أن المريضة هي الآن في حالة مستقرّة. من هنا أنا أقترح البحث عن فطريّات أوجراثيم أخرى غير خبيثة لا تسبّب إلتهاب سحائي أو دماغي. وافق الجميع على الطرح وسألوني إن كنت أتفضّل بإستلام الحالة والبحث في أمرها، فقلت على الرحب والسعة.
هذا عبارة عن أمثلة بسيطة وسريعة للكيفية التي تتم بها مناقشة الحالات والكيفية التي يتم بها التوصّل إلى المرحلة اللاحقة حتى يتحقّق التشخيص الذي يؤدّي إلى العلاج المناسب والناجع.
الذي يستوجب ذكره هنا ، أنّه بعد كل مناقشة وتمحيص وتدبّر وتلك المساهمات الإيجابيّة من كل طرف له فكرة أو وجهة نظر من الحاضرين، يتوصّل الجمع إلى تشخيص نهائي ويقيني للحالة وبعدها تتم مناقشة أوجه العلاج وأشكاله وكيفيّة تنفيذه ومن ذالك الذي تناط به مهمّة الإشراف عليه، يتم تسليم الحالة بكل ممنونيّة لمن يقع علاجها في مجال تخصّصه الرفيع، ويستلم ذلك الحالة بكل رحابة صدر بل وبكل حماسة لأنّهم هنا يبحثون عن النجاح ويعملون على تقديم أحسن الخدمات للمعذّبين من البشر الذين تأتي بهم أقدارهم إلى أيدي هؤلاء الأخيار من المهنيّين الناجحين.
هذا الإجتماع الأسبوعي تخصّص له رسميّاً ساعة كاملة، ولكن من النادر جداً بأن تكون تلك الساعة كافية نظراً لكثرة الحالات ولعمق النقاش حولها. فكثيراً ما يستمر الإجتماع لساعتين كاملتين أو ربّما أكثر أحياناً، بعدهما يشعر كل أحد بالتعب والإرهاق فينصرف كل منّا عائداً إلى قاعدته ويواصل ممارسة بقيّة مشاغله ولوازمه المهنية المناطة به بكل إتقان وبكل حماسة وثبور حتى نهاية اليوم حيث يعود كل إلى بيته أو إلى مكان آخر حسب رغبته.
وأنا في طريقي نحو قسم أمراض المخ والأعصاب متمشّياً عبر ممر طويل يربط بين القسم ومبنى العلوم السريريّة التابع لقسم الدراسات العليا بالمستشفى عبرت بمخيلتي الكثير من المشاهد والمناظر التي تشهدها وتعيشها وتعاني منها منطقتنا العربيّة والإسلاميّة فأحسست بالكثير من الفواجع والمواجع والأسى والحزن، وبالفعل تأسّفت على واقعنا المزري ونالني بعض اليأس برغم من أنّني ولدت متفائلاً وترعرت متفائلاً وسوف أذهب إلى - أو يأتيني - قدري وأنا متفائلاً. أحسست بالمرارة لكنّني قلت في نفسي: إن مجرّد الإحساس بالمآسي لا يبعدها، والذي يبعدها أو يزيلها هو فقط الإعتراف بوجودها والعمل على إحداث البديل عنها أو لها.
عبرت بمخيلتي مشاهد القتل والدماء، ومشاهد الكبت والإغتصاب، وأخبار السرقة والإستحواذ بغير حق، وتلك المشاهد المقرفة من حقراء داعش والتي من بينها أعمال الذبح والصلب والتمثيل بمن ينهوا حيواتهم بدم بارد وبآحاسيس خالية من أي شئ إسمه إنسانية أو قيم... قلت حينها لنفسي: نحن بالفعل من يبتسر الحياة أو يأدها قبل آوانها وهم من يصنع الحياة ويحافظ عليها إحتراماً لقيمة الإنسان الذي يحملها وقدسيّة وجوده. نحن - للحسرة والمرارة - نبتسر تلك الحياة ومن نعجز عن إبتسارحياته نقوم بوأده وبكل شناعة لأنّنا بكل تجرّد لا نعرف كيف نحترم قيمة الإنسان ولا نحس بقدسيّة وجوده. نحن ورثنا الحقد والكراهية من أسلافنا، وتربّينا على الفوضى والهمجية من خلال الثقافة التي مازلنا نصر على تقديسها والتشبّث بها برغم معرفتنا بأن الزمن كان قد عبرها... وتجاوزها.
الذي يستوجب ذكره هنا ، أنّه بعد كل مناقشة وتمحيص وتدبّر وتلك المساهمات الإيجابيّة من كل طرف له فكرة أو وجهة نظر من الحاضرين، يتوصّل الجمع إلى تشخيص نهائي ويقيني للحالة وبعدها تتم مناقشة أوجه العلاج وأشكاله وكيفيّة تنفيذه ومن ذالك الذي تناط به مهمّة الإشراف عليه، يتم تسليم الحالة بكل ممنونيّة لمن يقع علاجها في مجال تخصّصه الرفيع، ويستلم ذلك الحالة بكل رحابة صدر بل وبكل حماسة لأنّهم هنا يبحثون عن النجاح ويعملون على تقديم أحسن الخدمات للمعذّبين من البشر الذين تأتي بهم أقدارهم إلى أيدي هؤلاء الأخيار من المهنيّين الناجحين.
هذا الإجتماع الأسبوعي تخصّص له رسميّاً ساعة كاملة، ولكن من النادر جداً بأن تكون تلك الساعة كافية نظراً لكثرة الحالات ولعمق النقاش حولها. فكثيراً ما يستمر الإجتماع لساعتين كاملتين أو ربّما أكثر أحياناً، بعدهما يشعر كل أحد بالتعب والإرهاق فينصرف كل منّا عائداً إلى قاعدته ويواصل ممارسة بقيّة مشاغله ولوازمه المهنية المناطة به بكل إتقان وبكل حماسة وثبور حتى نهاية اليوم حيث يعود كل إلى بيته أو إلى مكان آخر حسب رغبته.
وأنا في طريقي نحو قسم أمراض المخ والأعصاب متمشّياً عبر ممر طويل يربط بين القسم ومبنى العلوم السريريّة التابع لقسم الدراسات العليا بالمستشفى عبرت بمخيلتي الكثير من المشاهد والمناظر التي تشهدها وتعيشها وتعاني منها منطقتنا العربيّة والإسلاميّة فأحسست بالكثير من الفواجع والمواجع والأسى والحزن، وبالفعل تأسّفت على واقعنا المزري ونالني بعض اليأس برغم من أنّني ولدت متفائلاً وترعرت متفائلاً وسوف أذهب إلى - أو يأتيني - قدري وأنا متفائلاً. أحسست بالمرارة لكنّني قلت في نفسي: إن مجرّد الإحساس بالمآسي لا يبعدها، والذي يبعدها أو يزيلها هو فقط الإعتراف بوجودها والعمل على إحداث البديل عنها أو لها.
عبرت بمخيلتي مشاهد القتل والدماء، ومشاهد الكبت والإغتصاب، وأخبار السرقة والإستحواذ بغير حق، وتلك المشاهد المقرفة من حقراء داعش والتي من بينها أعمال الذبح والصلب والتمثيل بمن ينهوا حيواتهم بدم بارد وبآحاسيس خالية من أي شئ إسمه إنسانية أو قيم... قلت حينها لنفسي: نحن بالفعل من يبتسر الحياة أو يأدها قبل آوانها وهم من يصنع الحياة ويحافظ عليها إحتراماً لقيمة الإنسان الذي يحملها وقدسيّة وجوده. نحن - للحسرة والمرارة - نبتسر تلك الحياة ومن نعجز عن إبتسارحياته نقوم بوأده وبكل شناعة لأنّنا بكل تجرّد لا نعرف كيف نحترم قيمة الإنسان ولا نحس بقدسيّة وجوده. نحن ورثنا الحقد والكراهية من أسلافنا، وتربّينا على الفوضى والهمجية من خلال الثقافة التي مازلنا نصر على تقديسها والتشبّث بها برغم معرفتنا بأن الزمن كان قد عبرها... وتجاوزها.
قرأت بالأمس مقالاً عن "الأسوشييتد برس" بعنون: قبضة تنظيم الدولة الإسلاميّة تشتد أكثر على السبايا من النساء، ومقال آخر في "النيوزويك" بعنوان: ليس لذوي القلوب الطريّة - كيف تعذّب داعش المناهضين لها. شئ يحسسك بالكفر بكل شئ بعد أن ترى كل شئ يمارس - وأمام عينيك - بإسم الدين الذي تؤمن به وتحاول أن تقنع به غيرك من البشر.
أنا أعرف بأن حقراء داعش لا يمثّلون الدين الإسلامي في شئ، وأعرف يقيناً بأنّهم من أحقر البشر على الأرض في عصرنا الحاضر، لكنّني فقط أحس بالحسرة والأسف بأنّه يتواجد بيننا الملايين من أهلنا ممّن يوفّرون لهم الحواضن تعاطفاً معهم وإحساساً منهم بأن ما تنادي به داعش والقاعدة وبقية الزمر الحقيرة هو دعوة للعودة إلى "الإسلام الحقيقي" وصيحة صادقة لعودة الروح بين المسلمين. هناك من يظن ويصدّق بأن ما يجري الآن في بلداننا العربية والإسلاميّة إنّما هو يعكس "صحوة إسلاميّة" قد تعيد لنا أمجادنا السابقة وقد تعيد لنا أطلال الأندلس وتسترجع لنا "فلسطين السليبة" !!.
أنا أحس بالحسرة والندم حينما أرى خريجي الجامعات ومن يحملون شهائد عليا وتخصّصية وهم يتعاطفون مع حقراء داعش أو يعتقدون بأن ما تنادي به داعش هو "الإسلام الحقيقي" وعلى أنّه يمثّل عودة للروح بين المسلمين الذين تاهوا ضائعين في دهاليز "الحضارة الغربية" المزيّفة والتي تدعو إلى "زواج المثليين" !!. هؤلاء - ولزيادة التحسّر - تجدهم يعيشون في بلاد الغرب ويتمتّعون بكل رفاهية العيش بين أحضانهم ويمارسون أعمالهم وفق القيم والضوابط الغربية، ويتنافسون لإقتناء آخر منتجات المصانع الغربية، بل ويمارس بعضهم الكثير من ممارسات الغرب "الكافر" بما في ذلك شرب الخمر وإرتياد النوادي الليليّة؛ لكنّهم مع ذلك تجدهم يتعاطفون مع حقراء داعش وبقيّة الجماعات المتطرّفة والتي تأخذ من الدين غطاء وستاراً لممارسة الرذيلة والعهر الحقيقي بإسم الدين وبحجّة ممارسة شرع الله وتطبيق "الشريعة الإسلاميّة".... شريعة "السلف الصالح".
نحن من يتوجّب علينا رفع الغطاء عن حقراء داعش وكشفهم أمام الغلابة والمحتاجين والمغفّلين الذين لا حول لهم ولا قوّة غير تصديق هؤلاء الهمج الذين يستخدمون الدين غطاء لممارساتهم الشيطانية، فيغفّلون بذلك ناقصي التعليم وناقصي الثقافة وناقصي المعرفة .... ولا لوم على من لا يعرف لكن اللوم على من قرأ وتعلّم وتخرّج من الجامعات وسافر وإختلط بغيره من شعوب العالم لكنّه مع كل ذلك يصدّق ترهات المتخلّفين ممّن يؤمنون بعقلية وتفكير داعش ومن يؤمن بفكرهم أو يعتقد بمعتقدهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك