2015/12/28

أظنّها بداية النهاية لتجّار الدين والمتخلّفين

 عندما يصاب الإنسان بفيروس فإنّه قد يمرض وقد يتعذّب وقد يكره الحياة حينها، ولكن بعد فترة من الزمن يتعافى المصاب ويذهب الفيروس إلى غير رجعة، ذلك لأنّ جسم الإنسان يولّد مناعة قوية ضد نفس الفيروس... وربما بعض الفيروسات الأخرى، وخاصّة تلك التي تنتمي إلى نفس الفصيلة أو العائلة.
طلائع الجيش العراقي وهي تدخل وسط الرمادي
تمكّن الجيش العراقي هذا اليوم من دخول وسط مدينة الرمادي وتحريرها من "الأوساخ" التي كانت بداخلها. تحرير الرمادي بالنسبة للجيش العراقي له أكثر من معنى وأكثر من مغزى.
نحن نعرف أنّه بعيد إسقاط الطاغية العراقي السابق صدّام حسين، كانت هناك خطّة أمريكيّة خبيثة جاهزة تهدف إلى القضاء على شئ إسمه "الجيش العراقي" لما يشكّله هذا الجيش من تهديد مباشر لدولة الصهاينة. الجيش العراقي برهن في السابق على أنّه يستطيع ضرب عمق "إسرائيل"، ولم يتخلّف الجيش العراقي في السابق عن أشقائه العرب في كل حروب العرب "الخاسرة" مع الكيان الصهيوني.
المفكّرون والإستراتيجيّون الأمريكان يعرفون بأن العراق تعتبر قوّة بشريّة وإقتصادية لا يمكن الإستهانة بها في منطقة الشرق الأوسط، كما يعرف هؤلاء أهمية إيران في المنطقة أيضاً. جميع المعادلات الأمريكيّة كانت تأخذ في الحسبان هاتين الدولتين على وجه الخصوص نظراً لمقدرة هاتين الدولتين على الخروج من دائرة التخلّف والتبعية التي تفرضها القوى الغربية على منطقتنا العربية. بقية الدول في المنطقة تعرف أمريكا وحلفائها بأنّها مجرد مسمّيات على الورق ولا قيمة إسترتيجية أو إقتصادية لها أكثر من كونها بلاد مستهلكة وحكّامها من التبّع الذين لا يستطيعون الإعتماد على أنفسهم.
كانت كل حسابات أمريكا تتركّز على منع تكوين جيشاً عراقيّاً جديداً، وبذلك فقد ظلّت أمريكا طيلة فترة إحتلالها للعراق وهي تصر على تهميش أية محاولات لبناء جيش عراقي حرفي ومهني وإنضباطي. وإذا نظرنا إلى مجريات الأحداث في العراق منذ عام 2003 وحتى الآن نجد أن أمريكا عملت كل ما في وسعها من أجل تعطيل كل محاولات العراقيين لبناء دولتهم على أسس وطنية.
مليشيات الحشد الشعبي من بين محاولات أمريكا لمنع تكوين جيش عراقي إحترافي وفعّال
هناك الكثير من الشواهد التي يمكننا الإستشهاد بها لدعم هذا الكلام، لكنني سوف لن أضيّع الكثير من الوقت في ذكرها أو تفاصيلها لأنّها في النهاية تعتبر من مخلّفات وأحداث الماضي. الذي يهمّني ذكره الآن والذي بالفعل يشد إنتباهي هو صحوة عراقية جديدة، ونظرة عراقية مختلفة تماماً عمّا خطّطت له أمريكا. أعتقد بأن الكثير من العراقيين الشرفاء ومن بينهم بكل تأكيد رئيس الوزراء العراقي الحالي السيّد حيدر العبادي، أعتقد بأن هؤلاء بدأوا يصحون من غفواتهم، وبدأت ربما الرؤية تتضح أمامهم أكثر من ذي قبل. بدأ العراقيّون الآن على ما أظن يفكّرون بمصالح البلد وليس بمصالحهم الخاصّة كما كانوا في بداية ثورتهم على نظام صدّام حسين، ومن ثمّ فقد بدأت الروح الوطنية تدب في نفوس البشر هناك وعلى رأسهم أولئك الذين ينتمون إلى الجيش وربّما أجهزة الأمن والشرطة.
أمريكا مازالت تعمل المستحيل من أجل الحيلولة دون الوصول إلى هذه النتيجة، لكن أمريكا في نهاية المطاف ليست غولة ولا يمكنها أن تحقق ما تريد متى تريد وكيفما تريد. أمريكا مازالت تلعب لعبة المليشيات المسماة تماهياً " الحشد الشعبي" ولعبت من قبلها لعبة أخرى إسمها "الحرس الوطني". إنّ كل محاولات أمريكا تلك هي تهدف إلى نتيجة واحدة مؤدّاها "عدم تكوين جيش عراقي وطني". 
خدعة الحرس الوطني قصد منها وجود قوة تحد من فعالية الجيش وتتحكّم فيه
لقد إنطلت اللعبة على من حكم العراق سابقاً بدءاً بالعلّاوي وإنتهاء بالتافه نوري المالكي، لكنّ ذلك المسلسل القذر في العراق أظنّه قد عرض حلقته الأخيرة ببطلولة نوري المالكي، ومن ثمّ فسوف يشاهد الناس في العراق من الآن فصاعداً مسلسلاً جديداً يختلف عن السابق، وهذا المسلسل سوف تصاحبه موسيقى تصويريّة وطنية تعيد للعراقيين حبّهم للوطن وإيمانهم بقدراتهم على بنائه كما كان وأحسن.
طلائع الجيش العراقي وهي تتقدّم نحو الرمادي
وعودة إلى إنتصار الجيش العراقي في الرمادي... أقول بأن هذا الإنتصار له معاني كثيرة وعميقة في نفوس العراقيين بقدر ما هي كبيرة وعميقة بالنسبة لمعنويات الجيش العراقي... وربما أيضاً عقيدته العسكريّة.
إن تلك "الإنتصارات" المفاجئة لداعش وبذلك الشكل في العراق خلال العامين الماضيين لم تكن مصادفة وبكل تأكيد لم تحدث بسبب قوّة داعش أو قدراتها القتالية. كانت إنتصارات داعش في العراق مبرمجة ومخطّطاً لها، وكان القصد الجوهري هو تحطيم معنويات الجيش العراقي وإشعار العراقيين بأنّهم سوف لن يعيدوا بناء العراق الموحّدة القوية على الإطلاق. ذلك السيناريو القذر بدأ الآن على ما أظن في التبخّر، وإعتباراً من الآن فسوف تعود الروح الوطنية لكل العراقيين بدءاً بمن هم على سدة الحكم وإنتهاء بالمواطن العادي، وذلك في حد ذاته يعتبر إنتصاراً كبيراً للعراقيين سوف يفتح الطريق أمام إنتصارات تالية وأكيدة.
النقطة الأخرى التي أود التننويه إليها في هذا الإطار هي أن إنتصار الجيش العراقي على داعش سوف يفتح الطريق واسعا أمام هزيمة كل تجّار الدين في منطقتنا العربية، ذلك لأن زيفهم بدأ الآن يتكشّف أمام أعين العرب في كل بلاد العرب. سوف يمهّد إنتصار الجيش العراقي الطريق نحو ثورة عربية شاملة على كل تجّار الدين والمتاجرين بالثورية من المليشيات القذرة التي تستخدمها عصابات التطرّف والتخلّف الديني للسيطرة على المنطقة وفرض أجندات متخلّفة ورجعية على أهلها.
لقك كنت أتحسّر على كل ما أصاب بلادنا العربية نتيجة لما سمّي بثورات الربيع العربي، لكنّني الآن ربما أنظر إلى الأمور بمنظار مختلف. إنني أشعر الآن بأن كل خسائر العرب (اليمن، ليبيا، سوريا، والعراق... على وجه التحديد) في البشر والبنية التحتية قد تكون مربحة في نهاية المطاف.
جيش الهمج وإنكشارية التخلّف
نعم.... قد تكون مفيدة للعرب على المدى الطويل، فقد إنكشفت الآن أمام كل العرب جميع التنظيمات المتستّرة وراء جلابيب الدين، وسوف يدفع هذا الواقع كل العرب للثورة على طغاة الدين وتحجيمهم بهدف تحرير الفكر العربي من فكرهم المتخلّف وطريقة تفكير شيوخهم وأئمتهم التي لم تتمكّن من مبارحة الماضي فدفعها إيغالها فيه إلى عدم المقدرة على فهم الحاضر ومن ثمّ الإرتعاب من المستقبل والخوف المفرط منه.... وهذه في حد ذاتها أعتبرها فارقة بينهم وبين جيل الشباب والمثقفين من أبناء وبنات العرب الذين يحلمون بغد مختلف تماماً.
عندما أصيبت سيراليون بوباء فيروس الإيبولا عمّ سكّانها الهلع والخوف نتيجة لأحداث مشابهة في الماضي أودت بحياة الكثيرين في هذا البلد الأفريقي وفي بلدان أفريقية مجاورة. 
بدأ الفيروس يخيف الناس ويرعبهم في كل مكان نتيجة لأثاره المدمّرة ونهايته القاتلة. كان الناس في سيراليون وفي غرب أفريقيا يرتعبون من مجرّد سماعهم بإصابة جديدة، وحينما بدأ الفيروس في الإنتشار في دول غرب أفريقيا وبشكل متسارع  بدأ الخوف يعم كل بلاد العالم خاصّة بعد أن سٌجّلت حالات في بعض الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية.
قتلى فيروس الإيبولا الأبرياء يشبهون قتلى داعش من حيث البشاعة وغياب الرحمة
بدأ العالم... كل العالم يرتعب من هذا الفيروس الذي لا يرحم، وبدأت جهود العالم تتظافر مجتمعة من أجل محاربة هذا الوباء والإنتصار عليه. فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن خطة بمئة مليون دولار لمكافحة فيروس إيبولا، وأطلعت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية "مارغريت شان" رؤساء دول غرب أفريقيا التي إنتشر فيها فيروس إيبولا عن خطّة لمكافحة هذا الوباء بقيمة مئة مليون دولار إة ما يعادل 75 مليون يورو.
وقالت "شان" في بيان أصدرته منظمة الصحة في جنيف أن "حجم وباء إيبولا والخطر الدائم الذي يطرحه يتطلّبان من منظّمة الصحّة العالميّة وكذلك غينيا وليبيريا وسيراليون ردّا على مستوى جديد، ما يستدعي زيادة الموارد".
وتوحّد العالم حول مشروع القضاء على الإيبولا، فهل يتوحّد حول مشروع القضاء على داعش؟ 

وبتظافر الجهود العالمية والإصرار على القضاء على هذا الفيروس القاتل، تمكّن المجتمع الدولي من منع الفيروس من الإنتشار أكثر، وبدأت بالفعل عدد الإصابات في سيراليون نفسها تتناقص بشكل كبير بسبب الإجراءات الصارمة التي تم تطبيقها في هذا البلد وفي البلدان المجاورة، وتمكّن العلماء أخيراً من تصنيع لقاح يقلّل من تأثير الإصابة بهذا الفيروس الخطير بما يمكّن سكّان غرب أفريقيا من مقاومة المرض والإنتصار عليه.
هناك أيضاً المناعة الطبيعية لمن يبقى على قيد الحياة وتلك سوف تكون حائلاً بين الشخص الملقّح صناعيّاً أو بين أولئك ممّن يقدرون على توليد مناعة طبيعيّة ضد الإصابة بفيروس الإيبولا مرّة أخرى.
هذه الظاهرة تضع أمامنا تشابهاً كبيراً بين فيروس الإيبولا وفيروسات داعش البشريّّة. فبنفس الطريقة التي إنتشر بها فيروس الإيبولا، وبنفس الأثر الفتّاك لهذا الفيروس كانت داعش تنتشر وتفتك بالأبرياء من البشر. وكما تظافرت جهود العالم من أجل القضاء على وباء الإيبولا، فإن نفس العالم توافق حول مقاومة داعش بمجهودات عالمية مجتمعة، وسوف يتم القضاء على داعش كما تم القضاء على الإيبولا ومن قبلها الإيدز والذي قد بالمقارنة  يناظر تنظيم القاعدة.
وختاماً... قال رئيس ديوان الوقف السني في العراق الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميم في تعليقه على تحرير الرمادي: تحرير التراب وهزيمة داعش بالإمكان تحقيقهما بتظافر الجهود والصدق في حب الوطن، لكن المشكلة هي في "تحرير العقول". وأصدقه القول: إن تحرير العقول أهم من تحرير الأوطان، ولولا تشويش العقول واللعب بها لما تمكّنت داعش بكل خبثها وشيطنتها من اللعب بعقول العرب والمسلمين في آماكن كثيرة من العالم بما فيها أولئك الذين يقيمون في النعيم في بلاد الغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك