2014/10/01

الإلزام والإلتزام

 وهب الخالق للمخلوق عقلاً ومكّنه من إرادة كي يستطيع بهما التمييز بين الخير والشر، فينتهج الطريق التي يرى فيها صلاحه... وقد يكون الخيار صعباً.

من أهم ميزات الدين الإسلامي الحريّة. حريّة الإختيار وحريّة القرار وحريّة الإعتبار.... وحريّة التعبّد. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. فلا أعتقد بأنّ هناك حريّة على الأرض أعظم وأوضح من هذه.
اليهود والمسيحيّون لا يستطيعون التواصل مع الرب مباشرة حسب معتقدهم، ويحتاج اليهودي للتواص مع الرب وجود الرهبان في الوسط، فيقوم الراهب بتوصيل مناجاة المتعبّد أو التائب أو المبتغ إلى ربّه، بل وقد يتوسّل إليه نيابة عن الراغب حتى يغفر له. 
المسيحي أيضاً يحتاج إلى القسّ (القسّيس) ليكون واسطة بينه وبين الرب، فلا يستطع ذلك المسيحي العادي أن يتواصل مع الرب مباشرة وإنّما عن طريق وجود وسيط أو وسطاء.
في الإسلام، تكون العلاقة بين المسلم وربّه مباشرة ولا مكان لطرف ثالث بينهما مهما كانت قدسيّة وعلوم ومكانة ذلك الطرف. يقول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}، ويقول:{إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ}. 
من هنا نرى بأن الإسلام هو إلتزام ذاتي للمسلم أمام ربّه والمسئوليّة تعتبر هنا مباشرة ولا يحق لأي إنسان آخر بأن يكون وصيّاً على الدين، ولا أن يفرض دين الله على البشر.
يقول الله تعالى: {وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ}... ربّنا يقول "فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر" هل توجد حرية بعد هذه؟.
ويقول الله لنبيّه عليه السلام: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} ... وما جعلناك عليهم حفيظاً. من أشرك بالله فهي مسئوليّته وحده والله سوف يحاسبه عليها وحده يوم القيامة، واولئك الذين أشركوا أو عصوا ربّهم يحاسبهم الرب على شركهم وعلى عصيانهم، وما أنت يا محمد عليهم بوكيل.... فدعهم لشأنهم.
يقول الله تعالى:{فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}... من أهتدى فإنّما هو يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضل عليها... الله سوف يحاسبهم، فما دخل الآخرين في هذا الشأن.
يقول الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}... وما أنت عليهم بوكيل.
في كل هذه الأمثلة نرى مسئوليّة كل إنسان على تصرّفاته ولا علاقة لأي إنسان آخر ولو كان من أقرب الأقرباء إليه بما يفعل. الله سوف يحاسب كل مخطئ على أخطائه، وكل مسئ على إساءاته وهذه مسئوليّة ذاتيّة بإمتياز. يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}، ويقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} بمعنى أن كلّ إنسان ينال جزاء عمله يوم القيامة سواء كان خيراً أو كان شرّاً.
من هنا والكثير غيره نرى بأن كل مسلم هو مسئول عن أعماله وحده دون سواه، فلماذا يحاول البعض التصرّف بالوكالة عن الله، ولماذا يصر البعض بفرض الوصاية على الناس؟.
الدين الإسلامي هو دين إلتزام وتعهّد بين المسلم وربّه ولا يحتاج هذا الإلتزام شهادة من أحد لأنّه يعتبر علاقة خاصّة بين المخلوق وخالقه وهي بكل تأكيد من أجل أن تكون علاقة صادقة وخالصة... فيجب بأن تكون علاقة سرمديّة.
المسلم هو من يلتزم بالمحافظة على الأخلاق وهذا الإلتزام يعتبر ذاتيّاً بكل المعايير، والإنسان الملتزم لا يحتاج إلى حجاب او ساتر او مانع يبعده عن فعل المعصية. المسلم الصادق هو من يمنع نفسه عن إرتكاب الرذائل من خلال إلتزام ذاتي يردعه عن فعلها، ولا ينتظر شرطيّاً يفرض عليه عمل كذا أو الإمتناع عن فعل كذا. 
إن الذين يحجّبون المرأة ويغلّفونها ويبعدونها عن الإقتراب من الرجل إنّما هم يفرضون وصاية على المسلم ويساعدونه على إرتكاب المعصية وذلك بوصمه بالضعف ونزع المقدرة للإرتداع الذاتي منه وهم بذلك يقلّلون من قوّة إيمانه، فإتّباع طريق الله لا يمكنه إلا وأن يأتي من نافذة أنه متاح أمامي وأنا أقدر على مقاومته مخافة من الله وبرهان على قوة إيماني.  
الذي يميّز الإنسان عن الحيوان هو "قوّةالإرادة"، وهذه لا يمكنها أن تتحقّق إلا من خلال مواجهة "التحدّيات" والإنتصار عليها.
الإنسان المسلم الذي يعيش في بلاد غير مسلمة ويحافظ على دينه هو أقوى إيماناً من ذلك الذي يعيش في بلاد إسلاميّة كل طرق الشر فيها موصودة بهدف حماية دينه. الإيمان الحقيقي هو تحدّ يقبله المسلم ويبرهن على نجاحه فيه، وليس هو بمنع كل المغريات. المسلم الحقيقي هو ذلك الذي يختلئ بإمرأة ولا يفعل بها شيئاً لأن ما يمنعه من فعل أي منكر معها ليس هو الممنوع، وليس هو الوصي المرافق(المحرم)، وليس هو الرقيب "الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر"؛ وإنّما هو مقدرة المؤمن على الردع الذاتي لنفسه والكبح القوي والفعلي لغرائزه وهذا بكل تأكيد ليس هو بالأمر الهيّن، ومن هنا فتلك المقدرة على الكبح والنجاح فيها تعتبر مقياساً حقيقيّا لقوّة وصدق الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك