2012/02/17

ثورة 17 فبراير.... ثورة لكلّ الليبييّن

(عندما تقوم النخبة بقيادة التغيير.... تفرض النخبة أجندتها فتتولّد الرغبة للحكم بالإيديولوجيّة، ولكن حين يثور الشعب من وحي واقعه فإنّ إرادة الشعب تلغي تلقائيّا نزعة التفكير الإيديولوجي، ومن ثمّ تكون أجندات الحكم وطنيّة مخلصة. في الثورات الشعبية الحقيقيّة؛ الشعب يكون هو وحده مصدر السلطات وأي محاولة لفرض سلطة النخبة سوف تعتبر تحدّياً صريحاً لإرادة الشعب بما يعني إغتصابها؛ وهذا في حد ذاته يعتبر تكريساً لديكتاتوريّة بشكل وبمسمّيات مختلفة)

الذي حدث في إنقلاب سبتمبر 1969 لم يكن في حقيقة الأمر ثورة شعبيّة، ولم يكن يعبّر عن الإرادة الشعبية وإنّما ألصقت به الشرعيّة الشعبية بحكم الظروف التي كانت سائدة حينها بما يعني ذلك إستغلالاً لمشاعر الناس وتوقها نحو التحرّر بالنيابة عنها لأن الناس حينئذ لم تكن تمتلك الوعي الكافي لإحداث التغيير؛ فثقافة تلك الفترة كانت تتمحور حول "النخبويّة".... أي فكرة "القائد الرمز".
لا أحد ينكر بأن مجاميع الشعب الليبي بمحتلف فئاتها، وثقافاتها، وعرقيّاتها، ومعتفداتها رأت في تلك الأثناء بأن التغيير الذي حدث في ليبيا كان يعبّر عن إرادتها، ويعكس ربّما توقها نحو التحرّر وتغيير الواقع الذي إحتسبه الناس مريراً... وكان مريراً بالفعل مما جرّ الناس ربّما عاطفيّاً نحو الإندفاع وراء قبول ما حدث؛ بل تعدّى الأمر فكرة "القبول" إلى مبدأ "الإعتناق" ومن هنا فقد إختلطت الأمور بعض الشئ على من قام بالإنقلاب من ناحية، وعلى من أيّده من ناحية أخرى. ذلك المزج بين الإرادتين كان ظاهريّاً أكثر منه واقعيّاً، وكان ربما يعتبر "إصطناعيّاً" وبذا فلم يعش طويلاً.
عندما شعر الشعب بأنّه ربّما وجد نفسه يسير في ركب أعدّ له أحسّ بنوع من الغرابة - عدم الإنسجام ربّما – فبدت الهوّة تتسع تدريجيّا بين الشعب وبين النخبة التي قادت التغيير والتي شاءت الظروف حينها بأن تكون عسكريّة.
في الجانب الأخر من هذه المعادلة رأينا أيضاً بأن النخبة نفسها أحسّت مع مرور الأيّام بأنّها ربما تختلف عن الشعب، وبذا بدأ التفكير في رسم وتجسيد ذلك الإختلاف من خلال التمحور حول شخصيّة معيّنة أعطي لها لقب "القائد" وهذا لم يكن جنوحاً في حد ذاته بقدر كونه نقلة طبيعيّة لمجريات الأمور لأنّ الشعب دائماً يحتاج إلى قائد.
عندما يكون التغيير شعبيّاً... أي عندما يثور الشعب من تلقاء نفسه فإن الشعب هو من يختار من يقوده بنفس التلقائيّة (العفويّة) التي أحدثت التغيير من حيث الأساس (المبدأ) مما يعني أن الشعب حينها يكون هو "القائد" من خلال الإرادة الشعبيّة (المسلك الديموقراطي).

الشعب الليبي في عام 1969 قبل أمراً واقعاً فرضته النخبة.... والتي لم تكن نخبة بالمفهوم الحقيقي، وإنّما يمكن نعت تلك المجموعة التي قادت وأحدثت التغيير في عام 1969 ب"الفئة" بمعنى أن الذي قاد الإنقلاب في عام 1969 لم يكن نخبة وإنّما كان فئة أو "عصبة" تشكّلت فيما بينها في ظروف خاصّة بها ساعدتها أجواء خارجيّة محيطة.

ذلك الوضع الغير طبيعي (الشاذ) فتح الطريق نحو سيطرة الفئة (العصبة) وإنفرادها بقضيّة إختيار قيادتها بعيداً عن إرادة الشعب وإن – حينها – حظيت بموافقة الشعب "الإفتراضيّة" والتي ظلّت إفتراصيّة طيلة ال 42 سنة، لأنّ من إستفاد منها لم يجد نفسه ملزماً بأن يحوّل الفرضيّة (النظريّة) إلى حقيقة وأظن أن ذلك كان بدافع الخوف من البرهنة على صدقيّة الإفتراض؛ فلم يستفت الشعب في قضيّة إختيار الحاكم وبذا ظلّ القذّافي يحكم بشرعيّة إفتراضيّة كانت ربّما تعتبر "توافقية" في البداية، لكنّها بكل تأكيد تحولت إلى فرض أجبر الناس على القبول به بالقوّة منذ ربّما عام 1973 (خطاب زوارة)، ومنذ ذلك التاريخ بدأت فكرة ال"إيديولوجيّة" تلوح في الأفق، وسرعان ما تسرّبت إلى عقل القذّافي فسيطرت على تفكيره ووجد فيها "الضمان" لإستمراره في الحكم.

بدأ الشعب تدريجيّاً يكتشف بأن الصورة التي رسمت له وصدّقها لم تكن حقيقيّة، وبأن من تحدّث بإسمه كان ربما يخدعه فأنكفئ الشعب على نفسه..... وحيث أن الإكتشاف كان تدريجيّاً، فقد تباينت مفاهيم الناس، وتعددت تفسيراتهم فإنقسموا على أنفسهم. عندما يغيب التوافق ينحسر الإجماع وتبرز "الفئة" من جديد... وذلك هو ما حدث في بدايات السبعينات حيث قامت قيادات من كوادر الجيش بمحاولات إنقلابية هدفها تغيير الحكم ربّما من أجل أنفسها، أو ربما بدافع مختلط فيه الشخصي وفيه الوطني؛ لكن النتيجة كانت الفشل.

فشل المحاولات الفئوية دفع إلى نشوء النخبة، ولكن في ظروف لا تسمح مطلقاً بالحراك الشعبي، وفي وجود منع مطبق لتكوين تنظيمات للمجتمع المدني فلم تكن النخب التي ظهرت معبّرة عن الشعب بل كانت لا تختلف كثيراً عن الفئات أو المجموعات التي حاولت تغيير نظام الحكم من خلال الإنقلابات العسكرية؛ بل إنّه يمكننا الجزم بأن الإسلوب كان هو نفسه والثقافة هي نفسها فلم تنجح تلك "النخب" في التمكن من قيادة الشعب أو بمعنى آخر فشلت في جذب أنظار الناس إليها فخسرت بذلك البعد الشعبي؛ وبدل أن تحاول إصلاح ذلك الشرخ وجدناها ترضى بما إكتسبت فعاشت بعيدة عن الشعب مما أفشل جميع محاولاتها لتغيير نظام الحكم، ولعل "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" تعتبر مثالاً، وبالطبع يضاف إليها ما تم تشكيله من تنظيمات فئوية أخرى بعد ذلك  – ولا أقول نخبوية هنا لأنّها في الواقع لم تكن كذلك – من أمثال "الجماعة الإسلاميّة الليبية المقاتلة"، و"المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية"، و "الإتحاد الدستوري الليبي" وغيرها.

بعد فشل التنظيمات الفئوية في إحداث التغيير المنشود في ليبيا، وبعد إنتشار الشعور بالإحباط بين أوساط المجتمع الليبي، وبعد تلك الإنتصارات الكبيرة التي حققها الطاغية القذّافي على تنظيمات المعارضة الفئوية - وليس النخبوية – رضت الكثير من التنظيمات بالأمر الواقع ، وقرر بعضها ربما الإنضمام للركب - ركب السلطة – من أمثال تنظيم الإخوان المسلمون، والجماعة الليبية المقاتلة، وبعض التنظيمات الهشّة الأخرى لدرجة أن بعضها تحوّل إلى عيون وجواسس للنظام على من تبقى من المعارضة فأحدث كل ذلك شللا كاملاً في أوساط المعارضة الليبية في الخارج؛ حيث وكما نعرف لم تكن هناك معارضة داخلية إلاّ أن تكون فردية ( الشهيد فتحي الجهمي، والمناضل جمل الحاجي، والكاتب أحمد الفيتوري، والكاتب عبد الرزّاق المنصوري، وغيرهم قليل).
خلق كل ذلك إحباطاً شديداً لدى المواطن في بدايات الألفيّة الثانية، وكاد الناس يفقدون الأمل نهائيّاً في التغيير؛ بل إننا بدأنا نشاهد ردود فعل متشنّجة في أوساط الناس تجاه أية آحاديث عن الثورة أو التغيير.

ظل الأمر كذلك إلى أن حدثت العاصفة التي نثرغبارها ذلك الإنسان البسيط السيّد "طارق الطيّب محمد البوعزيزي" من ولاية سيدي بوزيد والذي لم يتجاوز عمره حينها ال 26 سنة... حين قرّر ذلك الشاب الفقير حرق نفسه يوم 17 ديسمبر 2010 إحتجاجا على هدر كرامته وضياع حقّه. لم يكن الفقيد البوعزيزي يعلم بأن ما قام به سوف يحدث ثورة في الوجدان العربي، وسوف يرعب طغاة وجبابرة خافتهم دولا كبرى وتجنّبتهم... لكنها هكذا هي إرادة الله.

بعد إنتصار الثورة الشعبية في تونس، وإشتعالها في مصر وجد الليبيّون أنفسهم أمام الفرصة الذهبية للقضاء على نظام حكم ظنّوا وأعتقدوا بأنّه باق مدى الحياة. بدأ الشباب في ليبيا يحسّون بأهميّة التغيير، وبدأوا يشعرون أنه بإمكانهم إحداثه تيمّنا بما حدث في تونس على حدودهم الغربيّة، ورأوا بأن التغيير في ليبيا أصبح ممكناً قياساً بسرعة هروب "زين العابدين بن علي" وتخلّيه مرغماً عن السلطة.

تواصل الشباب والشابّات في بلادنا، وتواصل أهل ليبيا من خارج حدودها مع أهلها في الداخل، ووجد الليبيّون لأوّل مرة بعد كل تلك السنين المظلمة أنه بإمكانهم إحداث التغيير، وبوسعهم الإنتصار لحريّتهم وكرامتهم.

خرجت جماهير الشعب الليبي إلى الشوارع بكل عفوية وبكل شجاعة وبكل إقتدار. لم تبحث جماهير الشعب عن القيادات، ولا عن النخب، ولا عن الأحزاب والكيانات السياسية. لم تبحث جماهير الشعب الليبي عن قيادات عسكرية لتقوم بإنقلاب على الحكم نيابة عنها وبإسمها؛ بل قررت جماهير الشعب الليبي أنها هي صاحبة القرار، وأنّها هي المعنية به، وأنها قادرة بكل ثقة على "إسقاط النظام".... وبالفعل سقط النظام الفاشي بعد كل تلك التضحيات، وبعد كل تلك المعاناة، وبعد كل ذلك التذبذب بين الثقة وغيابها... إنتصرت ثورة الشعب الليبي على الطغيان فتحررت ليبيا من حكم الطاغية وأصبحت ليبيا لأوّل مرة بعد أكثر من أربعة عقود من الزمن حرة... حرة... حرة.

الثورة في ليبيا كانت شعبية بكل جدارة، وكانت ثورة فريدة من نوعها بكل المعايير، وكان ربّما من أهم معالمها هو ذلك الإنسجام بين أبناء وبنات الشعب الليبي بكل طوائفهم، وبكل تنوّعاتهم، وبكل خلفياتهم الثقافية والعرقية.

خرج الليبيّون عن بكرة أبائهم فرحين بالحرية التي إنتزعوها مجتمعين، وأظهروا للعالم على أنهم شعب متحضّر يعي ويفهم ويحسب ويقدّر. تآلفت قلوب الليبيين وتعاونوا، وتحابّوا من أجل ليبيا واضعين كل الخلافات و الإختلافات وراء ظهورهم لأنّهم كانوا جميعا يرون أنفسهم أبناء لبلد واحد، ولأنّهم كانوا يرون ليبيا - كوطن - أمامهم، ويرون مستقبلهم من خلال رفعتها وتقدّمها.

إنتصرت الثورة الليبية لأن الشعب هو من صنعها، ولان الشعب هو من حققها، ولأن الشعب هو من حصد ثمارها وبذا فعلى هذا الشعب أن يقرّر مسيرتها ومسارها ومستقبلها دون أن يسمح لأولئك الطفيليين والنفعيين بأن يستولوا على مقاليد الأمور بها.
هذه هي ثورة الشعب الليبي، ولم يكن لأي تنظيم أو تجمّع أو حزب أو رابطة سابقة ل 17 فبراير 2011 يداً فيها أو فضلاً عليها.... فهي أذا "ثورة شعب" بكل جدارة وبكل إستحقاق.

قالوا قديماً.. إن الثورة يقوم بها الأشراف ويستفيد منها الأشرار؛ لكن الثورة في ليبيا قام بها الشرفاء وسوف بإذن الله يحكمها الشرفاء رغم محاولات الإنتهازيين الإستحواذ عليها ؛ ذلك لأن الشعب الليبي كان قد تعلّم الكثير خلال عقود من الكذب والنفاق ومحاولات تغفيل الناس بفعل ثقافة تدليسيّة ممنهجة كان القصد منها هو الإبقاء على هذا الشعب مدجّناً.

الإنتقال من الثورة إلى الدولة

منذ عام 1969 ونحن نكاد لانستطيع أن نعفي أنفسنا من عناء سماع هذه الكلمة "الثورة" التي تحوّلت بفعل "ثورة" العقيد القذافي إلى كلمة نكد تحمل بين طيّاتها الشر، واللؤم، والغش، والسرقة. نعم فقد تحوّلت "الثورة" في ليبيا في عهد الطاغية القذافي إلى هيجان متواصل يجرف من أمامه كل ما هو مستقر وكل ما هو مستو ومنتظم.

الثورة كما نعرف تنسب إلى الثور (ذكر البقر) الذي حين يخرج عن السيطرة يثور فيحطّم كل ما تطاله رجليه ( وقد يستخدم قرنيه أيضاً، وقد يستخدم جسده ككل فيكون الدمار أكبر وأشمل بفعل السرعة والوزن خاصّة إذا كان الثور ثائراً بشكل يخرج عن السيطرة)، الثور الهائج (الثائر) لا يمكنه أن يميّز بين الجيد والردئ، أو بين الضار والنافع.... وكذا هو الإنسان الثائر.

هناك مواضع أخرى تستخدم فيها كلمة "الثورة" لتعبّر عن الهيجان والتدمير والخراب فنقول مثلا ثورة البراكين، وثورة الطبيعة، وثورة المجانين، وثورة المساكين، وثورة الجوعى، وغيرها من المواضع التي تستخدم فيها كلمة الثورة لتعطي الإنطباع بأن المتوقّع من وراء إستخدام كلمة "الثورة"هو دائما الخراب، والدمار، والإرباك في كل شئ، ولكل شئ.

الطاغية القذافي إعتمد على كلمة "الثورة" طيلة عقود حكمه الطويلة للبقاء في الحكم، وحكم بالفعل بقانون الغاب الذي سماه "الشريعة الثورية" بعد أن ألغى القوانين، وهمّش القضاة وبذلك خرّب كل شئ بإسم"الثورة"، وتميّزت عقود حكمه بعدم الإبقاء على أي شئ في موضعه فنتج عن ذلك فوضى متواصلة مترامية الأطراف شملت كل أركان الدولة، وطالت كل أفراد المجتمع؛ فكان الخراب المستمر، وكانت الممارسات الفوضوية التي حدثت في عهده من قبل "الثوار" الذين كانوا يمارسون الفوضى من خلال اللجان الثورية، ومكتب الإتصال باللجان الثورية، والمسيرات الثورية التي كانت تجوب شوارع بلادنا لتخلّف وراءها الخراب والفساد.
أدعو إلى التخلّي عن إستخدام هذه الكلمة في مسيرتنا التي نتمنّى لها النجاح والتوفيق، والتي أتمنى أن تكون مسيرة بناء متواصل، وإستقرار دائم، وتقدّم إلى الأمام دون الحاجة إلى إستمرار الثورة (الفوضى) لأننا يجب أن نطمح نحو الإستقرار الذي يصنع التقدّم، ويجب أن ننبذ الثورة بذلك القدر الذي يحصّننا من الإلتجاء إليها لإحداث خضّة كبيرة في المجتمع.

أنا أتمنّى بأن يبدأ الشروع الآن في تحويل ثورة 17 فبراير الشعبية إلى دولة بكل مؤسّساتها وأطرها السياسيّة المختارة بإسلوب ديموقراطي حر بعيداً عن التعاويذ القديمة، والوصفات الجاهزة.

الثورة يجب أن تكون "هزّة" واحدة تغيّر ما هو موجود ثم تتوقّف لتفتح الباب واسعا أمام عقول البلد وخبرائها لتشرع في عملية البناء والتشييد بهدف الإنتقال إلى الأمام، والبناء على البناء بدل تخريب ما تم بناءه بإسم الثورة.

نعم.... قد يقول البعض بأن الذي نعيشه الآن هو فوضى بكل المعايير؛ فلا قضاء ولا محاكم، ولا قوانين، ولا جهات حكومية فعّالة تأخذ على عاتقها فرض العدل والقانون بالقوّة؛ ولكن فليكن.... هل يتوقّع أحدنا بأن ننتقل من فوضى لا مثيل لها إلى دولة مثالية في ظرف 5 أشهر ( منذ إعلان التحرير) ؟.

علينا أن نكون منصفين وأن نتوقّف عن لوم الآخرين؟. يقول المثل الليبي: المتفرّج فارس؛ وأخشى أن نكون نحن خارج ردهات الإقرار والتنفيذ من ينطبق علينا ذلك المثل الليبي.
 لماذا يا إخوتي لا نعمل معاً كليبيّين بقلوب نظيفة، وبإرادة متوافقة، وبأمل موحّد يكون جوهره التوق إلى غد أفضل في بلادنا الحبيبة التي يجب أن تكون هي مركز تفكيرنا، والتي في سبيلها تبخس مطالبنا ورغباتنا. ألم يستشهد إخوة لنا من أجل حريّتنا... ماذا طلب أولئك الشرفاء غير تحقيق الحريّة والعزّة لليبيا ولنا؟.

علينا أن نبدأ من داخل أنفسنا إن كنّا بالفعل نريد أن نعيش بكرامة بعيدأ عن تدخّلات الغير في شئوننا... أو بمعنى آخر: علينا أن نبرهن على قدرتنا على تسيير أمورنا بأنفسنا، وذلك لن يتأتّى بالآماني، ولا بالعواطف ؛ وإنّما بالفعل.

بكل تأكيد أنّه لا زالت توجد في بلادنا الكثير من الخروقات (الإختراقات)، والتجاوزات المتعمّدة والتي تسبب الفوضى، وتثير المشاكل والمتاعب للناس؛ لكنّنا يجب أن نعترف بأن البلاد ما زالت وللأسف تعيش تحت رحمة الميليشيات العسكريّة التي يتزّعم كل منها "أمير" حرب لا يعترف بفكرة الدولة العصريّة التي تحترم القانون، وتؤمن بالديموقراطيّة. ما الذي يمنع تلك الميليشيات من الإنضواء تحت لواء الجيش والشرطة - كل حسب رغبته - وترك قضايا الأمن ( أمن الحدود، وأمن الشوارع) للجهات السياديّة التابعة للدولة الليبيّة؟. إنّه حب التسلّط، والعنجهيّة، والأنا، وقد تكون هناك "أجندات خارجيّة" أخرى لا نعرفها.

علينا أن نرى أنفسنا من خلال ليبيا، وأن ننظر إلى مصالحنا من مصالح بلدنا، وأن نتخلّص من مرض "الأنا" وحب التملّك والإستحواذ إن كنّا بالفعل نريد لثورتنا بأن تحوّل بلدنا وشعبنا إلى تقدّم وحضارة وعزة ورخاء.

أتقدّم من كل قلبي إلى كل الشرفاء الأوفياء من أبناء وبنات ليبيا بأخلص وأحر التهاني بمناسبة الذكرى الأولى لثورة الشعب الليبي، وآمل بأن نحتفل بها في السنة القادمة وكل سنة بعدها بإسم "يوم الحريّة" حتى نتمكن من الإنطلاق إلى الأمام بدل تكرار الثورة والدوران حول الحدث. ترحّمنا على شهداء ليبيا الأبطال الذين بدون تضحياتهم الكبيرة لما كنّا تنعّمنا بمثل هذا اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك