العبادات ليست غاية في حدّ ذاتها وإنّما هي وسيلة لدخول الجنّة... وكذلك هي
الإنتخابات. الإنتخابات تعتبر وسيلة لتحقيق الديموقراطيّة التي هي في حد ذاتها
تعتبر مجرّد وسيلة لتحقيق السعادة الدنيويّة.
قفلت مراكز التسجيل أبوابها يوم الإثنين 21 مايو 2012 بعد أن تمكّن 2,728,240 ليبي وليبيّة ( 78% من مجموع المسموح لهم بالإنتخاب) من تسجيل أسمائهم كراغبين في المشاركة في إنتخابات المؤتمر الوطني التي من المرجّح بأنّها سوف تجرى يوم 19 يونيو 2012.
78% في المائة من الليبيّين والليبيّات المصرّح لهم قانوناً بالإنتخاب قاموا بكل إحساس وطني بتسجيل أسمائهم كناخبين ومرشّحين لأول إنتخابات حقيقيّة تجري في ليبيا منذ تأسيسها ككيان وكدولة، وتحصّلوا على بطاقات إنتخاب شرعيّة تمكّنهم من ممارسة حق أغتصب منهم عبر العصور والأجيال..... ألا يدل ذلك على أن هذا الشعب سوف يحيا وسوف يبقى ما بقيت الحياة؟.
نحن نعرف جميعاً بأن الشعب الليبي هو من قام بثورة 17 فبراير ضد نظام الطاغية القذّافي، وهو من تمكّن بإصراره وبإرادته القويّة من قهر نظام بوليسي ديكتاتوري في أقل من 8 أشهر بحيث وبكل صدق فاجأ هذا الشعب كل مراقب في العالم من حولنا فنال بذلك إحترام العالم أجمع. الشعب الليبي هو بدون منازع من يحق له رسم معالم الدولة الليبيّة الجديدة. الشعب الليبي هذا الذي نتحدّث عنه هو من قرّر الذهاب إلى مراكز التسجيل وقام بالتسجيل معلناً رغبته في الإشتراك في إنتخابات المؤتمر الوطني التي سوف تقرّر شكل الدولة ونظام الحكم فيها بدون وصاية من أحد.
ليبيا سوف تبقى موحّدة بإرادة أهلها، وسوف تنتخب مجلسها الوطني بإرادة أهلها، وسوف يكون لها دستوراً يقرّه شعبها، وسوف بعد ذلك يقوم في ليبيا برلمان منتخب من قبل الشعب، وسوف يكون لها رئيس ينتخبه الشعب... وبعدها بإذن الله سوف يبدأ قطار التغيير في بلادنا في شق طريقه نحو سبر أغوار المستقبل من أجل سعادة ورفاهيّة هذا الشعب. علينا أن نكون على ثقة بأنفسنا، وثقة بقدراتنا، وثقة في إمكانيّاتنا، وثقة في مستقبلنا الذي سوف يكون زاهراً مهما طال برد الشتاء.
برغم أن غالبيّة أبناء وبنات الشعب الليبي هم مع الإنتخابات، ومع التغيير الديموقراطي في ليبيا؛ إلاّ أن هناك فئات سوف تستميت من أجل وأد هذا الحلم. هذه الفئات سوف لن يكون بمقدورها قهر إرادة الشعب الذي عجز الطاغية القذّافي عن تدجينه رغم إستماتته في ذلك المسعى لأكثر من 42 سنة. الشعب الليبي سوف يخرج منتصراً رغم كيد الكائدين؛ لكن هذا الشعب عليه أيضاً بأن يكون نابهاً متنبّهاً حتى يقطع دابر الطريق على من يريد العبث بمستقبله.
الفئات التي أظنّها سوف تقف ضد التغيير الديموقراطي في ليبيا هي:
1- أزلام النظام السابق: وهؤلاء كانوا قد خسروا كل شئ، فإنّهم سوف يقوموا بعمل أي
شئ من شأنه أن يفسد هذه الإنتخابات.
2- الإنفصاليّون (دعاة الفيدراليّة): وهؤلاء هم بدورهم بدأوا يخسرون كل شئ بما في
ذلك ماء وجوههم؛ فهم لن يستسلموا بكل سهولة.
3- الميليشيات المسلّحة: هؤلاء الناس وجدوا ضالّتهم في حمل السلاح الذي به وعن
طريقه تمكّنوا من فرض أجنداتهم، وبه نهبوا ما إستطاعوا، وبه إستولوا على ما كانوا
يحلمون بإمتلاكه حين كانوا معدمين. هؤلاء الناس سوف لن يتخلّوا عن هذا
"البريستيج"، وهم على إستعداد لعمل أي شئ من شأنه أن يلغي الإنتخابات أو يفسد
مساراتها.
4- التنظيمات "الإسلاميّة" المتشدّدة: هذه التنظيمات علينا الإنتباه إلى أنّها بدون إستثناء
لا تؤمن بالديموقراطيّة كإسلوب حكم لأنّها في أدبيّاتها تعتبر الديموقراطيّة بدعة
غربيّة يجب محاربتها، وقد رأينا كيف أن السلفيّين على وجه الخصوص حاولوا منع
الناس من التسجيل للإنتخابات في بعض المناطق في ليبيا، وكيف أنّهم حاولوا إستخدام
"الفتاوي" الدينيّة لتحريم المشاركة في الإنتخابات. التنظيمات الإسلاميّة تعرف يقيناً
بأنّها لا تستطيع أن تحكم بالمنهجيّة الديموقراطيّة التي من أهم ركائزها التناوب على
الحكم من خلال صناديق الإقتراع؛ ذلك لأن ثقافة هذه التنظيمات الموروثة ليست لها
منابع ديموقراطيّة على الإطلاق وذلك لغياب الممارسة الديموقراطيّة في جميع
أنظمة الحكم الإسلاميّة وحتى يومنا هذا. إنّني حين أتكلّم عن الديموقراطيّة، وأتحدّث
عن المسلمين لا أعني على الإطلاق الإسلام "دين الله" المرسل لأهل الأرض؛ فهناك
فرقاً كبيراً بين الإسلام والمسلمين، والقرآن لم يكن في أي يوم من الأيام نظريّة حكم،
ولم ينزّله الله ليكون دستوراً لدولة ما أو لشعب ما. الإسلام هو أسس تشتق منها
نظريّات الحكم، وبذا يخلط "الإسلاميّون" بين أحكام الله وبين حكم الناس... فالناس
تحكم بمقتضيات العصر، وتسير مع واقعها المعاش الذي يختلف من مكان لآخر؛ أمّا
القرآن فهو ينقل إلينا كبشر (كليّة) عموميّات نقوم نحن كل حسب مكانه وزمانه بالبناء
عليها والتوسّع فيها بأحكام نتفق عليها تعنى بتسيير شئون الحياة اليوميّة بكل تفاصيل
دقيقة قد تكون مملّة أحياناً كقوانين المرور، والإسعاف، والطوارئ، والبناء،
والزراعة، وغيرها.
5- القوى الخارجيّة: مهما حاولنا أن نسقط نظريّة المؤامرة من تفكيرنا فإنّها وللأسف
مازالت موجودة على الواقع. فلننظر إلى دول الخليج العربيّة وخاصّة المملكة
السعوديّة، والكويت، وعُمان، والأردن، والبحرين. هذه الأنظمة من أجل بقائها
والحفاظ على الجاه والسلطان المحتكر بين أسرها وعائلاتها فإنّها سوف تستميت من
أجل القضاء على كل محاولة ديموقراطيّة ناجحة من شأنها أن تفتح أعين شعوب تلك
المناطق فتثور مثل غيرها وحينها تتبخّر هذه الأنظمة مثل أمطار الصيف لأن بقاء
تلك الأنظمة لا يستمد شرعيّته من الشعب وإنّما يستمدّها من خلال مسلسلات التضليل
والخداع التي يمارسها هؤلاء الحكّام "الطغاة" الذين تسمعهم يتحدّثون بلغة الحاكم
"المحب"، "الأب"، و"العطوف" طالما أن الشعب ظلّ بعيدا عن المطالبة بحقّه في
الحرية والإنعتاق، لكنّهم ما إن يحسّوا بهبوب رياح التغيير حتى يكشّروا عن أنيابهم،
ويظهروا ذلك الحقد على الشعب بالعمل على القضاء على كل من ينادي بالحريّة
والتحرّر ولنا الكثير من الأمثلة في البحرين، وفي الأردن، وفي الكويت، وفي
المغرب.
هناك أيضاً قوى أخرى ليست عربيّة ولا إسلاميّة مثل روسيا والصين وكوريا الشماليّة وكوبا والكثير من الدول الأفريقية مثل زيمبابوي، وهذه الدول كما نعرف مازال يحكمها طغاة متجبّرين لا يؤمنون بالديموقراطيّة ولا بحق الشعوب في إختيار حكّامها. حكّام هذه البلاد ـ وروسيا على وجه الخصوص ـ سوف يعملون كل ما بوسعهم لإفشال ربيع الثورات العربيّة خوفاً من إنتشار نسائمه إلى شرق أوروبّا وأسيا لأن تلك الشعوب إن هي قرّرت الثورة على حكّامها فإنّها حتماً سوف تنتصر.
ما الذي يجب علينا فعله كشعب ؟
علينا أن نكون على بيّنة ويقين بأن الشعوب لا يمكن قهرها، وبأن التغيير حيت يتفق عليه الشعب فإنّه سوف يفرض نفسه مهما كانت العراقيل؛ ومن هنا يمكنني القول بأنّه بوسعنا عمل الكثير إن نحن فعلاً قررنا أن نعمل شيئاً ما.
أنا أقترح هنا بعض النقاط التي أراها مهمّة وعمليّة:
1) الإستمرار في المسلك الديموقراطي بدون تردّد أو تراخ.
2) الإصرار على إجراء الإنتخابات في موعدها المحدّد وهو يوم 19 يونيو 2012
وإعتبار ذلك التاريخ "مقدّساً" حتى وإن لم يكن كذلك.... فنحن الشعب من يستطيع أن
يفرض الأجندات ويقرّر التواريخ.
3) الحرص والإصرار على أن تكون هذه الإنتخابات حرّة ونزيهة من خلال المشاركة
الإيجابيّة فيها بما في ذلك تنطيمها والإشراف
عليها، وكذلك بأن نتحوّل كلّنا كعيون رقابيّة ( صادقة وصارمة) لا تغفل أية شاردة.
4) علينا كشعب أن نبحث عن خيار بلادنا ليحكمونا. يجب أن يكون من نختارهم للمجلس
الوطني من ذوي العقول المتفتّحة، والتفكيرالعصري المتنوّر، وأن يكونوا من الذين
ينظرون إلى الأمام، ويؤمنون بجدليّة التغييرنحو الأحسن. لآ بد أن يكون من نختارهم
من أصحاب التفكير التجديدي المتحرّر وقد يكون السيّد عبد المنصف المرزوقي
رئيس الجمهوريّة التونسيّة الشقيقة هو مثالنا الذي نقتدي به.
5) أن نعمل على تجاهل الجهات التي تحاول الوقوف في طريقنا نحو تحقيق
الديموقراطيّة في ليبيا من خلال مقولة: وما يضيرالسحاب *** ***** أو القافلة
تسير و ***** **** . يمكننا تجاهل المعرقلين، والمناهضين، والإنفصاليّين من
خلال هذه المواقف:
أ- أن نتجاهل ما يقولون، فهم إنّما يعبّرون عن المخاوف التي تتعاظم بداخل كل منهم.
إنّهم ضعاف وخائفون من الإحباط، فلا تجعلوهم يحسّون بالآمان.
ب - أن نتجاهل محاولاتهم لفتح حوارات معنا حتى لا نعطيهم قيمة كانوا قد فقدوها وهم
في أمسّ الحاجة إليها.
ج - أن نتفادى شرورهم ومكرهم وذلك بتحصين أنفسنا من غدرهم بأن نكون على يقظة
من ناحية، وعلى ثقة تامة بأنفسنا وبقدراتنا من ناحية أخرى.
د - أن نتركهم ليحسّوا بخيبات أمل كبيرة حين يروننا نذهب زرافات وبكل حماس
للمشاركة في إنتخابات مجلسنا الوطني، وأن نعمل بكل ما أوتينا من جهد لإنجاح هذه
الإنتخابات.
وختاماً... إخوتي وأخواتي: إن المستقبل هو بين أيدينا ونحن من سوف يصنعه، فعلينا أن نكون متعاونين متحابّين من أجل ليبيا. علينا أيّها الأحبّة أن نعشق كل حبّة تراب من أرضنا الحبيبة، وأن نراها دائماً أمامنا تسابق رغباتنا الشخصيّة وتنتصر عليها؛ فليبيا هي حبيبتنا، وهي بيتنا الذي يأوينا، وهي الملاذ الذي نلجأ إليه حين تضيق بقية الدنيا بنا... فمن أجل ليبيا علينا أن نشبك أيدينا ببعض، وأن نتماسك، وأن نتعاون، وأن نزهد في رغباتنا من أجل بلدنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك