2015/04/01

هل نتنكّر لثورة 17 فبراير ؟

 البكاء على الأطلال سوف لن يعيدها وإنّما هو قد يشعرنا ببعض الإرتياح المؤقّت فقط. علينا بالنظر إلى الأمام والبدء في وضع الخطى في مواضعها الصحيحة إن نحن بالفعل أردنا لأنفسنا حياة مختلفة.... فنحن من سوف يصنع تلك الحياة. 
بعد إعلان التحرير في أكتوبر 2011 بدأت الحياة السياسيّة والإجتماعيّة في ليبيا تسير إلى الأمام وخرجت جموع الشعب الليبي تعلن عن فرحتها بالإنتصار على نظام الطاغية، وأخذ الكثير من أبناء وبنات الشعب الليبي في التعبير عن فرحتهم بنجاح ثورتهم وذلك بالمشاركة العمليّة والإيجابيّة في تغيير أنماط الحياة في بلادنا خاصّة وبعد فترة الثورة وما صاحبها من تدمير وخراب.
خرج الشباب إلى الشوارع ينظّفون الأرصفة ويطلون واجهات المباني، وخرج أخرون (رجال ونساء) فشكّلوا تنظيمات للمجتمع المدني كل في مجال إهتمامه، وبدأت القنوات الفضائيّة الليبيّة ومن بينها قناة "العاصمة"، وقناة "ليبيا الأحرار" تتناول الكثير من القضايا السياسية والإجتماعية والتنموية للنقاش والحوار، وبدأ وكأن ليبيا أصبحت مقدمة بالفعل على دخول عهد جديد ومسعى مختلف. 
بدأ الأمل يدب في عقول كل الليبيّين والليبيّات، وأخذ كل مواطن ومواطنة يحلمون بحياة أهنأ وينتظرون غد أفضل. بدأ الكثير من المهاجرين الليبيّين في الخارج ومن أصحاب الخبرات المهنية المعتبرة يعدّون العدّة للرجوع إلى ليبيا بلدهم والمشاركة في بنائها وتطويرها وتحسين الخدمات فيها.
إستمرّت تلك الأحاسيس المتفائلة تتعاظم، وبدأ الناس يشعرون بأن ليبيا سوف تصبح بالفعل درّة شمال أفريقيا، وكنت أنا من بين أولئك الذين بدأوا يشبّهون مقدار التقدّم والتحضّر في جنوب أفريقيا بما سوف يحدث في شمالها من خلال ليبيا التي لها من الإمكانيات البشريّة والطبيعيّة ما يمكّنها من ذلك وأكثر. كنت أنا أحلم بليبيا كبيرة ومستنيرة وفاعلة في كل منطقة البحر الأبيض المتوسّط، بل إنّني أخذت أحلم بليبيا أقرب إلى أوروبّا منها إلى أفريقيا بسب حظوظ ليبيا الكبيرة في إمكانية ملاحقة قطارت أوروبا المسرعة والسير على سكّتها وفي مساراتها.
ولكن... وبعيد تلك الإنتخابات الرائعة في يوليو 2012، وبعد أن تشكّل لنا برلماناً من إختيارنا، بدأنا نشاهد أشياء غريبة وبدأ يخرج علينا من يكشّر عن أيابه ويعلن رغبته الأكيدة في السيطرة علينا من جديد. خرج علينا من أهلنا من لم يعجبه ما رأى ولم يسعده فرح الشعب بما حقّق. أخذ تجّار الدين يسعون لبيع تجارتهم لنا وعندما رفضها الشعب عمد أولئك إلى فرضها علينا. خرج مرتزقة الثورية هم بدورهم شرعوا يطلبون أثماناً كبيرة لتضحيّاتهم المزعومة، وخرج علينا من ينتمون إلى غيرنا يرديدوننا أن نخضع لأسيادهم. بدأ الصراع الخبيث في ليبيا، وبدأت الشخوص المريضة تعمل على الإستفادة من هشاشة الأمن وضعف الجيش وسلميّة الشعب بأن أخذت - تلك الشخوص - تكشّر عن أنيابها مستخدمة العنف والترهيب كوسيلة لفرض أجنداتها، وسرعان ما إختلط الحابل بالنابل وأدخلت بلادنا في سرداب مظلم وطويل وعميق. أدخلونا في برزخ مقرف المشهد ونتن الرائحة يؤدّي إلى الجحيم وللأسف. بدأ العنف يدمّر كل شئ، وأخذ المفسدون يستولون على كل شئ، وتحوّلت ليبيا إلى مغنم لكل طمّاع وساحة لكل أفّاق. بدأنا نفقد زخم الثورة، وبدأنا نحسّ بأنّ ما ثرنا عليه أوجدنا له ما هو أنذل وأحط منه. بدأنا نكره الثورة ونحنٌّ إلى ما كان قبلها لأن الذي غنمناه كان خراباً ودماراً وقتل وعنف وذبح للأبرياء لم تشهده بلادنا منذ نشأتها بما في ذلك عهد فرسان القدّيس يوحنّا والأسبان والأتراك والطليان الفاشيست ومروراً بالعهد الملكي وإنتهاء بعهد الطاغية القذّافي. بدأ الناس في بلادي يكرهون الثورة ويحنّون إلى ما قبلها، لأنّ ما حقّقته هذه الثورة لهم كان ويلات ومآسي وأحزان وإنكسارات ، ولا أبرّر لنفسي لوم الناس على مشاعرهم هذه فهم من يعاني وهم من يتأسّى.
ولكن... وبرغم كل شئ، فأنا لازلت أفتخر بثورة 17 فبراير لأنّها بصدق كانت ثورة كل الشعب الليبي، ولأنّها كانت هي الثورة التي إنفجرت من أجل إنهاء الطغيان وإعلاء كلمة الحق. وكما نعرف فإن الثورة يقوم بها الشرفاء ويسرقها الحقراء، وهذا ما حدث لثورة 17 فبراير. 
ولكن - رغم عمق الأسى - فإنّني أقول بأن سرقة ثورة 17 فبراير المجيدة من قبل الحقراء لا يعني أبداً بأنّها ما كان يجب أن تقوم. 
أريد أن أقول... نحن لسنا في حاجة إلى ثورة جديدة، ولا نريد أن نبكي على الأطلال. نحن في حاجة الآن إلى ثورة في داخل أنفسنا تحرّرنا من الطغيان الذي يختلج في دواخلنا، ونحن في حاجة إلى ثورة في داخل أنفسنا تحرّرنا من عقم التفكير وتفتح أمامنا أفاق الغد..... نحن في حاجة لثورة تنقلنا من الوهم إلى الواقع. نحن في حاجة إلى إعادة النظر في كل شئ حولنا، وإعادة تقييمنا لكل ما يحيط بنا إن نحن بالفعل نرغب في الخروج من هذا الإنهيار الذي فرض علينا من قبل أهلنا ومن سبق أن قالوا لنا بأنّهم إنّما يعملون من أجل إسعادنا. 
ليبيا سوف تنتصر، والظلم سوف ينتهي، والأمل سوف يغمر قلوبنا... وشمس ليبيا سوف تشرق من جديد بإذن الله. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك