2011/10/07

على من يقول بأنّه ليبي أن يبرهن على إنتمائه للوطن

بمجرّد تحرير طرابلس بدأ الكثير من الليبيين يسعى للفوز بالغنائم كل حسب تفكيره وإجتهاده. كان أوّل من بدأ في حصد الثمار ربما هم بقايا "الجماعة الليبيّة المقاتلة" بقيادة السيّد عبد الحكيم بلحاج الذي أعلن تشكيل مجلس طرابلس العسكري، وأعلن نفسه رئيسا له، وهو الآن يرفض حلّ مجلسه والإنضمام إلى الجيش الوطني الليبي.

بالطبع لا أحد ينكر دور الجماعة الليبية المقاتلة في تحرير ليبيا ككل من الطاغية القذّافي وخاصة في المناطق الشرقية من البيضاء وحتى البريقة ورأس لانوف، ولا أحد ينكر دور الجماعة القيادي في تحرير طرابلس؛ ذلك لأن أعضاء الجماعة الليبية المقاتلة يتميّزون بالكثير من الخواص لعل أهمّها مستوى التدريب المتقدّم، ومستوى التنظيم الراقي، وكذلك العامل الإنضباطي والتنظيمي.

الكثير منّا يعرف بأن أغلب أعضاء الجماعة الليبية الإسلاميّة المقاتلة هم من حيث الإنتماء الفكري والروحاني يعتبرون تنظيما مسلّحا يحمل فكر السلفية الجهادية؛ كان قد قام بإنشائه مجموعة من الشباب الليبيين الذي شاركوا في الحرب الأفغانية السوفيتية.. أي أن فكر هؤلاء هو من حيث الأساس يرتوي من ينابيع "الطالبان" التي تعتنق العقيدة الإسلاميّة السنيّة المبنيّة على الدليل الشرعي من القرآن والسنّة الصحيحة، ويميلون إلى المذهب الحنفي..... وربما يتشددون في ذلك شأنهم شأن الشعب الأفغاني الذي ينتمون إلى قبائل البشتون فيه، ويتسامحون مع مخالفيهم من غير بني جنسهم من المذاهب السنيّة حسب توصيف الحركة لنفسها وكذلك حسب أدبيّاتها؛ أما التوصيف "الرسمي" الذي تشتهر به حركة طالبان فهو أنّها حركة عقائدية تقوم على الأخذ بمبادئ متشددة في تفسير الدين الإسلامي، وتحليل النص كما في السلفية الجهادية القريبة من منهج الداعية "محمد بن عبد الوهاب" خاصّة وأنّ حركة طالبان كانت قد تلقت دعماً لوجستيّاً وإنسانيّاً من السعودية في فترة نشأتها وما بعد ذلك مما مكّن الحركة من الإمساك بزمام الأمور؛ وكانت السعودية ـ وعبر لجانها الخيرية ـ تبعث مليونيّ دولار سنوياً لتمويل جامعتين، 6 مراكز طبيّة، وكذلك رعاية 4000 من الأيتام ولم تكن هذه المساعدات خالصة لوجه الله؛ وإنّما كان الفكر الوهابي المتشدّد الذي تسير على هداه المملكة العربية السعودية ربما حاضراّ من حيث "الإيمان" و"التطبيق" في مساعدات السعوديّة لحركة طالبان مما قولب هذه الحركة ووجّه تفكير قادتها الروحاني.

إذا.... من هنا يمكن القول بأن تفكير الجماعة الإسلاميّة الليبيّة المقاتلة ربما كان قد إستمدّ إنتماءه الروحاني من المذهب الوهابي في السعوديّة؛ أي أن الجماعة الليبية المقاتلة هي في حقيقة الأمر تنظيم وهابي متشدّد على نمط تفكير رجال الدين في السعوديّة.

والسؤال الموجّه للجماعة الليبية المقاتلة ـ أو من تبقّى منهم على نهج هذه الجماعة مع أو بدون "المراجعات" ـ هل تنتمون إلى ليبيا مكانا وفكرأ أم أنّ أجسادكم في ليبيا وعقولكم ـ أو إن شئتم قلوبكم ـ في السعوديّة أو ربما في أفغانستان ؟. عليكم أن تكونوا صادقين مع أنفسكم قبل أن تكونوا صادقين مع أهلكم في ليبيا وأن تحددوا إنتماءكم الحقيقي بعيدا عن التلاعب بالألفاظ.

المجموعة الثانية التي كانت تتصيّد الفرص، وتنتظر الدور هي الجماعة التي تنتمي إلى "الإخوان المسلمون"، وهذه المجموعة تدين بالولاء إلى تنظيم الإخوان المسلمون الذي يعتبرجماعة إسلامية، تصف نفسها بأنها "إصلاحية شاملة".

تعتبر حركة الإخوان المسلمون أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، خاصة في مصر، أسسها "حسن البنا" في مصر في مارس عام 1928م كحركة إسلامية؛ وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة مما أدّى إلى إنشاء جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان المسلمون في العديد من الدول. وصل عدد دول العالم التي يوجد بها تنظيم مرخّص له للإخوان المسلمين إلى 72 دولة تضم كل الدول العربية، ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست.

طبقا للمادة 9 من اللائحة الداخلية للإخوان المسلمين المعدّلة عام 1948م... يحتل المرشد العام المرتبة الأولى في الجماعة باعتباره رئيساً لها، ويرأس في نفس الوقت جهازي السلطة فيها وهما مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى.

مكتب الإرشاد العام العالمي هو القيادة التنفيذية العليا للإخوان المسلمين في العالم، وهوالمشرف على سير الدعوة والموجّه لسياستها وإدارتها؛ ويتم أختيار أعضائه عن طريق الاقتراع السري.

مجلس الشورى العالمي العام (أو كما كان يسمي الهيئة التأسيسية) هو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين في العالم، وقراراته ملزمة، ومدة ولايته أربع سنوات هجرية. وتتضمن مهامه الإشراف العام على الجماعة وانتخاب المرشد العام.

وطبقا للمواد ( 49 - 54) في النظام الأساسي للإخوان، الموضوع عام 1982م والمعدّل في 1994.... فإن على قيادة الاقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام وتشمل ما يلي: الالتزام بمبادئ النظام الأساسي للإخوان وتشمل هذه المبادئ العضوية وشروطها ومراتبها – وضرورة إيجاد مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي، والالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة، والالتزام بفهم الجماعة للإسلام، والالتزام بسياسات الجماعة ومواقفها تجاه القضايا العامة، والالتزام بالحصول على موافقة مكتب الإرشاد العام قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسى هام. وعلي قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع المرشد العام أو مكتب الإرشاد العام قبل اتخاذ القرار في جميع المسائل المحلية الهامة والتي قد تؤثر على الجماعة في قطر آخر.

إذا... من هنا نرى بكل وضوح أن ولاء عضو الإخوان المسلمين ليس لوطنه الذي ينتمي إليه؛ وإنّما ولاء الإخواني يتبع تنظيم الإخوان المسلمون الذي حسب لوائح التنظيم يتجاوز دولة الإنتماء، ويتجاوز قوانين تلك الدولة بما فيها التشريعيّة والتنفيذيّة.... ولعلّي أذهب بمثل هذا الإستفسار للدكتور علي الصلاّبي، وكل من هو من أتباعه على أنّه يتوجّب عليه أن يفصح عن نواياه الخفيّة خاصّة وأنّه يتهجّم على شخصيات ليبيّة وطنيّة ناجحة ولاتوجد لها ولاءات خارج ليبيا.

المجموعة الثالثة التي هي بدورها كانت تتحيّن الفرص لتصعد فوق إنتمائها القطري لتنظم إلى إنتمائها العضوي (العنصري) هي جماعة "الأمازيغ".

الأمازيغ ينتمون إلى منطقة جغرافية تمتد من واحدة سيوة في مصر وحتى موريتانيا؛ وقد تمتد حسب مفاهيم وأدبيات الأمازيغ إلى الجزر الخالدات في المحيط الأطلسي على تخوم الحدود الغربية للمغرب.

الأمازيغ لهم إنتمائهم العنصري، واللغوي، والمكاني وهم في أدبياتهم يعتبرون الإنتماء القطري ثانوي للإنتماء العنصري (الجذري)، ووفق هذه الأدبيات فإن الأمازيغي على إستعداد لمحاربة دولته القطريّة في سبيل الإنتصار لإنتمائه العنصري.

عقد أمازيغ ليبيا أول مؤتمر لهم في مدينة طرابلس في سبتمبر 2011 وقالوا بأنّهم يريدون حقوقهم الثقافية والسياسية، ووصلوا إلى حد المطالبة بتجنّب الإشارة إلى كلمة "العربية" في إسم الدولة الجديدة مع العلم بأن عدد السكان الأمازيغ في ليبيا يقل عن 10% من مجمل عدد السكّان العرب، وهم مع بقية سكّان ليبيا يتكلّمون العربية.

قال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر "فتحي أبو زخّار": إن مسألة اللغة الأمازيغية حق نريد أن نراه في الدستور، وهو أمر غير خاضع للتصويت أو رفع الأيادي.

والمعروف أن الكونكريس العالمي الأمازيغي كان قد إنعقد في جربة التونسيّة يوم 3 أكتوبر وتم خلاله إنتخاب "فتحي بن خليفة" الأمازيغي الليبي رئيسا لهذا "الكونكريس". وكان هذا المؤتمر قد قرر عدم إستخدام اللغة العربية في محاضر المؤتمر، وفي مدوّناته.

قال الليبي الأمازيغي "فتحي بن خليفة" - الذي تمّ انتخابه رئيسًا للكونغرس الأمازيغي العالمي- "إن أمازيغ ليبيا لا يجدون أي حرج في التعامل مع إسرائيل من اجل مصلحة الأمازيغ في العالم"

وأضاف في تصريح لراديو {كلمة} "ان إسرائيل تعتبر الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن القضية الفلسطينية تهم الفلسطينيين وحدهم؛ والأمازيغ مطالبين بالتركيز علي تحريرهم من الانظمة الدكتاتورية، و فرض حقوقهم الثقافية والسياسية". والمعروف أن فتحي بن خليفة يعتبر من أكبر المعادين للدين الإسلامي، وكان قد عبّر عن ذلك في الكثير من كتاباته من بينها مقالات تم نشرها في "ليبيا وطننا".
إذا.... من هنا نرى بأن التنظيمات ذات الأصوات العالية في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير تعتبر كلّها ذات ولاءات تتبع نظم وكيانات سياسيّة تتمركز خارج حدود ليبيا، وعلى أن ولاء من يتبعون هذه التنظيمات – وهم من الليبيين – يعتبرون إنتماءهم لليبيا كبلد ثانوي قياسا بإنتماءاتهم العرقية والدينية التي تتجاوز حدود الدولة وقد لاتعترف بها أصلاً من حيث المبدأ.
المجموعة الرابعة وهي مجموعة يهود ليبيا التي تعتبر إلى حد الآن مجموعة مشتتة الإنتماء وربما يعتبر هذا التشتت هو السبب الرئيسي وراء بقاء هذه المجموعة بعيدة عن الأضواء، وربما أيضا تعتبر هذه المجموعة مبهمة الأهداف والغايات.
 سكن اليهود المدن الخمس الإغريقية والفينيقية في ليبيا إبتداء من القرن السادس قبل الميلاد وكان سبب مجيئهم إلى ليبيا هو التجارة والعمل في صياغة الذهب. هناك مجموعة أخرى من اليهود كانت قد قدمت إلى ليبيا مع الفتح الإسلامي، ومجموعة ثالثة قدمت إلى ليبيا من الأندلس بعد هزيمة المسلمين هناك.
بلغ عدد اليهود الذين كانوا يقيمون في ليبيا قبل عام 1967 حوالي 49,000 نسمة خرج معظمهم من ليبيا بعيد هزيمة العرب في تلك الحرب. ذهب بعض اليهود الذين إختاروا مغادرة ليبيا في تلك الأثناء إلى أوروبا ( إيطاليا على وجه الخصوص) وذهبت مجموعة منهم إلى ما يسمّى بدولة إسرائيل المقامة على أرض العرب في فلسطين وأعلنوا ولاءهم الحميم للدولة العبريّة.
كان من ضمن مخططات اليهود إقامة وطن قومي في ليبيا في منطقة الجبل الأخضر، وكان هذا الاقتراح جاء من منظمة الأراضي اليهودية بلندن التي يترأسها اليهودي الكبير "إسرائيل زانجويل" ويقترح عليهم فكرته ويحدد لهم منطقة " الجبل الأخضر " في برقة بالذات لإقامة وطن قومي لليهود عليها، كما يتبيّن من المقدّمة التاريخيّة والسياسيّة التي كتبها إسرائيل زانجويل في الكتاب الذي تضمن تقارير البعثة التي أرسلتها "منظّمة الأراضي اليهوديّة" لفحص المنطقة المقترحة لتوطين اليهود في برقة، وهو ما صار يعرف بـ"الكتاب الأزرق". 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يحق ليهود ليبيا أن يعودوا إلى بلادهم، ويعيشوا مع إخوتهم الليبيين إسوة بغيرهم من الأقلّيات العرقية الأخرى التي تقيم في ليبيا مثل الأمازيغ، والترك، واليونانيين؟.سؤال أظنّه يعتبر منطقيّاّ في ليبيا الجديدة التي تفتح ذراعيها لكل مواطنيها، ولكل من يرغب في الإنتماء إليها قلبا وقالباّ بحيث يكون ولاؤه المطلق لليبيا... وليبيا فقط.
هل بعد ذلك سوف يطالب يهود ليبيا بالإعتراف بلغتهم العبرية، وهل يطالب يهود ليبيا بإلغاء الدين الإسلامي كدين الدولة الرسمي؟. هذه الأسئلة أتمنى من الإخوة الأمازيغ تقديمها للناشطين منهم الذين يطالبون بإلغاء العربية كلغة رسية للدولة الليبية؛ حتى وإن كان عدد المتحدّثين بها في ليبيا يزيد عن 99.9% من كل سكّان ليبيا بما فيهم الإخوة الأمازيغ أنفسهم الذين نعتبرهم إخوتنا، وأحبابنا، وأهلنا الذين سوف نحتمي بهم إن أصابنا لا سمح الله أي مكروه؟.
وختاماً..... هل يحق لنا كليبيين أن نكون على بيّنة من أمرنا، وهل يعقل لنا بأن نرضى بالخضوع لسلطة ال 10% أو أقل من أجل أن "يعمّ السلام في ليبيا"؟!. ماذا عن ال 90% من بقيّة أهل ليبيا.... هل هم يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية؛ أم أنّهم ربما يتعبرون من "البدون" ؟. لقد حان لنا أن نصحى الآن وقبل أن تجرفنا سيول "الليبيين" الذين تنتمي قلوبهم وتنتمي آحاسيسهم ومشاعرهم إلى خارج الوطن؟.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف11/10/11

    السلام عليكم
    اولا نترحم على شهذائنا الابرار
    الحقيقة مقالة رائعة جدا ولكنها مقلقة حول مستقبل ليبيا لم أكن يوما مقتنعا بالصلابي ولا بالحاج اناس غامضون اناس لايعرفهم الشعب الليبي ولايؤمنون بافكارهم امثالهم امثال الوهابين الذين يقومون بنشاطات مريبة في البلد وزرع الافكار المتشددة و الاسلام المشوه ولكن لن نسمح لامثال الجهلة ان يحكموا ليبيا عانينا من القذلفي لاياتي بمن هو اسوء لا ولله وبالنسبة للامازيغ ميخوفوش ولله ما مدايرين حاشة مسيطرين عليهم

    ردحذف
  2. غير معرف12/10/11

    السلام عليكم
    أولا نترحم على شهذائنا الابرار
    حقيقيا الصراع على السلطة طبيعة بشرية وحيث اننا لا نتفاجأ بأن القذافي كان مستعد لسحق الشعب وابادته وهو يعترف بها بنفسه قبل الثورة وبعده من أجل السلطة ولكن بعد ان سقط نظام الطاغية بتحرير طرابلس خرج علينا الصلابي ليجرح الدكتور محمود جبريل بدون اسباب مقنعة وبدون اخلاق طبعا والسبب معروف الصراع على الكعكة اذا صح القول وفي هذه الاثناء ايضا كان اخرون يجرحون الدكتور امثال عبد الرحمن السويحلي الذي مؤهلاته لا تقارن بمؤهلات محمود جبريل الممتازة فجماعة الاخوان المسلمين تنقصهم الخبرة المؤهلات والوطنية فهم اتباع تنظيم خارج الوطن لا يرتبط بالوطن امثالهم امثال الوهبيين ذو الافكار المتطرفة الغير اسلامية فالاسلام منهم برأ اما بالنسبة لحاجة ليبيا فهم بحاجة الى اناس متعلمون مثقفون متعلمون في الجامعات العريقة ولديهم خبرة سياسية وطنية لخدمة الوطن وهم اغلبهم من التكنوقراط والسلام عليكم

    ردحذف

الرجاء وضع تعليقك