كلّما إزداد الإنسان إيماناً بربّه كلّما
رضى بقدره وإرتضى بمصيره.
مشكلتنا أن الإيمان بالله أصبح جسراً في ثقافة اليوم نحو
المجد الشخصي وبلوغ المراكز العليا في الدولة. قد نلوم عهد الطاغية المقبور وثقافة
الجشع التي كان يشجّع عليها، ولكن إلى متى يحق لنا إستخدام نظام الطاغية القذّافي
كشمّاعة نعلّق عليها غسيلنا وأوساخ أنفسنا؟.
التغيير سوف لن يحدث بين ليلة وضحاها،
والبداية يجب أن تكون من داخل أنفسنا. من يدع إلى عبادة الله وطاعته فعليه أن يبدأ
بنفسه وبأسرته، ومن يدع إلى فضيلة ما فعليه أن يكون هو المبادر حتى يقتدي به الغير.
الحكومة لا يمكنها إصلاح كل شئ، والوطن هو مسئوليّة الجميع... فإن تحمّل كل منّا
المسئوليّة فإنّنا سوف ننتقل إلى الأمام بقانون العزل السياسي أو بدونه، فمشكلتنا
هي مشكلة أخلاقيّة وعلّتنا الكبرى تكمن في وجود إنفصام بيننا وبين حب الوطن. إنّنا
حين نحب وطننا فسوف نحب بعضنا البعض... وحينها فقط تتشابك الأيادي من أجل البناء من أجل التغيير الحقيقي.
التحدّث
من خلال العلم يختلف عنه من خلال السياسة. العلم مبني على منطق وواقع بالإمكان
البرهنة عليه وإثباته، أمّا التحدّث في شئون السياسة فإن الأمر يتعلّق بحسابات
وأرباح وخسائر وسيطرة وهيمنة وأمراض وعاهات نفسيّة أصبحت وللأسف في حكم المستديم
أو على الأقل في تصنيفات المزمن.
في علم الطاقة والكهرباء الأسلاك العارية لا يمكنها
أن تحدث شرارة كهربائيّة إلاّ بعد أن تتلامس، ومن أجل منع حدوث مثل هذه الشرارة
فإنّه يتوجّب وضع عوازل بين الأسلاك العارية وبعضها. كذلك في علم الطاقة والكهرباء
لا يمكنك حذف موصّل كهربائي لمجرّد أنّه غير معزول، خاصّة إذا كان ذلك الموصّل
يعتبر من الكوابل ذات الضغط العالي ولا يوجد بديلا له. بالإمكان الإستفادة من
الكوابل العارية وذلك بعزلها أو منع تلامسها مع الكوابل العارية الأخرى. كذلك يكمن
الإستفادة منها بالقيام بتغطيتها بمادة عازلة مع الحفاظ على إستخدامها وكما كانت،
بشرط وضع أسس السلامة والمراقبة والكشف من حين لآخر.
في علم السياسة هناك إعتبارات
أخرى لا يمكنني معرفتها ذلك لأن أصحاب النوايا الخفيّة لا يفصحون عن نواياهم في
أغلب الأحيان، بل إنّنا نراهم يتحدّثون عن قيم ومبادئ هم أنفسهم غير ملتزمين بها.
ليبيا ليست في حاجة إلى عزل سياسي ذلك لأن الليبيّين مهما إختلفوا فإنّ الروادع
الإجتماعيّة والعلاقات الأسرية لوحدها كافية لأن توطّد العلاقة بينهم وتحافظ على
لحمتهم رغم إختلاف رغباتهم وأطماعهم ومصالحهم.
نحن في حاجة إلى حوار وطني وفي حاجة
إلى تعاضد وطني وفي حاجة إلى مصارحة ومسامحة، فبلادنا كبيرة في الحجم وصغيرة في
عدد السكّان وأحلامنا كثيرة تحتاج إلى تظافر كل القدرات المتوفّرة لدينا من أجل بناء
ليبيا العصريّة المتقدّمة التي يسيّرها العلم ويوّجهها أصحاب العقول النيّرة التي
تعيش عصرها وتنظر إلى غدها بكل ثقة وبدون خوف من المجهول، بل والإستعداد له من خلال
الحسابات والتقديرات والقياسات العلميّة والمنطقيّة بعيداً عن العواطف التي قد
تكون مطلوبة لتقوية العلاقة بين الناس لكنّها لا تصلح حين نتحدّث عن بناء دولة في عالم لا يؤمن إلاّ بالعلم والمنطق وإستخدام ملكة العقل التي حبى الله بها الإنسان وميّزه بها عن بقيّة مخلوقاته الأخرى.
هل نحن
بصدق في حاجة إلى قرار للعزل السياسي؟. نحن في حاجة إلى مصارحة ومصالحة وتضميد
جراح الوطن... لكنّنا لسنا في حاجة لعزل سياسي من أي نوع وبأية مبرّرات. ليبيا يا أيّها السادة والسيّدات في أمسّ الحاجة لكل رأس
يفكّر ولكل يد تبني ولكل جرح يتم تضميده. ليبيا ليست في حاجة وفي هذا الوقت بالذات إلى الدعوة لمزيد من الإقصاء
والعزل والتهميش والتفرقة بين أبناء البلد الواحد. لماذا لا نحكّم عقولنا ولا
نفعّل قوانيننا ومحاكمنا ونستفيد من قضاتنا والحريصين على تطبيق العدالة في بلادنا.
من نشك في ولائه للوطن نحاكمه، ومن تثبت عليه التهمة نحاسبه ونعاقبه بما يلزم
قانوناً بدون ظلم على أحد من أبناء وبنات الوطن. لا....لا... للعزل السياسي، ونعم....
نعم.... للمصالحة الوطنيّة. نعم... لبناء الدولة بكل أبنائها وبناتها.
نحن في
أمس الحاجة لمصالحة وطنيّة وتعاضد وطني وإستنفار لكل قوى الوطن من أجل بناء ليبيا.
إن المناداة بقانون العزل السياسي هي دعوة للتهميش والإقصاء، ودعوة لسيطرة فئة
معيّنة على ممتلكات البلد على حساب الآخرين والذين سوف يوصمون بكذا وكذا تحت بند
هلامي لا حدود ولا ضوابط له يسمّى بقانون "العزل السياسي". لقد جرّبوها
في العراق ونحن نرى بأم أعيننا العراق وهو يتحوّل تدريجيّاً وبصمت نحو تصنيف "الدولة الفاشلة" بكل المعايير... فهل تريدوا أن تعيدوا هذه التجربة
المريرة في ليبيا؟. المصريّون الآن تراهم تائهين لا يعرفون في أي إتجاه يسيرون...
من طالب بالعزل السياسي في مصر؟.... إنّهم "الإخوان المسلمون" لمن لم
يعرف بعد.... وحجّتهم "الإنتقام".
هل عزل نبيّ الله من طرده من مكّة حين عاد إليها منتصراً؟. ألم يقل رسول
الله عليه السلام في حق أبو سفيان: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"...
هل عزل رسول الله بقايا اليهود وبقايا الروم حين عاد إلى مكّة منتصراً؟. ألم تقف
قريش مع أبي سفيان لمحاصرة رسول الله وأتباعه حتى أرغموه على الهجرة... لماذا عفى
عنهم، ولماذا لم يبادر إلى عزلهم إجتماعيّاً أو "سياسيّاً" وهو كان بقادر على ذلك؟. هل نتقدي بالرسول حين يكون الهدف غاية في داخل أنفسنا ولا يهم إن كانت تلك الغاية شريفة أو قبيحة، أم أن الإقتداء برسول الله في كل شئ حياتنا فالرسول هو قدوتنا نحو المصالحة والمصارحة وحسن المعاملة والعفو عند المقدرة؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك