2014/03/13

إنحسار التيّار الوطني في ليبيا

 الذي يبني البلد - وأي بلد - هو فقط العلم والتقنية وإستخدام ملكة العقل، ولا يمكن بناء البلد من خلال الإيديولوجيا أو مظاهر التديّن أو طقوس العبادة. 

برهنت أحداث الإسبوع الماضي من عمليات سرقة النفط وتغوّل واضح وصريح للتيّار الفيدرالي (الإنفصالي) وعجز أجهزة الحكم في ليبيا (مؤتمر ورئاسة وزراء) عن حماية سيادة وكرامة الدولة التي أضحت منتهكة في كل شئ، وتلك النهاية القذرة بعزل السيّد علي زيدان رئيس الوزراء بإنتهاج كل آساليب الغش والنفاق والكذب على الناس وتعمّد الضحك على ذقون كل الليبيّين والليبيّات الشرفاء... كل ما حدث خلال السبعة أيام الماضية برهن على أن ليبيا أصبحت بالفعل تسبح في بحر مياهه هائجة وتكثر به أسماك القرش وثعابين متلوية جائعة وشرهة ومتوثّبة.

الذي حدث يوم الأمس تحديداً لم يكن مجرّد عزل السيّد علي زيدان، وإنّما كان أوّل خطوة جدّية لإبعاد التيّار الوطني نهائيّاً عن كل آماكن صنع القرار في ليبيا لتصبح بلادنا مملوكة بالكامل لتيّار الإخوان بدعم من كل جماعات الإسلام السياسي وهذه في مجملها تعتبر حلقة واحدة في مسلسل كثير الحلقات لكنّها جميعاً يشملها عنوان واحد وهو: "لا للدولة العصريّة".

سيطرة الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة على كل أماكن صنع القرار في ليبيا هو ليس غاية بالنسبة لهم لكنّه يعتبر وسيلة لتحويل ليبيا إلى مقر جديد لتيّار الإخوان المسلمين ومعهم الإسلام السياسي كتعويض لخسارة الإخوان في مصر وفي معظم بلاد الخليج العربيّة خاصّة بعد تلك الضربة الموجعة لتنظيم الإخوان من المملكة السعوديّة.

ليبيا تم التخطيط لها في مؤتمري الإخوان في كل من تركيا وفي جنوب أفريقيا لتكون عاصمة للتنظيمات الإسلاميّة والعاصمة الروحيّة للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان بما تمتلكه ليبيا من ثروات طبيعيّة وموقع جغرافي يحتاجه تنظيم الإخوان على وجه الخصوص، وتحتاجه بقيّة التنظيمات الإسلاميّة بعد خسارتها لأفغانستان والصومال وخسارتها المرتقبة في باكستان وفي مالي ونيجيريا. ليبيا ترى فيها هذه الجماعات المكان المثالي للتوطين والتفريح ثم التصدير والإتشار نتيجة لظروف هذا البلد الحالية والتي سوف تعمل هذه الجماعات على الإبقاء عليها كذلك لعدد من السنين القادمة قد تطول وقد تتمدّد حسب مقتضيات الحال والمعادلات الدوليّة التي سوف تنتج عن بعض الصراعات هنا وهناك من بينها بكل تأكيد أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم.
التيّار الوحيد الذي تخافه الجماعات الإسلاميّة في ليبيا هو "التيار الوطني" لما له من كثرة الأتباع في هذا البلد، وبما يمتلكه هذا التيّار من المقدرة على التحرّك إلى الأمام بهدف بناء مؤسّسات الدولة والولوج بها إلى عالم الغد من خلال العبور ببوابة عالم اليوم. 

الجماعات الدينيّة المؤدلجة تعتبر التيار الوطني أكبر مهدّد لوجودها وقوتها ونفوذها وبذلك فقد إستماتت هذه الجماعات في عمليّات التصفية المستمرّة لهذا التيّار منذ مقتل اللواء عبد الفتّاح يونس وحتى يومنا هذا مروراً بكل الإغتيالات في صفوف الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات وكذلك أصحاب الآراء المستنيرة من الإعلاميّين والمثقّفين والقادرين على التحرك وقيادة الجماهير من المقدّمة بكل شجاعة.
التيّار الوطني في ليبيا تمت تصفيته كذلك من خلال قانون العزل السياسي ومن خلال تغييب رموز هذا التيّار من أمثال الدكتور محمود جبريل والدكتور فتحي البعجة والأستاذ عبد الرحمن شلغم والأستاذ عبد الحفيظ غوقة وغيرهم من الأسماء الوطنيّة التي برزت في الأيّام الأولى للثورة وشعرت الجماعات الإسلاميّة بخطرهم على وجودها وتسيّدها وسيطرتها وحتى آماكن نفوذها، خاصّة وأن تلك الجماعات تعرف جيّداً بأن الشارع الليبي هو مع التيار الوطني على حساب كل الإيديولوجيّات الأخرى لوضوح برامج التيار الوطني ومصداقيّتها والأهم تناغمها التفاعلي مع الشارع الذي يتميّز بالوطنيّة في التفكير والعمل والإنتماء.

بقى في نهاية هذا المقال السريع التنويه على زخم التيار الوطني بما له من أتباع يمتلكون المقدرة على الخروج للشوارع وفرض أجندات المشروع الوطني من خلال قبول الناس لها وتناغمها معها، لأنّها من ناحية تعبّر عن الإندماج الطبيعي مع بقيّة دول العالم ومن ناحية أخرى تقدر على رسم معالم طريق البناء بكل وضوح وبكل دقّة من خلال إعتمادها على إستخدام ملكات العقل والتفكير، وهذه الملكات تستطيع لوحدها البرهنة على أن العلم والتقنية والعصرنة هي لغة هذاالعصر بدون منازع ولو كان ذلك المنازع يعتمد على عزف نغمات الدين لدغدغة عواطف الناس في ليبيا المتعطّشة لممارسة شعائرها بكل حريّة بعد عقود من الكبت والتحجير والتنظير الغوغائي.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك