2012/06/09

إنّهم يسعون لإعادة الماضي

 من يسعى إلى إرجاع الماضي هو من لا يستطيع إستيعاب الحاضر ولا يقدر على صنع المستقبل

في كل مجتمع من المجتمعات، وفي كل بلد من بلاد العالم تتواجد أنواعاً من البشر تفكّر بطرق مختلفة، وترى الأمور بمناظير مختلفة ولا عيب في ذلك؛ فقد خلق الله الناس مختلفين لحكمة هو يراها ويمكننا أيضاً البحث فيها وتكشّف بعض من مراميها وأهدافها.


المنطق والعقل يقول لنا دوماً بأن مصلحة الفرد تصب في مصلحة الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الفرد ويتعايش معها، ذلك لأن المصير لا بد وأن يكون مشتركاً مهما حاول أحدنا بأن يعيش لنفسه وفقط.
حين تكون لي وجهة نظر مختلفة عن الآخرين، وحين أكون مقتنعاً بوجهة نظري، وحين أعتبر وجهة نظري هي الأصلح؛ عليّ أوّلاً أن أسوّقها للمحيطين بي وأن أكون جاهزاً لسماع وجهات نظرهم حيالها؛ فإن إختلف المحيطون بي في تقييمهم لوجهة نظري أو في تفاعلهم معها، فحينها - من أجل تعميمها على الغير- عليّ أن أنسجم مع رأي الأغلبيّة، والأغلبيّة عندي هي 51% فما فوق. فإن كان أغلب المتلقّين لوجهة نظري هم من المؤيدين لها فإنّها بدون شك تصبح حينها معبّرة عن رأي الأغلبية التي صوّتت لها، وإن فشلت وجهة نظري في الحصول على الأغلبيّة فإنّها في هذه الحالة حتماً سوف تعبّر عن رأي الأقليّة، ومع ذلك فإنّها تظل وجهة نظر جديرة بالإهتمام والمناقشة؛ فعدم حصولها على رأي الأغلبية لا يلغيها ولا يبطلها، لكنّه حتماً يحول دون فرضها على الجميع..... تلك هي أسس الديموقراطيّة التي تعني العدل، وتعني العيش والتعايش مع الجماعة من أجل مصلحة الجميع.

عندما تكون وجهة نظري شاذّة وغريبة، وعندما يستهجنها أغلب الناس المحيطين بي فإنّها بكل تأكيد تعتبر وجهة نظر غير مرغوب فيها؛ ومهما كنت أنا مقتنعاً بوجهة النظر هذه فإن ذلك لا يجعل منها ملزمة للغير، وإيماني بفكرتي لا يعطيني الحق في فرضها على الغير مهما كنت متحمّساً لها فمن حق الغير أن يفكّروا، وأن يختاروا، وأن يخطّطوا لحياتهم. هذه أيضاً تعتبر من أسس الديموقراطيّة العصريّة التي تحترم الجميع بدون إستثناء، وتتعامل مع الجميع بدون تمييز؛ لكن على الأقليّة أن تتعايش مع الأغلبية وفق إجماع الأغلبيّة مع الإحتفاظ بالخصوصيّات الفردية والمجتمعيّة بشرط عدم فرضها على البقيّة.
السلفيّون - وبقيّة المتشددون في الدين – يروا الأشياء وفق تصوّر تتحكّم فيه ثقافتهم وتعليمهم وخبرة كل منهم في الحياة. السلفيّون لهم قناعاتهم ولهم وجهات نظرهم ولهم نظراتهم في الحياة. ذلك هو حقّهم الذي لا يبخسهم فيه أحد، لكن على هؤلاء السلفيّين أن يلتزموا بنفس المنطق وأن يحتكموا إلى نفس القاعدة.... قاعدة أن لكل إنسان الحق في التفكير وفي التصوّر وفي الإختيار؛ وتلك هي من مبادئ حقوق الإنسان التي كان سيّدنا عمر بن الخطّاب رأئدها في قولته الشهيرة: متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً.
أعود لأقول إن من حق السلفيّين بأن يفكّروا ويتصوّروا ويروا الحياة كما يحلو لهم، لكن عليهم أيضاً أن يحترموا حق الآخرين في ذلك. حين يحسّ السلفيّون أنهم قلّة في المجتمع الذي يعيشون فيه فإنّه يتحتّم عليهم إتباع أحد السبيلين: إمّا الإنسجام مع المجتمع وفق تصوراته وليس وفق تصوّراتهم هم مع الإحتفاظ بحق إقناع المجتمع بوجهة نظرهم متى شاءوا على أن يتمّ ذلك بالموعظة والكلمة الحسنة.... بالتي هي أحسن؛ فإن لم يقتنع الغير بوجهة نظرهم فعليهم القبول بإختيار المجتمع أو الرحيل عن المكان والإنتشار في الأرض من أجل البحث عن مجتمعات أخرى قد تتفق مع تفكيرهم، فيعيشون هناك بكل إرتياح دون الحاجة لفرض أنفسهم أو فرض أفكارهم على الغير بالقوّة أو بالعنف.

السلفيّون في ليبيا لا يتعدّى عددهم ال4000 شخص وهم أغلبهم من الرجال، والنساء بينهم هن بدون شك زوجاتهم وبناتهم وبعض من قريباتهم. عدد سكّان ليبيا حسب تقديرات عام 2012 بلغ 6,567,110 وهذا يعني بأن نسبة السلفيّين في ليبيا لم تتعدّى 0.06% أي ما يعادل 6 سلفيّون لكلّ 10,000 ليبي وليبيّة.... فهل يحق لهذه الأقليّة الشحيحة أن تفرض أرائها على البقيّة؟.
تقول الإحصاءات المتوفّرة بأن من بين هؤلاء ال4000 سلفي ومعهم بعض المتطرّفين من التنظيمات الإسلاميّة الأخرى في ليبيا يوجد حوالي 500 ليبي ينتمون إلى تنظيم القاعدة أغلبهم يتمركزون في مدينة درنة، ولكن يوجد بعض المنتمين للقاعدة في منطقة الجبل الأخضر، في بنغازي، في طرابلس، وفي الزاوية أيضاً غيرأن أعدادهم قليلة جدّاً وهم في العادة يعمدون إلى إخفاء إنتمائهم لتنظيم القاعدة خوفاً من إحتقار الناس لهم ذلك لأنّهم يعرفون بأنّهم غرباء على الثقافة الليبيّة.
أتباع القاعدة خرجوا مع السلفيّين في مظاهرة علنيّة في بنغازي يوم الخميس 7 يونيو 2012 مطالبين بتطبيق الشريعة الإسلاميّة في عموم ليبيا وكاّن ليبيا تحكم بشريعة الكنيسة أو تعاليم بوذا. 
ليبيا: مسيرة لمئات المسلّحين للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلاميّة في بنغازي( عن البي بي سي)
شارك مئات المسلّحين الليبيين الخميس في مظاهرة حاشدة في بنغازي حيث طالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية في المدينة الواقعة شرقي البلاد، والتي المعقل الرئيسي للثورة التي أطاحت بحكم العقيد الليبي السابق معمر القذافي العام الماضي.
فقد تدفق الخميس أكثر من 300 رجل إلى ميدان الحرية في بنغازي، حيث جاء البعض منهم على متن عربات، مصطحبين معهم أنواعا مختلفة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بما في ذلك المدافع المضادة للطائرات والرشاشات.
وحمل المتظاهرون لافتات كبيرة كُتبت عليها شعارات من قبيل: "لن نعيش في ظل حكومة لا تحكم بما أمر الله به"، و"الديمقراطية نظام حكم غربي يتناقض مع الطريقة الإسلامية في الحياة".
كما حمل البعض الآخر أعلاما ورايات سوداء كُتب عليها باللون الأبيض شعار "لا إله إلا الله"، وهو العلم الذي ترفعه عادة الجماعات والأحزاب الدينية التي تطالب بإقامة الخلافة الإسلامية.
وبُعيد اكتشاف أمر المظاهرة المسلحة، هبَّ عشرات النشطاء الآخرين، من بينهم عدد من النساء، إلى تنظيم مهرجان في الطرف المقابل من الميدان احتجاجا على وجود الأسلحة مع المتظاهرين الذين طالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية في بنغازي.
وقد نجح النشطاء في طرد المسلّحين من الميدان بُعيد غروب الشمس، دون أن تقع أية حوادث تُذكر بين الطرفين.... إنتهى خبر البي بي سي. 
المعروف بأن السلفيّين كان قد سبق لهم القيام بعدة أعمال تخريبيّة في مناطق مختلفة من ليبيا من بينها هدم أضرحة "الصالحين" ونبش قبور العديد منهم، كما قام هؤلاء بالإعتداء على ونبش قبور جنود الحلفاء الذي ماتوا في الحرب العالميّة الثانية على التراب الليبي وتم دفنهم حيث ماتوا نظراً لظروف الحرب وقتها. كما حاول السلفيّون أيضاً الإعتداء على بعض الصروح العلميّة في مدينة زليتن لكن حماة تلك المشاعل العلميّة منعوهم من من تحقيق رغباتهم، وقام السلفيّون أيضاً بالإعتداء على بعض محلاّت الزينة وصالات الأعراس في طرابلس وبعض المدن الليبيّة الأخرى. كما قام السلفيّون بالإعتداء على مقر الصليب الأحمر الدولي في مدينة بنغازي، وأخيراً عرفنا عن إعتداءاتهم على مقر القنصلّية الأمريكيّة في مدينة بنغازي. وكما نعرف فهناك بعض الإعتداءات المسلّحة الأخرى على بعض المرافق في مدينة بنغازي من بينها فندق تيبستي لكنّ لم يعترف أحد بمسئوليّته عن تلك الإعتداءات.
من هنا نرى بأن السلفيّين لم يخضعوا أنفسهم للإنصهار في نسيج المجتمع الليبي، بل إننا نراهم ينصّبون من أنفسهم حماة للدين وفق مفاهيمهم وتصوّراتهم فارضين أراءهم على أكثر من 6 مليون ليبي وليبيّة لا يتّفقون معهم في وجهات النظر تلك. السلفيّون أيضاً لا يعترفون بالديموقراطيّة، ولا يؤمنون بالإنتخابات، ولا توجد في ثقافتهم مفاهيم المجتمع والأغلبيّة وخيارت الناس. إنّهم لا يحترمون خيارات الغير، ولا يؤمنون بحريّة الإختيار؛ فهم يريدون كل فرد في ليبيا بأن يأتمر بأمرهم ويسير على هداهم وأن يعتبرهم سادته وقادته ولو أدّى ذلك إلى إستخدام العنف لفرض أنفسهم وفرض أفكارهم ومعتقداتهم على كل الليبيّين. 
كيف يمكننا التعامل مع هذه المشكلة ؟
بدون شك هذه لا تعد المشكلة الوحيدة التي على الليبيّين التعامل معها من أجل بناء الدولة العصريّة المدنيّة المتحضّرة، لكن هذه المشكلة ربّما تعتبر من أعقدها جميعاً.
منذ بدء عهد التحرّر في البلاد العربيّة، ومنذ الأيام الأولى لقيام الكيانات العربيّة وقف الإسلاميّون بالمرصاد لكل محاولات البناء والعصرنة في كل البلاد العربيّة، وكانوا قد تمكّنوا من ذلك في العديد من البلاد العربيّة مثل السعودية والكثير من بلدان الخليج العربيّة؛ لكنهم فشلوا فشلا ذريعاً في مصر والعراق وسوريّا واليمن، وكذلك في بلاد المغرب العربي.
وقف الإسلاميّون ضد طرح "القوميّة العربيّة" فكان بهم أن إصطدموا بالقوميّين في مصر والعراق وسوريّا تحديداً، وتمكّن القوميّون من دحر هؤلاء الإسلاميّين لكنّهم أبدا لم يعترفوا بهزيمتهم فظلّوا يشتغلون في الخفاء، وهاجر بعضهم إلى أفغانستان والصومال وأوروبّا وأميركا أيضاً وإستمرّوا هناك يمارسون نشاطاتهم كما يروها في صمت وهدوء، وكلّما سنحت لهم الظروف بالخروج على العلن إستغلّوها وخرجوا.
بعد إندحار الروس في أفغانستان، وبعد تدمير الصومال عن بكرة أبيها، وبعد نهاية المد القومي بوفاة الزعيم جمال عبد الناصر، وبعد إنتهاء البعثيين في العراق، وتقهقرهم الآن في سوريّا، وبعد بزوغ فجر ربيع الثورات العربيّة أخيراً في تونس ومصر وليبيا واليمن؛ إنتهز الإسلاميّون الفرصة، وإستغلّوا بكل قوّة مهاراتهم في القتال التي تعلّموها في أفغانستان والبوسنة والصومال وغيرها بحيث وجدناهم وقد فرضوا أنفسهم على الثوريين من الشباب الذين كان دافعهم الوحيد هو التحرّر من العبودية والإنتصار لكرامتهم من أجل الدخول في عالم اليوم والإستعداد لعالم الغد. الإسلاميّون بكل تأكيد لم يكن تفكيرهم مثل تفكير الشباب الثائر، ولم تكن خططهم مثل خطط الشباب المتواضعة؛ بل إنّهم وجدوها فرصتهم من أجل إعادة نفوذ وسيطرة كانوا قد فقدوها لأكثر من 60 سنة فكانت هذه الثورات بالنسبة لهم بمثابة "رد للإعتبار".
في ليبيا بعد إنهزام نظام الطاغية القذّافي قفز "الإخوان المسلمون" على وجه الخصوص على الأحداث، وتمكّنوا من الإستحواذ على كل المرافق السياديّة في الدولة الليبية، وتمكّنوا بكلّ قوّة من وضع قبضاتهم القويّة على المجلس الإنتقالي والحكومة المؤقّتة، وبدأوا بالفعل في تسيير دفّة الحكم في ليبيا حسب تفكيرهم ووفق مخططاتهم. التنظيمات الإسلاميّة الأكثر تشدّدا من منتسبي "الإخوان المسلمون" كان أغلبهم زاهداً في الحكم، أو غير معترف به لأنّهم لا يؤمنون من حيث الأساس بأنظمة الحكم العصريّة، ولا يؤمنون بالعيش حسب أبجديّات العصر، ولا يعترفون بالتقدّم الحضاري الذي حقّقته البشريّة عبر الأجيال فهم من حيث العقيدة والإعتقاد "سلفيّون" يعملون على العيش في الماضي وهم سعداء بذلك. سلك السلفيّون مسالكهم وبالطريقة التي إرتأوها ففجّروا ودمّروا وحطّموا ومنعوا وأظنّهم يحسّون بالسعادة كلّما قاوموا العصرنة والتحضّر لأنّهم يعتبرون كل شئ في حياتنا اليوم هو من البدع المحرّمة أو من مظاهر "الحضارة المعاصرة" التي يظنّونها زائفة وزائلة.
هذا النمط من البشر لا يقبل النقاش، ولا يجلس للحوار لأنّ التفكيرعندهم أحادي، ولأنّهم لا يعترفون بحق الغير في أن يفكّر. هم وللأسف يظنّون بأنّهم على حق وبأن كل غيرهم على باطل، ومن هنا فعلى كل من يحاورهم أن يرضى بأفكارهم، وأن يطّبق ما يأمرونه به؛ فإن لم يفعل فلن يكون لهم من خيار غير تكفير محاورهم بما يتيح لهم بإسم "الإسلام" تصفيتة والتخلّص منه... وما تلك التفجيرات التي تحدث يوميّاً في العراق وفي أفغانستان، وما تلك التفجيرات التي حدثت من قبل في نيويورك ولندن، وفي ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والمغرب والجزائر وفي مصر نفسها إلاّ أمثلة دامغة على ما أقول.
الطاغية القذّافي كان قد حاول معهم من قبل لكنّه فشل فلجأ إلى إستخدام العنف ضدّهم إنطلاقاً من عقليّته التسلّطيّة ومنهجه الإستئصالي على من يخالفه الرأي. سجن الطاغية القذّافي من إستطاع سجنه، وهجّر من لم يتمكّن من تدجينه وعاشت ليبيا - بكل صدق - آمنة من شرورهم لأكثر من أربعة عقود من الزمان إلى أن عادوا إليها بعد زوال ذلك "الغول" الذي أخافهم وأقلق مضاجعهم. بالطبع يجب ألاّ ننسى بأن بعضهم كان قد أضطر لمهادنة الطاغية من أمثال الجماعة الليبية الإسلامية المقاتله بعد فشل مساعيها الحربيّة في منطقة الجبل الأخضر، وكذلك من أمثال جماعة "الإخوان المسلمون" الذين إتفقوا معه ومع زبانيّته على إقتسام الحكم ولو بشكل غير متكافئ مع الطاغية القذّافي وكانوا سعداء بذلك إلى درجة أنّهم تحوّلوا إلى مناصرين ومطبّلين لمشروع إبنه سيف الذي كان يسمّى "ليبيا الغد".
في الجانب الآخر من عالمنا العربي، تمكّن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من مقارعة الإسلاميّين والإنتصار عليهم بشكل كبير بذلك القدر الذي مكّن الجزائر من تجنّب شرورهم بعد أن ملأوا البلاد عنفاً وتفجيرات لأكثر من 10 سنوات متّصلة عانى فيها الجزائريّون من الخراب والدمار لبلادهم وبذا فهم رغم ديكتاتوريّة بوتفليقة فقد وجدوا فيه المنقذ من التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة التي مازالت تحلم بعودة الخلافة الإسلاميّة وتثبيت نظام حكم مبني على نبذ الديموقراطيّة وممارسة الأشكال القديمة للحكم مثل التواراث والبيعة والتوافق مع إلزام الناس بالخضوع للحاكم دون إعطائهم الحق في إنتقاده أو الإعتراض على ممارساته في الحكم حتى وإن أخطأ... بل حتى وإن أصرّ على ممارسة الخطأ؛ فالحلكم عندهم هو ولي الأمر الذي يحكم ب"التفويض الإلهي" وهو بذلك – حسب فلسفتهم – يعتبر "منزّهاً عن الخطأ" ومن ثم توجب طاعته، وتحرم مناقشته أو الإعتراض على طريقة حكمه. ذلك ما قاله تنظيم "الإخوان المسلمون" في عام 2005 في مؤتمر المعارضة الليبيّة في لندن على لسان السيّد "ناصر المانع" ممثّل الإخوان حينها في المؤتمر، وناصر المانع نراه اليوم يشغل وظيفة الناطق الرسمي بإسم المجلس الإنتقالي ويعتبر جلاء من أكبر النافذين والمنفّذين فيه.
حاولت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من البلاد الأوروبيّة مقارعة تنظيم القاعدة بكل السبل لكن كل هؤلاء مازالوا يواجهون الكثير من الصعاب في مساعيهم من أجل إجتثاث هؤلاء "المخرّبون" بهدف تخليص العالم – بما فيه العالمين الإسلامي والعربي – من شرورهم. مازال المجتمع الدولي يحاول القضاء على ظاهرة العنف وقتل الناس بدون تمييز، ومحاربة التقدّم والعصرنة.... وبكل تأكيد سوف ينتصر العقل على العاطفة، وسوف ينتصر العلم على الجهل في نهاية المطاف. 

ماذا يتوجّب علينا عمله كليبيّين وليبيّات في هذا الشأن؟
بدون شك توجد لدينا الكثير من الأشياء التي بوسعنا عملها من أجل تخليص بلادنا من شرور هؤلاء المتشدّدين، ويشفع لنا بدون شك تديّننا النقي وإيماننا الوسطي بالله؛ فسوف لن يستطيع هؤلاء "الظلاميّون" المزايدة علينا بإسم الدين.
كذلك... فإنّ ما يميّز المجتمع الليبي هو أن أغلب مكوّناته هم من الشباب العصري المتمدّن ( أكثر من 68% من سكّان ليبيا هم من الشباب.. أي تحت سن الخمسين)، وهؤلاء الشباب بكليّتهم يعتبرون من المتعلّمين أو من هم مازالوا منخرطين في سلّم التعليم؛ وبذا فمن الصعب الضحك على ذقون هؤلاء الشباب والشابّات بإسم الدين أو بمبرّر محاربة "الكفر". كما أن شباب وشابّات ليبيا هم بكل فخر اوّل من إنتفض في وجه الطغيان، وهم من فجّر ثورة 17 فبراير عام 2011 بدون أية وصاية من أحد بما في ذلك هؤلاء المتشدّدين سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو من السلفيّين أو أية تنظيمات إسلاميّة متشدّدة أخرى. على أولئك الإسلاميّين أن يعترفوا بأنّهم إنّما هم كانوا قد إستغلّوا الوضع وركبوا الموجه حين ساندوا الثوّار بسلاحهم وبخبرتهم العسكريّة التي إكتسبوها من مغامراتهم القتالية في بلاد مختلفة من العالم.
من هنا فإنّني أرى بأنّ على شباب وشابّات ليبيا أخذ زمام المبادرة وعدم تمكين هؤلاء "الزِمنيّون" من تسيير شؤون البلاد أو فرض أجندتهم على مستقبل الحياة فيها.
على كل متعلّمي ومتعلّمات ليبيا أن يقفوا صفّاً واحداً من أجل مستقبل بلادهم، وأن يأخذوا بكل قوّة وإقتدار بزمام المبادرة، وأن يفرضوا أجندتهم هم على مستقبل ليبيا بحيث يقف وراءهم كل من يريد أن يشارك في عمليّة بناء المستقبل في ليبيانا الحبيبة وليس العكس.
أقترح هنا بعض النقاط التي أراها عمليّة في التعامل مع الحاضر والمستقبل في بلادنا:
1- الإصرارعلى إتمام الإنتخابات في موعدها والمشاركة فيها بكل قوة.
2- إنتخاب كل متعلّم ومثقّف وكل مهني مقتدر ليكون عضواً في المؤتمر الوطني.
3- التعرّف على خلفيّة كل مرشّح لعضوية المؤتمر الوطني، ومحاورة كل من نشك في تفكيره أو ثقافته.
4- العمل على كشف كل المنتمين لهذه التنظيمات المتشدّدة، وفضح مخططاتهم ومكائدهم.
5- الوقوف في وجه أية محاولة لتدمير الحياة في بلادنا من حيث التعامل والمعاملة والإحتراف والتجارة والإمتهان وبقيّة الحرف.
6- البحث عن الخلايا التنظيميّة المتشدّدة والكشف عنها بالأسماء وبالآماكن حتى يمكن التعامل معها وفق القانون والنظام.
7- التنبّه لكل مكائد هؤلاء ودسائسهم التي تهدف إلى زعزعة أمن البلاد ومقاومة التغيير الديموقراطي في ليبيا.
8- دعوة هؤلاء للحوار العلني حتى يمكن الكشف عن عيوبهم ونواقصهم فهم لا يجيدون الحوار ولا يفقهون أصول النقاش لأن الحياة عندهم أحاديّة الأبعاد، والعالم يرونه وللأسف بلونين فقط ( أسود و أبيض).
9- علينا في ليبيا أن نبتعد بقدر المستطاع عن إشهار لغة العنف لمقاومة هؤلاء المتشدّدين، والإتجاه نحو أسلوب الحوار والتفاهم.
10- أن تكون ثقتنا بأنفسنا عالية فنحن الأقوياء ونحن أصحاب الصوت الأعلى ونحن من يمثُل الأغلبية الساحقة في ليبيا.. فعلينا ألاّ نرضخ لسلطة شواذ المجتمع مهما كانت عنفوانيّة.
11- أن لا نكرّر آساليب الطاغية القذّافي في محاربة هؤلاء المتشدّدين؛ فهم في نهاية المطاف إخوة لنا وهم من أبناء بلدنا الحبيب، لذلك فعلينا الرفق بهم والعمل على تثقيفهم وتعليمهم أنماط الحياة وتنوّعاتها، فهؤلاء الناس كانوا قد نالوا علومهم الأساسيّة من جهات منغلقة على نفسها ترى العالم من حولها على أنّه بعبع يعاديها ويعمل على محاربتها والقضاء عليها.
12- التفكير في المستقبل في عمل معسكرات تثقيفية وتنويريّة  بدل السجون، يتم إنشاءها في وسط الصحراء لأمثال هؤلاء المتشدّدين الذين يرفضون الإندماج في المجتمع والتأقلم معه بحيث يكون من أهم أهداف هذه المعسكرات تعليم هؤلاء المتشدّدون معاني الحياة الحقيقّة، بحيث تتم إعادة المقيم بها إلى أهله بمجرّد الإحساس بعقلنته ورجوعه إلى التفكير والتدبّر بما ينسجم مع تفكير بقية الناس في ليبيا.
وختاماً....
إلى كل الليبيّين والليبيّات بغض النظر عن خلفياتكم الثقافيّة، ونظراتكم للحياة، وتصوّراتكم للمستقبل فإنّني أدعوكم جميعاً لأن تروا أنفسكم من خلال ليبيا الدولة العصريّة المدنيّة الموحّدة التي تشق طريقها نحو غد سوف يكون أفضل من اليوم بإذن الله. كما أود أن أدعو إخوتنا المجتهدين في الإسلام بأن يخفّفوا عن أنفسهم قليلاً، وبأن ينظروا إلى الغير على أنّهم بشر مثلهم لهم وجهات نظر، ولهم أخذ وعطاء في هذه الحياة، ولهم حق الإختيار؛ وعليهم أن يروا مهمّتهم بأنّها في الأساس يجب أن تقتصر على التنوير والنصح والدعوة إلى سبيل الله بالموعظة والكلمة الحسنة بعيداً عن التشنّج، وبعيداً عن إستعمال العنف أو الإكراه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ).... ففي نهاية المطاف يتحتّم علينا أن نتّفق بأنّه لا فضل لأحد على الثاني إلاّ بما قدّم من أعمال تخدم الإنسان والإنسانيّة.
 إن دين الإسلام عند الله يعني الرحمة فقد ذكرت كلمة "رحمة" في القرآن 79 مرّة، ودين الإسلام عند الله يعني الحب والتآخي، فقد ذكر الله كلمة "الحب" في القرآن 76 مرّة. قال الله تعالى في كتابه العزيز:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وقال أيضاً: (قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، وقال: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ). أما في خصوص التعامل مع غير المسلمين فقد قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وقال: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
لماذا إذاً نحن نحاول بإسم الدين إرغام الغير على إتّباعه، ولماذا نحن نحتقر الغير مسلمين لمجرّد أنّهم يؤمنون بمعتقدات أخرى متناسين بأنّهم بشر مثلنا، ولكن كل منهم يرى الدنيا بمنظار مختلف.... فلماذا نعيبهم على ذلك، ولماذا نحاسبهم على إختياراتهم لمجرّد أنّها تختلف مع خياراتنا؟. أليس لهؤلاء وغيرهم الحق في أن يؤمنوا بما ظنّوا بأنّه يناسبهم؟.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك