2015/02/11

أمران لم أتمكّن من فهمهما

كثر في بلادنا خلال السنوات الأربع الماضية تكرار عبارة "تطبيق الشريعة"، وعبارة "إتّباع السنّة" ولم أتمكّن من فهم القصد من تكرار هذه "الشعارات".
لقد سبق لي الإستفسار من قبل عن معنى أو مفهوم "الشريعة" ولم يأتني جواباً واحداً أقنعني بإستيعاب معنى أو مفهموم هذه الشريعة. 
أما اليوم فإنّني أسأل عن المقصود ب "إتّباع السنّة"، فالسنّة التي يقصدونها لم أتمكّن من إستيعاب القصد منها. أنا أعرف بأنّهم يقصدون "سنّة الرسول عليه السلام" ولكن ما الذي يقصدونه ب"سنّة الرسول"؟. 
فحينما تسأل أحدهم: ماذا تقصد بالسنّة فإنّه سرعان ما يرد عليك: سنّة الرسول الله والصحابة والتابعين إلى يوم الدين(الجماعة). هنا يتعقّد عليّ الفهم أكثر من ذي قبل وأجد نفسي أسبح في محيط من "المجاهيل" التي تتشابك مشاربها وتتسع أطرافها بما يتجاوز تشعبات المحيطات وربّما المجرّات أيضاً.
أنا أعرف بأن الإسلام أنزله الله كاملاً في كتاب أسماه الفرقان أو القرآن أو الكتاب ولم يترك الله شيئاً إلاّ وأشار إليه في القرآن حسب قوله تعالى: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ }، وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وأنا أعرف بأن الوحي إنتهى بوفاة الرسول عليه السلام، وبأنّه لا نبي بعد محمّد.
كما أنّني أعرف بأن القرآن كان يكتب في عهد الرسول عليه السلام بأمر منه من قبل أربعة من الأنصار هم: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد، وكان القرآن يكتب على قطع من العظم والعسب والحجر والجلد لكن هذه المخطوطات ظلّت متناثرة إلى أن قام ابوبكر الصدّيق بجمعها بين لوحين لكنّه رضي الله عنه لم يأمر بجمعها في كتاب واحد على أساس أن الرسول لم يأمر بجمعها في كتاب، وتبع عمر بن الخطّاب مسلك أبوبكر الصدّيق عليه السلام في هذا الشأن. 
كانت سور القرآن المجمّعة بين لوحين قد حفظت عند أبوبكر، ثم عمر بعد وفاة أبوبكر، ثم أرسلها عمر لإبنته حفصة التي كانت تجيد القراءة والكتابة لتحتفظ بها في حالة وفاته.
وحينما تولّى عثمان بن عفّان الخلافة بعد قتل عمر بن الخطّاب،  قرر عثمان بن عفّان تجميع القرآن في نسخة واحدة بسبب كثرة إختلاف الناس في القراءات، وكان ذلك بناء على نصيحة من الصحابي حذيفة بن اليمان.
 بعث الخليفة عثمان بن عفّان إلى أم المؤمنين حفصة بأن ترسل مصحف أبي بكر إليه ليأمر بنسخه في كتاب واحد، وأسند تلك المهمّة إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام. 
لما فرغ النسّاخون من نسخ المصحف وكتابته أمر عثمان بإحراق ما عداه من مصاحف خاصة كان يحتفظ بها الصحابة لكثرة الإختلافات بينها، والأرجح أن ذلك كان قد تم في سنة 30 هـ.
واختلف العلماء في عدد تلك المصاحف، فقال بعضهم بأن المصاحف كان عددها أربعة وقال آخرون بأنّها كانت خمسة وقال البعض بأنّها كانت ستة وقيل سبعة وقيل ثمانية بل إن هناك من قال بأنّها كانت تسعة مصاحف، غير أن جمهور العلماء أجمع على أنها كانت بين خمسة وسبعة وهي:
1- المصحف الإمام: وهو المصحف الذي احتفظ به عثمان لنفسه.
2- المصحف المدني: وهو المصحف الذي كان بأيدي أهل المدينة، وعنه ينقل الإمام نافع.
3- المصحف الشامي.
4- المصحف الكوفي.
5- المصحف البصري.
6- المصحف المكي: وهو مختلف عليه.
7- المصحف البصري: ويقال بأن دم عثمان كان قد تناثر عليه حين تم قتله.
بكل تأكيد يطول الحديث عن المصاحف والروايات والقراءات، لكن عثمان بن عفّان درءاً للفتنة والإختلاف أمر بحرق جميع النسخ ماعدا تلك التي كانت بحوزته وهي "المصحف الإمام" أو ما كني بعدها ب"مصحف عثمان" الذي نقرأه اليوم.

أعود إلى أساس الموضوع وهو: السنّة... هل يوجد تعريفاً للسنّة يتفق عليه كل المسلمين؟.
بكل تأكيد لا يوجد تعريفاً أو حتى مجرّد مفهوم للسنّة يتفق عليه كل المسلمين، والدليل هو جماعة الشيعة الذين يؤمنون بأهل البيت وليس بالسنّة، وهناك جماعات إسلاميّة أخرى تؤمن بالقرآن فقط ولا تعطي للسنة والجماعة تلك القدسيّة التي تعطى للقرآن، وهؤلاء كثيراً ما يطلق عليهم "القرآنيّون".
القرآنيون لا يعترفون بوجود وحي ثان مع القرآن وكلام النبي خارج القرآن ليس وحياً من الله وبالتالي فهو غير ملزم للمسلمين ولا يعترف القرآنيّون من جهة أخرى بتنسيب تلك "الآحاديث النبويّة"، ويقول القرآنيّون في ذلك: أن المنهجيّة التي اتّبعت في تصحيح الآحاديث النبوية كانت تفتقر إلى الموضوعية وتعتبر مخالفة للمنهج العلمي السليم؛ لذلك خرج العديد من الآحاديث في "الصحاح" التي يختلف فيها المسلمون حتى اليوم، إضافة لقولهم أن من إعتمد تصحيح هذه الآحاديث النبويّة هم مجرّد أفراد، على أن "تصحيحهم" هذا يعتبر قابلاً للصواب والخطأ. كذلك فإن القرآنيّون إعتمدوا في مفاهيمهم تلك على خلفيّة "نهي" الرسول محمد عن تدوين السنة بآحاديث تعتبر الآن في "الصحاح"، وعلى أن هذه السنّة المرويّة أو ما يعرف ب"الآحاديث" لم تدوّن إلا في القرن الثالث الهجري أي بعد ما يزيد عن المئتين والثمانين عاما على وفاة الرسول... وهذا يؤكد من وجهة نظرهم الإعتقاد بنهي الرسول عن الكتابة عنه أولاً، ودخول العديد من الآحاديث الموضوعة والمختلقة على هذه السنة قبل وخلال تدوينها ثلاثة قرون. لهذا يستبعد القرآنيّون السنة القوليّة أو ما يسمى بالأحاديث النبوية من مصادر التشريع الإسلامي، فلا يجوز حسب إعتقادهم بناء الشريعة على أسس مشكوك فيها.
 في المقابل، يعمل القرآنيّون بما يسمّونه "السنّة الفعليّة" وهي الأفعال التي إنتقلت بالتواتر مثل كيفيّة الصلاة والحج والزكاة وغيرها من الأمور التي لم تذكر تفصيلا في القرآن ولكن إنتقلت من جيل إلى جيل ويكاد يجمع أغلب المسلمين على كيفية أدائها دون الحاجة إلى الروايات المذكورة في كتب الحديث.
ويمكن الإضافة بأن القرآنيين يعتبرون أن سنّة النبي التي ذكرت في القرآن هي عمل النبي عليه السلام بما جاء في القرآن والتزامه بمبادئ الإسلام المتمثّلة في الوحي الإلهي المنزّل عليه وهو القرآن لا أكثر. بناء على ذلك - حسب فهم القرآنيّون - على المسلمين التأسّي بالرسول من خلال العمل بما جاء في القرآن وذلك حسب الآية: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.

من وجهة نظري، فإن سنّة الرسول عليه السلام يمكن الإشارة إليها في ثلاثة أبواب:
1- الخصال: صفات الرسول ومميّزات شخصّيته عليه السلام.
2- الأفعال: ما كان يفعله الرسول عليه السلام كإنسان، والذي كان مستمدّاً من البيئة.
3- الأقوال: ما نسب إلى الرسول من قبل الرواة، وهم يعدّون بالمآت.

خصال الرسول أو صفاته لا يمكن الإختلاف عليها بين المسلمين مهما كانت إعتقاداتهم ومهما كانت المذاهب والمدارس التي يتبعونها. الكثير من صفات الرسول تم ذكرها بكل وضوح في القرآن، وهي خالدة مدى الحياة. 
أعتقد بأن من أصعب الأشياء على المسلمين اليوم هو تنفيذ خصال الرسول على أنفسهم وعلى ممارساتهم، ولو أنّنا نحن المسلمون تمثّلنا بخصال الرسول لكنّا قدوة لكل شعوب العالم، ولما تقاتل المسلمون مع بعض على الإطلاق. 

بالنسبة لأفعال الرسول، هي بكل تأكيد تعكس الحقيقة التي يتوجّب علينا تقبّلها والتي مفادها بأن رسول الله ما هو إلا بشر مثله في ذلك مثل بقية مخلوقاته، فهو يأكل ويشرب ويتبوّل ويتبرّز، ويستحم، ويتسوّق، ويركب ما توفّر في زمانه، ويتعامل مع ما توفّر في مكانه. أفعال الرسول هذه هي جزء من بيئته، وهي إنعكاساً على أنّه لم يتصرّف كملك أو أمير أو سلطان، وعلى أنّه لم يتكبّر على من مثله من البشر. أكل الرسول ما أكل منه القوم وهو المتوفّر في زمانه، ونام الرسول وتغطى ولبس وإنتعل بما فعله قومه في زمانه وفي بيئته، وتواصل الرسول مع أصحابه وقومه بوسائل الإتصال المتوفّرة حينها، وركب وإنتقل بوسائل التنقّل التي كانت شائعة، وترك شعر ذقنه بدون حلاقة، وإرتدى المتيسّر من الأحذية والملابس، وتداوى بما كان موجوداً وبما كان يمارس وقتها. تلك الأفعال هي مرتبطة بالزمان والمكان، ولا يكمن فرضها على من يعيش في عالم اليوم بمعطيات تختلف كليّة عن تلك التي كانت سائدة في عهد الرسول، ولا يمكن إعتبارا من السنّة إلاّ أن يدخل ذلك في باب "المغالاة" والتشدّد البعيد عن إستخدام ملكة العقل وخاصية التفكير..

بالنسبة للمنسوب إلى الرسول من الآحاديث، هذه كما نعرف شابها الكثير من التلفيق والإضافة، كما أن الآحاديث التي نسبت إلى الرسول كانت قد جمّعت بعد مالا يقل عن قرنين من الزمان من قبل آناس لم يعاشروا الرسول ولم يعيشوا في زمانه، وعلى أنّهم إعتمدوا كليّة على المفوّه من الكلام (لا وثائق ولا كتب ولا مخطوطات) ولم يتوفّر لديهم ما برهن على صحة هذا الحديث أو ذلك، فيتوجّب علينا مسلمي اليوم الحذر من القبول بكل ما ينسب إلى الرسول خاصّة وأنّنا نعرف بأن ما أعتبر من الصحيحين (البخاري ومسلم) كان فيه الكثير من اللغط والكثير من الذي لا يمكن قبوله، ومن يريد أن يعرف المزيد فليقرأ آحاديث البخاري ومسلم في صحيحيهما ليعرف كم المنسوب إلى الرسول والذي لايمكن القبول بأن الرسول كان قد قاله.

يبقى في النهاية لزوم التذكير بأن هذا الموضوع طرح للنقاش من باب المعرفة والتدبّر ولا علاقة له بإنكار السنّة، حتى لا يقفز البعض للشروع في عمليّة "التكفير" التي أصبحت شائعة هذه الأيّام.

هناك تعليق واحد:

  1. ماعاد الله أن نكفر أحدا أو نطعن في كلامه على سبيل التحقير والتسفيه من أجل إظهار التفوق والكياسة فهذا ما يعرف بالمراء وقد نهانا الرسول عنه تأدبا في الحوار واحتراماً لحرية التعبيرهذا بداية....أما موضوع المقالة فما ذكرته سيدي هذا مذهب القرآنيون ومنهجهم لكنهم في نفس الوقت يتزوجون على سنة الرسول ويصلون كما كان يصلي الرسول ويحجون كما يحج وخلقهم التبسم لأن الرسول أخبرهم بأنها صدقة ويدعون بما دعى به الرسول ويستغفرون كما كان يستغفر ويتجملون ويتطيبون لصلاة الجمعة كما كان يفعل ويتوضأون ويصلون على الهيئة التي كان يتوضأ ويصلي عليها ويتخلقون بأخلاقه ما أمكنهم من رفق ولين ورحمة بما عرف عنه في مواقف كثيرة أما ما له علاقة بمظاهر الحياة المتغيرة والمتطورة من أثاث ومباني ووسائل نقل وترفيه ورفاهية لم تكن موجودة في عهده فلا أحد يجب أن ينكرها علينا اليوم لأن هذه من متطلبات الحياة وسنة الله في خلقه ومن يحرمها كمن يحرم طيبات ما أحل الله وجعلها حراما وهي حلال هذا كما تعلم فقط منهج المتشددين والمغالين في الدين ونصوم كما علمنا ونخرج زكاة الفطر ولم يجيء لها ذكر في القرآن ونعود المريض اقتداءا به.....الخ، القرآن اكتفلى بالخطوط العريضة لكل شيء ولم يخوض في التفاصيل وهي ما نجده في أحاديث رسول الله ص موضحا ومكملا ومبينا وميسرا....مع الشكر فعلا الموضوع جدير بالنقاش

    ردحذف

الرجاء وضع تعليقك