بعد إطّلاعي على معظم بنود النسخة الدستوريّة المطروحة من قبل لجنة الدستور المنتخبة تبيّن لي بأنّها نسخة فارغة لا تمثّل مشروع جدّي لدستور بلد يسعى إلى بناء نفسه بعد طول إهمال.
تبيّن لي بأن هذه النسخة إنّما أعدّت لترضي كل طرف يحمل السلاح ويمتهن سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، وهي أيضاً أعدّت لتغازل جماعات التيار الديني المتشدّد وكذلك بعض الأقليّات التي ناءت بنفسها عن الإندماج في كيان الوطن بداوفع أقل ما يقال عنها بأنّها عنصريّة مع أن مواقف تلك الجماعات المعلنة لا تعبّر عن الأغلبية الصامته من بقيّتها.
لجنة الدستور هذه أنا سبق لي الحكم عليها بالفشل منذ ثلاثة آسابيع عندما إستمعت إلى الدكتور علي الترهوني وبعض أعضاء لجنة الدستور يتكلّمون من خلال وسائط الإعلام، حيث برهنت الطريقة التي كانوا يتحدّثون بها على أنّهم لايحملون عمقاً معلوماتيّاً ولا بعداً إستراتيجياً يتجاوب مع ويعكس المرحلة التي تمر بها بلادنا. تبيّن لي بأن لجنة الدستور لم تتواصل مع كل فئات المجتمع الليبي ولم تكلّف نفسها عناء البحث عن الحقيقة التي يجب بأن تكون ظاهرة وقويّة في وثيقة الدستور... لم تكلّف لجنة الدستور نفسها عناء التواصل مع الإنسان الليبي الذي بصدق يحب بلده ولا يتآمر عليها أو يقايض بأمنها وسلامتها. لم تتواصل لجنة الدستور مع المثقّفين الليبيّين الذين يتخفّى أغلبهم الآن في آماكن مهجورة أو يعيش الكثير منهم هارباً بحياته إنقاذاً لها من القهر والطغيان اللذان تعاني منهما بلادنا هذه الأيّام.
وتعويضاً للنقص الكبير في نسخة الدستور المعدّة من قبل لجنة الدستور، فإنّني أطرح عليكم وللمرّة ربما الخامسة مشروع دستورنا الذي أرسلنا منه نسخة لأكثر من 4 أعضاء في لجنة الدستور، ولكنّه وضع جانباً ولم تهتم به أو تراجعه لجنة الدستور هذه. لم تشر إليه لجنة الدستور في حيثياتها، وهذا يدل بكل جلاء على أن هذه اللجنة كانت إنتقائيّة بإمتياز.
فلنقف ضد هذا الطرح الدستوري الضعيف الذي من المؤكّد بأنّه سوف يولد ميّتاً. علينا بتوعية الناس وتنويرهم نحو رفض هذا المشروع الذي يبدو أنّه بالفعل صمّم لترضية الدواعش وتجّار الدين والإخوان وبقيّة الحالمين بالسيطرة على مقدّرات الشعب الليبي.
علينا كشعب العمل على فرض إعادة صياغة كل الدستور من جديد بعد الإستماع إلى رأي كل من له رأي ويجب أن يكون ذلك بالدليل والبرهان من خلال الإشارة إلى أفكار الغير المطروحة، ويجب على لجنة الدستور أن تكون صادقة ومخلصة وأمينة.
علينا بألاّ نحفل بالوقت، فقد ضيّعنا 4 سنوات من عمرنا في الفوضى والإنشغال بتدمير كل شئ في بلادنا، فما الضير في أن ننتظر حتى نتمكّن من صياغة مشروع دستور يكون بمستوى الحدث.
لماذا لا يتم التعاون مع إخوتنا في تونس، فقد تمكّن التوانسة من تأسيس دستور مكّنهم من المضي قدماً بكل نجاح.
لقد تم طرح مشروع الدستور التونسي للنقاش والحوار العلني في وجود إستباب شبه كامل للأمن في تونس. كيف يمكننا طرح مشروع دستور للنقاش في ظروف متأزّمة وخانقة مثل التي تعاني منها بلادنا الآن؟. هناك مؤامرة كبرى على الليبيّين والليبيّات بطرح مشروع الدستور وبهذه الصياغة الركيكة والديباجة التافهة وفي هذه الأوقات بالذات بينما نحن نتقاتل وتحاول فيها مليشيات مسلّحة فرض سيطرتها على كل شئ في ليبيا، وكلّما عجزت هذه المليشيات في شئ ما فإنّها تقوم بحرق وتدمير ثروات الشعب الليبي إنتقاماً من ليبيا وأهلها؟.
كيف بالله عليكم يجوز طرح نسخة الدستور للمناقشة في هذا الوقت وبلادنا تمر بظروف أقل ما يقال عنها بأنّها كارثية؟. التفسير الوحيد من وجهة نظري لتوقيت طرح مشروع الدستور في هذه الظروف التي تعرفها جيّداً لجنة الدستور هو أنّها لا تريد أن تبحث عن الحقيقة ولا ترغب في الإستماع لأراء الشعب الليبي بكل حريّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك