2011/09/20

هل يتحوّل الإخوان المسلمون إلى إخوان ليبيّون ؟

"عندما يخلص الإنسان لربّه فإنّه يزهد في الدنيا وملذّاتها، وعندما يخلص الإنسان لوطنه فإنّه يزهد في المناصب وبريقها، وعندما يخلص الإنسان مع نفسه فإنّه يوفّق بين الدنيا والآخرة. عندما يوفّق المرء بين الدنيا والآخرة فإنّه يكون من الفائزين"
 
 
ربما يتذكّر أغلبنا ذلك التصريح الذي أدلى به الدكتور علي الصلاّبي لقناة "الجزيرة مباشر" حيث هاجم أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي الليبي، وإتّهمهم بالسعي لـ"سرقة أموال الشعب الليبي"؛ مطالبا رئيس المكتب التنفيذي الدكتور محمود جبريل بأن يقدّم إستقالته، ويترك الليبيين و"القوى الوطنية الحقيقية" يبنون مستقبل بلادهم لوحدهم.
وأضاف الصلابي أن "جبريل مع مجموعة من أمثال محمود شمام، وعلي الترهوني، وعبد الرحمن شلغم، وقلّة قليلة أخرى بأنّهم مجموعة متحدة يريدون أن يفصّلوا لليبيين ملابس خاصّة على المقاس الذي يريدونه، وأرادوا أن يأتوا بأناس على شاكلتهم ليسيّروا شؤون الليبيين في مجالات الأمن والجيش، وفي مجال الطاقة والنفط، وفي الطب والصحة، وفي عموم الإدارات، للسيطرة والهيمنة، ولم يشاوروا القوى الوطنية الفاعلة التي دفعت الغالي والنفيس من أجل الحرية".
وإتّهم الصلاّبي "جبريل ومن معه" بأنهم "أناس مرضى بالإستبداد والدكتاتورية والإقصاء، وينظرون إلى ما يحدث في ليبيا على أنه صفقة العمر، ويسعون لسرقة ثروات الليبيين وثورة الشعب الليبي".
وأكّد أنّ "القلة القليلة العدوّة للشعب الليبي وعقيدته ليس لها أي تأثير ولا أي أرضيّة، وتحاول أن تصِم الآخرين بالإرهاب والتطرّف والأفكار البالية التي عفا عليها الزمن".
وأضاف الصلابي في نفس المقابلة "أن جبريل ليس عليه إجماع في الشارع الليبي، وأن غالبية الليبيين يرفضونه ويرفضون من يدورون في فلكه".
وقال الصلابي "لو سمح الليبيون لجبريل (والذين معه) بأن يمارس عقليته لوقعنا في عصر جديد من الاستبداد والدكتاتورية"، وأضاف أن "الليبيين لن يسمحوا بعصر جديد من الدكتاتورية بعد أن قدمت ثورتهم خمسين ألف شهيد".

وتابع الصلابي "لن يسمح الليبيون لأحد بعد اليوم بأن يتكالب على ثروتهم، أو يطمس هويتهم، أو يحاربهم في دينهم"، مضيفا أن "هناك حربا منظّمة من بعض أعضاء المكتب التنفيذي مثل محمود شمام ومحمود جبريل وعلي الترهوني وناجي بركات، الذين يسعون لتغييب الوطنيين والثوار الحقيقيين"، واعتبر أنه "لما بدأت الحقائق تظهر في الساحة تخوّف محمود جبريل وانزعج".
وقال الصلابي إن ليبيا "دخلت في عهد جديد وعهد ديمقراطي نؤمن فيه بالنقد وبالحرية، ونؤمن بحق الآخرين في أن ينتقدونا، كما أننا نحن أيضا من حقنا أن ننقد ونتحدث ونتكلم، ولن نسمح لقلة قليلة من المتطرفين العلمانيين بأن يُدخلوا ليبيا في نفق جديد أسوأ من الذي أدخلنا فيه القذافي منذ أربعين عاما".

هذا الكلام أنا أعتبره في غاية الخطورة، وبعيدا عن الواقعية، وهو مملوء حتى الثمالة بالقذف والرجم والظن والإدّعاء. أنا شخصيّا رغم تحفّظي الشديد على أفكار وعقلية وتصرّفات الدكتور الصلاّبي إلا أنني وبكل صدق تفاجأت بأن يصدر مثل هذا الكلام عن إنسان يتظاهر بالعفّة والطهر ونقاء السريرة. أن يقول إنسان في مرتبة ومستوى الدكتور الصلاّبي مثل هذا الكلام وفي هذا التوقيت بالذّات من شأنه أن يطرح الكثير من الأسئلة والإستفسارات بخصوص نوايا الصلاّبي، وخفايا تفكيره، وأيضا وضعه النفساني. لو أن مثل هذا الكلام كان قد صدر من إنسان آخر ليس في تعليم ومستوى الصلاّبي لكنّا قلنا بأنّ وراء الأكمة أسرار؛ ولكن حين يكون الدكتور الصلاّبي هو صاحب هذا التصريحات فلم يتبقّى لي إلا أن أسال الله العفو والمغفرة للجميع !.
ملاحظة: وضعت إشارات حول بعض الجمل بغرض التنبيه على النقاط الآتية:
1) أن الدكتور الصلاّبي سمح لنفسه بالقذف الغير المبرّر في حق الآخرين.
2) أن الدكتور الصلاّبي عمد للتحدّث بإسم الليبيين أو الشعب الليبي بدون أي وجه حق.
3) أن الدكتور الصلاّبي تحدّث عن أشياء هو لايؤمن بها مطلقا مثل الديموقراطية، وحريّة التعبير.
4) أن الدكتور الصلاّبي تحدّث عن متناقضات مثل "المتطرّفين العلمانيين" مما يوحي بأنّه لا يعرف شيئاً عن العلمانية. 
قبل أن أتعرّض إلى هذا الموضوع بالنقاش والتحليل أودّ أن أدعو الإخوة القرّاء للإطّلاع على لقاء للدكتور علي الصلاّبي مع قناة الجزيرة يوم 19\04\2010 حيث بدأ الدكتور علي الصلاّبي تلك المقابلة رادّا على أوّل سؤال من قبل مقدّم البرنامج بالقول:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبارك عليه. الفضل لله سبحانه وتعالى القائل في محكم كتابه {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر:2] ولكن من سنن الله سبحانه وتعالى إذا أراد الله أمرا هيأ له أسبابه فالقلوب بيد الله سبحانه وتعالى ونواصي العباد تحت المشيئة وتحت إرادته سبحانه وتعالى وكل يوم هو في شأن. الله سبحانه وتعالى ساق أسبابا متعددة، السبب الرئيس في هذا الموضوع هو الدكتور سيف الإسلام القذافي، سيف الإسلام القذافي هو اللي تبنى فكرة الحوار ودخلها من منطق قناعة تامة أن الحوار حيحل إشكالا فكريا وإشكالا أيديولوجيا وعقائديا وبالتالي راهن على أن الحوار سوف ينتصر، وبالفعل لما طرح فكرة الحوار علي أنا شخصيا لأكون في لجنة الحوار وافقت على ذلك بشرط أن توافق قيادة الجماعة الليبية المقاتلة، دكتور سيف الإسلام لم يدخل في هذا الحوار إلا بعد أرضية تهيأت له لاستقبال هذه المبادرة لدى قيادة الجماعة الليبية المقاتلة، هذه الأرضية تمثلت في أعمال منها الليبيون الذين شوهدوا في غزو الأميركان لأفغانستان العوائل الليبية هناك، جمعية القذافي مؤسسة القذافي برعايته استطاع كثير من الأسر هناك تبناهم ورجع بهم إلى ليبيا هيأ لهم جوازات السفر، الوثائق ورجعوا معززين مكرمين إلى أهاليهم فكانت هذه أرضية، الأرضية الثانية كانت متمثلة في تبني ملف الإخوان المسلمين في ليبيا وبالفعل استطاع الدكتور سيف دخل في حوار ونقاش واسع مع الأجهزة المختصة الأمنية وتوجت مجهودات بقيادته من خلال المؤسسة بخروج الإخوان المسلمين، الإخوان المسلمون والجماعة الليبية المقاتلة كانوا مع بعضهم في السجن فبالتالي كانوا يتابعون في جهود الدكتور سيف الإسلام، أيضا النقطة الثالثة رجوع الكثير من الليبيين بالمئات اللي كانوا في الخارج منهم العبد الضعيف اللي أمامك يعني رجعت من خلال الدكتور سيف الإسلام، فكانت هذه أعطت أرضية لقبول المبادرة اللي قام بها الدكتور سيف الإسلام ورعاها رعاية وتابعها وقاد الملف بحكمة وكانت أثناء الانسداد كان يتدخل ويحل هذه الأمور ويدفع به إلى الأمام.

وفي نهاية اللقاء قال الدكتور الصلاّبي رادّاً على آخر سؤال لمقدّم البرنامج "حبيب الغريبي":

والله بعد توفيق الله سبحانه وتعالى إرادة الدكتور وعزمه ودعم الوالد له العقيد القذافي إذا دعم سيف في أي ملف حيمضي وحينجح بإذن الله تعالى.

أترك الإخوة القراء للبحث عن صلة بين المقابلتين، والتمعّن جيدا في تلك الأوصاف التي أطلقها الدكتور الصلاّبي على الطاغية القذّافي، وعلى إبنه سيف حين كان الطاغية القذّافي يتربّع على سدة الحكم، وحين كان إبنه يحكم الليبيين بشريعة "التوريث الثوري"، وكان الصلاّبي – وما يزال – يؤمن ويوصي "بطاعة ولي الأمر" ولو سرق ولي الأمر هذا أموالكم، وسبى نسائكم، وقتل أولادكم، وطغى في الأرض كما طغى قارون وكما طغى فرعون من قبله. وضعت بعض الخطوط أسفل الكلمات والجمل بهدف لفت إنتباه القارئ إلى العبارات التي بالفعل أذهلتني، وأدخلت الشك في نفسي بخصوص مصداقية هذا الرجل ( الصلاّبي)، ومدى عنصر "القناعة" في تديّنه.... اللهم إلا ما ظهر منه أمام الناس.

دعوني أوّلا - لو تفضّلتم - أن أبدأ بالحديث عن العموميات... المفاهيم العامة بمنظور آخر...... وهي المفاهيم الإجتماعيّة كما أعرفها أنا، وكما أتعامل معها، أو كما أظنّ بأنني أفهمها وهي بطبيعة الحال تظلّ في مجملها مجرد وجهة نظر ومن حق القارئ أن يعلّق عليها، ينتقدها، أو يعترض عليها كما رغب؛ فأنا هنا أدعو إلى الحوار، والنقاش، والعمل على بناء ليبيا الجديدة كما يجب... أي كما يطمح إلى تحقيقه كل الليبيين، وكما ينتظرها منّا العالم المحيط بنا لأنّنا جزء من هذا العالم وعلينا أن نكون كذلك؛ فزمن الشذوذ عن بقيّة العالم كان قد إنتهى وولّى حين ثار الشعب الليبي على الطاغية القذافي، وحين تمكّن هذا الشعب الأبي من إسقاط نظام حكمه البغيض.

الناس من وجهة نظري مراتب، ويمكن تقسيم هذه المراتب إلى فئات ومجاميع حسب إهتمام من يقوم بعمليّة التقسيم..... أنا لا أريد أن أتحدّث هنا عن خصوصيّات معيّنة، أو أن أنسب إلى مواقف في حد ذاتها ؛ وإنّما من باب اليسر وددت أن أتحدّث عن عموميّات، ومفاهيم هي في متناول الجميع.

هناك من البشر من لايمثّل إلاّ نفسه، وهناك منهم من يمثّل نفسه ويمثّل أسرته، وهناك من - بالإضافة إلى نفسه وأسرته – يمثّل أيضا شارعه الذي يقيم فيه، وهناك من يمثّل فوق كل ذلك حارته أو قبيلته – إن رغبتم في المحافظة على ثقافة الماضي -، وهناك من يمثّل منطقته ككل، وهناك من يمثّل زملائه في العمل، وهناك من يمثّل محافظته، وهناك من يمثّل بلده.... وهكذا.

أهمّية كل فرد من هؤلاء الناس بطبيعة الحال كإنسان تبقى كما هي ، ويجب ألاّ تختلف بين إنسان وآخر؛ أمّا أهميّة الفرد في العالم المحيط به فتلك بدون شك تعتمد على وضع ذلك الشخص، ومركزه في الوسط المحيط به.

وحتى لا أتوغّل عميقا في هذا المجال إستسمحكم في أن أقفز مباشرة إلى قائمة الأفراد الذين يمثّلون شريحة كبيرة من المجتمع أو من البشر من أمثال الدكتور على الصلاّبي نفسه.

الدكتور على الصلاّبي من الواضح بأنّه لايمثّل نفسه وأسرته فقط؛ بل إن تأثيره ربما يتجاوز محيطه المكاني، وقولبه الإجتماعي أيضا..... فالدكتور الصلاّبي - كما ورد في موضعه الإليكتروني - كان قد تحصّل على درجة الماجستير والدكتوراة في الدراسات الإسلاميّة من جامعة أم درمان التي منحته شهادة الدكتوراة تقديرا لكتابه "فقه التمكين في القرآن الكريم". وقد صدرت للدكتور الصلاّبي مؤلفات بلغت 15 مؤلّفا؛ منها:-
1-الوسطيّة في القرآن.
2- عقيدة المسلمين في صفات ربّ العالمين.
3- السيرة النبويّة: عرض وقائع وتحليل أحداث.
4- الإنشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصدّيق؛ شخصيته وعصره.
5- سيرة الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب.
6- تيسير الكريم المنّان في سيرة عثمان بن عفّان.
7- أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
8- سيرة أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي طالب.
9- فاتح القسطنطينية محمد الخامس.
10- تاريخ الحركة السنوسيّة في أفريقيا.

وللدكتور الصلاّبي أيضا الكثير من الكتابات منها على سبيل المثال "الثقافة الدستورية"، وكذلك "الشيخ عمر المختار: نشأته وإستشهاده" ؛ كما أن للدكتور علي الصلاّبي الكثير من التصريحات، والمقابلات مع مختلف وسائل الإعلام.

يشغل الدكتورالصلاّبي في الوقت الحاضر عضويّة المجلس العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي.

إذا من هنا نرى بأن الدكتور علي الصلاّبي يعتبر من الإسلاميّين المتعمّقين في قضايا الدين والفقه؛ لكننا نرى من خلال نوعيّة كتابات ومؤلّفات الدكتور الصلاّبي أن أغلب إسهاماته مرتبط بشكل كبير بالتاريخ الإسلامي القديم، وعلى أن الدكتور الصلاّبي ربما تقوقع في حقبة الزمن الماضي شأنه في ذلك شأن الكثير ممّن يطلقون على أنفسهم "علماء الدين" والذين يستريحون جداً بالعيش في الزمن السحيق دون تكليف أنفسهم عناء الخوض في الحاضر أوالتفاعل معه اللهمّ إلا بما يخدم مصالحهم والتي تكون في غالب الأحيان مصالح آنيّة الكثير منها مادّي رغم إدّعاء هؤلاء الناس بالزهد في الدنيا؛ لكنّنا نعرف علي سبيل المثال أن "العلاّمة" الدكتورسلمان العودة كان ينتقد محطة ال إم بي سي السعودية بالخلاعة، وحين وقّع معهم عقدا بمليون جنيه إسترليني غض الطرف عن إنتقاد المحطة؛ بل إنّه سمح لبناته بمشاهدة هذه القناة في حين كان يمنعهم من ذلك قبل توقيع العقد المليوني !.

كما أنني أود أن أشير إلى تلك العلاقة الغرامية بين الشيخ "الورع" المتزوّج وفي وجود رجال هم أبناءه، وهو إبن ال 68 سنة وتلك الفتاة الجزائرية الجميلة إبنة ال19 سنة المسمّاة أسماء بن قادة { راجع الشروق الجزائرية الرئيسية\ حوارات 20\11\2010} لمزيد من (الفضائح).
عندما نعود من جديد لنتحدّث عن أهمّية الشخص من خلال تأثيره على العالم المحيط به فإننا ربما نجد بأن للدكتور الصلاّبي الكثير من الأتباع، والمتعاطفين معه أو ربما المتأثّرين بطريقة تفكيره - فهؤلاء الناس كثيرا ما يرسمون حول أنفسهم هالة جميلة ظاهرها مرصّع بعلامات التواضع والخشوع والتكثير من البسملة وذكر أسماء الله الحسنى، وباطنها لايعلمه إلا الله) ؛ لكن ذلك لا محالة لابد له من أن يصطدم بالواقع الذي من شأنه أن يدفع الدكتور الصلاّبي
 إلى إختيار أحد أمرين:

أولاً- الإنعزال عن الواقع المعاش: وهذا الموقف قد يريح الدكتور الصلاّبي نسبياً؛ لكنّه لامحالة يبعده عن الأضواء التي هو في أمسّ الحاجة إليها... كما هو الحال عند أغلب أولئك "الدعاة".... ومن هو في شك لما أقول فليسأل عن عدد المحطّات الفضائيّة التي يطلّون من خلالها على "الرعيّة" من أولئك المخدوعين بكلام هؤلاء "العلماء" المعسول، ودموع التماسيح التي كثيرا ما تمتلئ بها حدقات عيونهم وهم يبتهلون إلى ربّهم أمام الكاميرات وخاصة أثناء أداء صلوات التراويح، وزد خصوصيّة لذلك إذا كان هناك نقل مباشر من المسجد الحرام بمكّة المكرّمة !.

ثانيا- الإصطدام مع الواقع المعاش: وهذا بدون شك سوف يضع الدكتور الصلاّبي دائما في المواجهة؛ ذلك لأن الدكتور الصلاّبي في حقيقة الأمر يعيش في الماضي، ولا يستطيع التأقلم مع بديهيّة التغيير وتطوّرات الحياة لأنّ كل تغيير يعتبر عند أمثال الصلاّبي من البدع والخروج عن تعاليم الإسلام كما هي واضحة في أدبيّاتهم المتوارثة والمتناقلة ( أدبيّات جماعة الإخوان المسلمون).

هل يعتبر الصلاّبي ظاهرة؟

بدون أي نوع من التحامل، وبعيدا عن الشخصنة يمكنني القول بأن الدكتور الصلاّبي لا يحمل فكراً معيّنا، ولا يمكن إعتباره من المقكّرين.... فهو ناقل، وهو جامع، وهو تابع للسابقين بدون إمتلاك شجاعة النقد أو الخروج عن السياق الذي يرسمه آساتذة هؤلاء ومرجعيّاتهم؛ كما أنني شخصيّا لا أعتبر أمثال الدكتور الصلاّبي من العلماء بمعنى الكلمة... ذلك لأن العالم حسب التعريف هو من يبحث، ويفكّر، ويستنتج، ثم يخرج على الناس بفكر جديد، أو نظريّة جديدة تدفع الغير لمزيد من البحث اوالتفكير بهدف التمكّن من البرهنة على صدق النظريّة، أو إثبات خطأها؛ كما أن العالم هو من يبحث عن النواقص، وعن السلبيات، وعن الأخطاء بدل الإكثار من عمليّات التمجيد والإكبار والمبالغة مع الكثير من الإطناب خاصة إذا دخل أحدهم باب "السّجع"...... لاحظ عناوين المؤلّفات عاليه !!.

الدكتور الصلاّبي – من خلال كتبه – نجده مطّلعا على كتابات وتفكير وأراء السابقين؛ لكنّه – وكبقيّة أغلب أتباع المدارس الإسلامية – لايجرؤ أبدا على الإنتقاد؛ بل إنّه لايسمح لنفسه بذلك حيث يعتبر هؤلاء وللأسف أن الشخصيّات التي يسردون سيرها، أو يكتبون عنها هي شخصيّات لبشر – في رأيهم – يعتبرون من المقدّسين، المنزّهين، المعصومين، وشخصيّات هؤلاء من وجهة نظرهم لا يمكنهم الوقوع في الخطأ؛ وفي هذا الكثير من الّلبس والإزدواجيّة في المعايير خاصة إذا كان المعيار الذي نقيس عليه ينصّ صراحة على أن "العصمة لله وحده"، وبأن "البشر خطّاؤون" بدون إستثناء لأنّهم بشر حتى وإن كانوا أنبياء { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ}.... هل ينكر أحدكم بأنّه كان قد همّ بها، وهل ينكر أحدكم بأننا هنا نتكلّم عن "فاحشة" ؟...... الناس كلّهم خطّاؤون لأنّهم بشر – هم ليسوا آلهة؛ بل نحن وللأسف من يؤلّههم فنسئ بذلك إليهم - أما الفرق بين هذا وذاك فيكمن فقط في كميّة ونوعية الخطأ.

وعودة إلى قضيّة "الظاهرة" من عدمها.... نجد أننا حين نتحدّث عن شخصيّات تاريخيّة مؤثّرة بشكل كبير في تطوّر الجنس البشري من حيث التقدّم والمضي إلى الأمام بذلك الشكل الذي أوصل الحياة على وجه الأرض كما نعيشها اليوم نجد أن علماء المسلمين أضافوا إلى التراث الإنساني "العملي" من خلال أعمالهم وليس من خلال أقوالهم أو فتاويهم. فمثلا إبن سينا، ، الرازي، الطّبري، والفارابي، وإبن النفيس، وجابر بن حيان، الخوارزمي، إبن الهيثم، إبن رشد، الإدريسي، إبن خلدون، الطبري، البيروني وغيرهم كثير..... هؤلاء الناس كانوا مسلمين، وكانوا من أتباع الله لكن دينهم لم يمنعهم من البحث والتخيّل؛ بل إن إيمانهم بالإسلام، وتدبّرهم لكلام الله كما ورد في القرآن الكريم هو الذي دفعهم إلى التنظير والبحث.

ذلك النوع من المسلمين هم تحديدا من يمكن إطلاق كلمة "عالم" عليهم بكل ثقة ذلك لأنّهم بعلومهم وأبحاثهم أفادوا البشريّة، ولأنّهم بالفعل هم من ترك أجمل الأثر في بلاد أوروبا عن الإسلام حين دخلها المسلمون، وتركوا علومهم وأبحاثهم فيها لتستفيد منها البشريّة جمعاء.

علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا ترك "إبن تيميّة"، وماذا ترك "الإمام" مالك، و"الإمام" الشافعي، و"الإمام" إبن حنبل، و"الإمام" قتادة، و"الإمام" إبن كثير، و"الإمام" محمد عبد الوهّاب، و"الإمام" أبو الشعثاء، و"الإمام" الخميني... وغيرهم كثير؟. ماذا ترك هؤلاء للبشرية أكثر من تفسيرات للقرآن والحديث حسب عصرهم، وحسب فهمهم، وحسب ثقافة زمنهم لم تعد تنفع في عالم اليوم ذلك لأنه ليس من بينهم من هو بقادر على تفسير القرآن ؟. قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } صدق الله العظيم؟. أنا أحترم أعمالهم وإجتهاداتهم التي أفادت الناس في زمانهم، وبعضها مازلنا نستفيد منه في يومنا هذا خاصّة فيما يتعلّق بالأحكام الوارده في القرآن، والمناسك والعبادات التي في أغلبها لا تحتاج إلى الكثير من  التأويل، وقد لا يختلف إثنان على تفسيرها - إلا ما ندر - حتى لو أضفنا إلى ذلك عامل الزمان وعامل المكان.

إننا حين لا نتداوى اليوم بعلوم إبن سينا، ولا بنصائح الزهري، ولا بوصفات إبن النفيس فإنّ ذلك لايعني مطلقا بأنّنا نتنكّر لجهودهم الجبارة في دفع عجلة التقدم إلى الأمام، ولا نقلّل من أفضالهم على الطب في عصرنا؛ لكننا فقط نتداوى اليوم بآخر ما توصّل إليه العلم في مجالات تشخيص الأمراض، ووصف العلاج.

لماذا يبحث المرء في أيّامنا عن آخر ما توصّل إليه العلم في مجالات التطبيب، والتقنية، والإتصالات، والهندسة، والتخطيط العمراني، والإقتصاد في حين يصرّ "علماء الدين" عندنا على التشبّث بشروح وتفسيرات للقرآن نتوارثها عن طريقهم من خلال كتبهم وقنواتهم الفضائيّة التي تنافس قنوات "الخلاعة" في عددها وكثرتها من أناس عاشوا في العصور الماضية؟. لماذا لايرتقي فقهاء الدين في عالمنا الإسلامي بمفاهيمهم ومداركهم إلى مستوى التفكير بمعطيات عالم اليوم، ولماذا لايعمد هؤلاء الذين يتربّعون على سدة الفقه والتفسير والفتاوي والتنظير في الدين إلى العمل على تحديث "الفكر الإسلامي" بما يتماشى مع العصر الذي نعيش فيه؛ بدل العيش بمفاهيم تجاوزها الزمن؟.

لماذا يصر هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم "علماء الدين" على التقوقع والعيش في الماضي؛ ثم إذا بهم ينصبون حرابهم بإسم الدين تارة، وبإسم عالم الدين "الفقيه" تارة أخرى، وبإسم "الجهاد" ، و"التكفير" ، و إباحة هدر دم البشر لمجرد أنّهم إختلفوا معهم في الرأي تارة وتارات أخرى؟.

هل فكّر أحدكم في أي يوم من الأيّام في تفسير مفهوم لهذا "الإقرار"... الإسلام صالح لكلّ زمان ومكان؟. كيف يمكن أن يضلّ "كلام" أنزل على سيدنا محمد منذ أكثر من 1400 سنة صالحا في عالم اليوم؟. هل تعلمون لماذا يصلح القرآن لكلّ زمان ومكان، وهل يمكنكم إقناع غير المسلمين بمثل هذا الإقرار؟.

أنا أعرف بأن أغلبكم لا يعرف الإجابة عن مثل هذا السؤال لأنّكم بكل بساطة نادرا ما تتوقّفوا عند مثل هذا التساؤل؛ فبعضكم يعتبره تجرؤ.. بل ربما يدخله بعضكم في باب الشرك والعياذ بالله.
لماذا هو القرآن يعتبرصالحا لكل زمان ومكان؟..... الإجابة بسيطة جدا، ولا تحتاج إلى رواية هذا أو ذاك، ولا توجد حاجة إلى مقدّمات طويلة ومملّة من أمثال ( مثال إعتباطي).... عن المقوقع روي عنه أنّه قال عن المتشنكح، عن المتخبّط، عن المتزمّت عن حفصة، عن .... بقية السلسلة. الإجابة تكمن في قوله تعالى – بدون فلسفة، وبدون فهلوة، وبدون مقدّمات طويلة مملّة – {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }.... نعم الإجابة تكمن هنا وبكل بساطة. لا يعلم تأويل (تفسير) كلام الله إلا هو... والناس تجتهد - كل حسب علوم عصره – في البحث عن تفسير مناسب في ذلك الزمان حسب تفكير من يعيش في ذلك الزمن. التفسير بطبيعة الحال لم يكن أبدا هو "التفسير النهائي"، وسوف لن يكون هو التفسير النهائي على الإطلاق إلى حين نقابل ربّنا في يوم الحساب. تلك هي سنة الله على الأرض..... يتعلّم الناس، ويعيشون حياتهم حسب عصرهم؛ ثم يأتي بعدهم من يتفوّق عليهم علما ومعرفة ومقتنيات، وكلّما جاء أناس جدد يفسّرون كلام الله حسب مفاهيم وعلوم وثقافة عصرهم... وهكذا يفسّر القرآن حسب الزمن الذي يعاصره الناس... وسوف يستمر هذا متواكبا مع تطوّر الحياة إلى حين قيام الساعة؛ وبذلك يحافظ القرآن على صلاحيته لكل زمان ومكان لأنّه من عند الله عالم الغيب، ولا يمكن لأيّ منّا – بني البشر مهما إجتهدنا – علم الغيب ولو أختير أحدنا للرسالة كما حدث للأنبياء في عصر الأنبياء والرسل؛ ذلك العهد الذي شاء الله ختمه برسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

ألم تطرح هذه الآية القرآنية تحدّيا وإستدراكا لآولئك الذين يعيشون في الماضي بأن الله أرادنا أن نعيش في عصرنا، وأن نفكّر بعقولنا، وأن نفسّر القرآن حسب مفاهيم زماننا، وحسب علمنا بدون الحاجة للإستدلال بما قاله المتقوقس، أو إبن تيميّة، أو غيرهم من أولئك الذين عاشوا زمانهم، وفسّروا للناس الذين كانوا يعيشون معهم ؟... أما نحن فلسنا في حاجة إلى تلك التفسيرات، ولسنا في حاجة لمن يذكّرنا بها لأننا نستطيع أن نفسّر كلام الله حسب عصرنا، ونستطيع أيضا أن نترك أجيال الغد لتفسّر كلام الله حسب زمانها؛ وبذلك نعيش نحن مع الحاضر، ومن هنا فسوف لن يتغرّب شبابنا في عالمهم الذي يعيشون فيه، وسوف لن يحسّوا بوجود معايير مزدوجة إن نحن تعاملنا معهم حسب تفكيرهم، وإن نحن بالفعل إحترمنا عقولهم لا كما يريد "علماء الدين" - من أمثال الدكتور الصلاّبي - الذين يصرّون على فرض معطيات الماضي وإحداثيّاته على عقول شباب يعيشون في عالم اليوم وذلك تحديدا ما من شأنه أن يشوّش على عقول وتفكير الشباب.

أين أنتم من شباب اليوم يا من تصرّون على العيش في الماضي؟. ماذا تتوقّعون من ذلك الذي يتعامل مع الكمبيوتر، والموبايل، والأي بود، ووسائط إستقبال ما يبث على الأقمار الصناعية بصور وأشكال ثلاثية الأبعاد؟. ماذا جهزتم لهؤلاء الشباب من عصرنة لفهم الدين بما يتماشى والعصر الذي يعيشون فيه، بل والمستقبل الذي يحلمون به؟.
هل تظنون يا أيها "المتكلّسون" بأن شباب اليوم سوف يرتدي الهرك، والجلابيب، والقمصان التي تشبه ملابس النوم، والسراويل المشمّرة، واللحي الشاعثة، والشارب المحلق في وجود لحية هائجة. هل يرضى شباب اليوم برؤية أسنانكم الصفراء، وإشتمام رائحة إباطكم الكريهة وكأني بكم لم تقرأوا نصائح الله بخصوص النظافة والتطيّب؟.

هل يرضى شباب اليوم بإستخدام السواك وهم بوسعهم شراء آخر منتوجات معاجين الأسنان برائحتها العطرة، وبفعاليتها السحريّة في تبييض الأسنان.

هل برأيكم ترضى فتيات اليوم بإستعمال الكحل في وجود آخر أنواع رسم الخطوط حول العيون، والماسكارة؟. هل برأيكم سوف ترضى فتيات اليوم بإستعمال السواك في وجود ملايين من منتوجات أحمر الشفاه... بل وبأي لون للشفاه حلمت به فتاة اليوم وبشكل سهل للإستعمال مع العناية ببشرة الشفاه الطريّة، والمحافظة على رقّتها ونظارتها؟.

هل سوف تتعطّر فتيات اليوم بالطيب، والمسك، والبخور في مقابل منتوجات إيف سان لوران، دولسي جابانا، شانيل، جوتشي رش، لاكوست طتش، كالفين كلاين، وجافنشي، وغيرها؟.

يا سادتي عليكم الإعتراف بأنكم تعيشون في الماضي، وبأنكم لم تتمكنوا من الإنتقال إلى الأمام، وبأنّكم مازلتم وللأسف تنادون بالطاعة العمياء لولي الأمر، وبأنكم مازلتم تنادون بعودة الخلافة الإسلامية الراشدة، وبأمير المؤمنين، والإمارة الإسلامية. إنّكم يا سادتي أول من يحارب حريّة الكلمة لأنّكم تعتبرون السماح بحرية الكلمة نوع من الكفر حيث مازلتم تظنّون بأن أول ضحيّة لحرية الكلمة هو الإسلام. ألم يحارب أسلافكم العلم والعلماء على إعتبار أن العلماء هم أوّل من سوف يكفر بالله، وأوّل من يتنكّر لوجوده، وأوّل من يحرّف كلام الله، وأوّل من يحارب الوحدانية؟؛ مع أن الله قالها صريحة وواضحة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وقال أيضا: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}.

ألستم أنتم من يحارب الديموقراطية على إعتبار أنّها بدعة؟. ألستم أنتم من مازال ينادي ب"المبايعة" بدل الإنتخاب، وب"التوافق" بدل الفرز، وب"التوارث" بدل التناوب على الحكم من خلال الإنتخاب المباشر عبر صناديق الإقتراع؟.

ألستم أنتم من يحارب الإبداع بحجة أن الإبداع مصدره "البدعة" التي تعتبرونها من المحرّمات التي تؤدّي بصاحبها إلى نار جهنّم وبئس المصير؟.

ألستم أنتم من يحارب "العلمانيّة" من خلال محاربتكم للعلم مع علمكم بأن العلمانية ماهي إلّا كلمة مشتقة من العلم نفسه الذي تحاربونه؟ (راجع: علينا كليبيين أن نحسم أمورنا بأنفسنا ).
 ألستم أنتم من يحارب "البراغماتية" التي تعني بكل وضوح وشفافية :التدبّر والتعقّل، والتفكير... ألم يدعوكم الله بكل وضوح وجلاء في كتابه العزيز إلى التدبّر، والتعقّل، والتفكير؟. أليست تلكم الكلمات هي ما تعنيه تحديدا "البراغماتية" التي تحاربونها؟.

آلا آن لكم أن تدخلوا العصر أو تغربوا عن وجوهنا وتتركونا نتدبّر أمورنا فنحن قد بلغنا سن الرشد، ونحن قد دخلنا الجامعات وتعلّمنا، ونحن قد إقتنينا آخر مبتكرات العقل الإنساني وإبداعاته... فلاخوف علينا بعد اليوم لأننا نستطيع في عالم اليوم أن نتحسّس طريقنا بدون الحاجة إليكم؟.
دعوني أيّها المتزمّتون أن أذكّركم بما قاله الدكتور رجب الطيّب أردوغان حين زار مصر أخيرا:

أكّد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء للمصريين بأن الدولة العلمانية لا تعني "دولة اللادين"؛ متمنيا وجودها في مصر. ودعا أردوغان، خلال لقائه مع الإعلامية "مني الشاذلي" على قناة (دريم) إلى وضع دستور لمصر مبني على المبادئ "العلمانيّة" مشيرا إلى أنّه مسلم ، وإلى أن تركيا تعتبر بلدا مسلما، وإلى أن الأتراك لهم كامل الحريّة في التعبّد بالشكل الذي يرتضون.

قال أردوغان إنه مسلم يتولّى رئاسة وزراء في دولة علمانية قائمة على مبادئ حديثة.... عناصر الحكم فيها تعتمد أساسا على الديموقراطية، والشفافية، وسيادة القانون على الجميع بدون إستثناء. أليس هو نفسه أردوغان – رجل تركيا الحديثة – من رفضت زوجته خلع الحجاب عندما طلب منها العسكر ذلك، وخرجت بحجابها على الناس حين كان زوجها يخوض حملة إنتخابيّة من أجل الفوز برئاسة الحكومة؟.

ألم يكرر أردوغان هذا الكلام في تونس، وفي ليبيا أثناء زيارته لكلتيهما؟.

ما هو الخطأ في حكم تركيا على أسس علمانية تؤمن بحرية المعتقد؟. هل نحن ضد الحرية الدينيّة؟.

وما هو الخوف على ليبيا إن حكمها العلمانيّون الذين يؤمنون بالله، ويؤدّون شعائرهم كما يجب؛ لكنّهم في نفس الوقت يؤمنون بقوّة العلم وفعاليته في تشكيل دولة عصريّة حديثة تسيّر أمور شعبها وفق أنظمة ديموقراطيّة عصريّة تضمن حرية الإختيار، وحريّة الإعتقاد، وحريّة التفكير، والشفافيّة والصدق في العمل، والمحاسبة والمحاججة في التعامل مع كل مشتبه فيه؟.

قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )... أنظر وتدبّر كلمة "رضيت".... إنّها تعني "حريّة الإختيار".

وقال جل وعلى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )، وقال أيضا: ( إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا )، وقال أيضا: (ذَ‌ٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا )... أنظر إلى "شاء" وأعطيها قدرها بعد أن تتفهّم معناها.... هل يوجد لها في مخيلتك معنى آخر غير "حريّة الإختيار"، و"حريّة العبادة" أيضا.... ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هذا هو كلام الله... هل أنتم ربّانيّون أكثر من الربّ نفسه؛ أم أنّها "المغالاة" وحب فرض السيطرة على الناس بإسم الدين... أليس هذا هو "التدليس" بعينه؟.

وفي نطاق الإختيار والحرية قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ). هل أنتم أكثر حرصا على دين الله من راسله إليكم؟. هل يجد القارئ العزيز أي دليل في تهجّمات الدكتور الصلاّبي على الدكتور محمود جبريل وزملائه ينبئ عن (الحكمة والموعظة الحسنة)؟... هل يستشفّ من تصريحات الصلاّبي المذكورة أعلاه ما يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟. هل الدين عند الدكتور الصلاّبي يعني مراسم وطقوس وركوع وسجود، ولطع حمراء على الجبهة "من كثر السجود" تحت علامة تجاريّة إسمها "سيماهم على وجوههم"؟. هل هذا هو الدين الذي تبشّرون به البشريّة جمعاء ؟. هل الدين عندكم لطع حمراء على جبهة الرأس، لحي متروكة هكذا بدون ذوق، لحي بدون شارب، هرك وجلابيب، قمصان كبيرة واسعة مثل ملابس "البهلوان"، سراويل مشمّرة يشترط بأن يكون أحدها أقصر من الثاني، ضرب على الرأس بقسوة حتى تسيل الدماء في ذكرى مقتل الحسين بن علي "عاشوراء" الذي حسبه بعضكم معصوماّ عن الخطأ، وحسبه بعضكم من "العشرة" المبشّرين بالجنة وكأنّي به سوف لن يحاسب يوم القيامة... وأنا هنا أتحدّاكم جميعا أن تؤتوني بآية واحده في القرآن تتحدّث عن العشرة المبشّرين بالجنة... من أين أتيتم بها يا من تعشقون الإضافة إلى كتاب الله، وكأن ربّنا كان قد نسى أشياء لم يذكرها في القرآن حين قال لكم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }، وكأنّي بكم تغافلتم قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ }؟.

وختاما...

ألم يكن الأولى بالدكتور الصلاّبي العمل مع الليبيين، ومن خلالهم لنشر العدل، والصدق، والشفافية، والحرص على أموال الناس بدل محاربة من يجتهد، ويعمل بكل طاقته وقدراته من أجل إحقاق الحق في بلد عانت من الظلم والطغيان؟.

هل يطمع السيّد الصلاّبي في حكم ليبيا، وهل سوف يعيدنا إلى عهد الخلافة؟، وهل سوف يقوم بعمليات "التفتيش" في المنازل لمعرفة إن كان الناس يصلّون أم لا، وهل يريد الدكتور الصلاّبي من المرأة الليبية أن تبقى في البيت، وأن لا تقود السيّارة ( كما يفعل الوهابيّون في السعودية)، وبأن لا تذهب إلى المدارس (كما فعل الطالبان في أفغانستان)؟. هل يحلم الدكتور الصلاّبي بعودة الإمارة الإسلامية، وهل يريدنا أن نعلن ولاءنا للحاكم بدون مساءلته على أساس أنّه معصوم عن الخطأ؟. هل يؤمن الدكتور الصلاّبي بالديموقراطيّة، وبالإنتخاب الحر، وبالتناوب على السلطة من خلال صناديق الإقتراع؟. ألم يكفّر الإخوان المسلمون الذين ينتمي الدكتور الصلاّبي إليهم "الديموقراطيّة" على إعتبار أنّها بدعة غربيّة يقصد منها نشر تعاليم مخالفة للإسلام؟.

ثمّ يا دكتور علي الصلاّبي.... دعنا نعود إلى الوراء قليلا: ألست أنت من أعاده سيف القذّافي إلى ليبيا وأنفق على عودتك من أموال أبوه المسروقة... وأنت تعرف ذلك مسبقاّ؟. هل يجوز التصدّق بالمال المسروق؟.

ألم تشكر سيف القذّافي وتنعته بالحكمة، وتشكر والده الذي وافق على الحوار معك بخصوص "الجماعةالإسلامية المقاتلة"؟. ألم تأخذوا الإذن بالعمل في ليبيا تحت شروط معيّنة كتنظيم ل (الإخوان المسلمون) في ليبيا؟. من هو مؤسّس تنظيمكم، ومن أين تأتيكم الأوامر.. هل من داخل ليبيا أو من خارجها بإعتبار أنكم تتبعون تنظيم (الإخوان المسلمون)؟. هل نحن في حاجة إلى تنظيمات إسلاميّة تدعو إلى التطرّف، وتحارب الديموقراطيّة، وتضيّق على الناس كل شئ في حياتهم بدعوى التحريم، والتكفير، والتشكيك، والعلمانية، والبدعة، والبراغماتية، وغيرها من المنغّسات التي تكون دوما من بنات أفكاركم وإجتهاداتكم؟. هل أذكّرك يا حضرة الدكتور المحترم عن أفعال حماس في قطاع غزّة ( إخوان مسلمون)، وعن التدخّل في شئون الناس والتحكّم في كل شئ في حياتهم؟. هل تعلم يا دكتور الصلاّبي بأن حماس في قطاع غزّة هي من تقف في وجه توحيد الشعب الفلسطيني، وتقاوم حماس كل جهد من شأنه تقريب أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والقطاع بسبب نهم إخوان حماس وشبقهم للحكم والتسلّط؟. هل تعلم بأن حماس في غزة تقف الآن ضد مطلب الإعتراف الدولي بدولة فلسطين؟. هل مثل هذا تريدونه أن يحكم ليبيا في المستقبل؟.

ثم... يا دكتور علي الصلاّبي أين كنت موجودا، وماذا كنت تعمل حين كان الدكتور محمود جبريل ينتقل من مكان إلى مكان، يقابل كل ما من شأنه أن يعترف بالمجلس الإنتقالي حين تنكّر له كل العرب - ما عدا قطر-، وكل العالم - ما عدا فرنسا وبريطانيا - .. ألم تكن هناك في قطر تقيم في أفخم الفنادق، وتظهر علينا في كل مساء على قناة الجزيرة وأنت تشكّك في العمليات العسكرية التي كان يقوم بها الناتو من أجل مساعدة ثوّار ليبيا... ألم تشكك حتى في مقدرة الثوّار على حسم المعركة لصالحهم؟. ألست أنت من كان يخيفنا من قوة القذّافي الضاربة، وبأنّه سوف يقوم بتدمير طرابلس بالكامل؟.

ألم تذكر يا دكتور الصلاّبي أنه بينما كان الدكتور محمود جبريل يتنقل بين عواصم العالم يشرح قضيّة بلاده لرؤساء دول العالم "متوسّلا" إليهم أحيانا بغية الإعتراف بالمجلس الإنتقالي... ألم يتمكّن الدكتور محمود جبريل، وبقية زملائه في المجلس الإنتقالي ، والمجلس التنفيذي من الحصول على إعترافات أكثر من مائة دولة من دول العالم بالمجلس الإنتقالي بذلك القدر الذي مكّن مجلس الليبيين الإنتقالي من تمثيل بلادنا الحبيبة في الأمم المتحدة وبترحيب عالمي فاق التصوّر... من الذي حقق كل هذا النصر السياسي للشعب الليبي؟..... وفي المقابل ماذا فعلت أنت يا دكتور الصلاّبي من أجل ليبيا؟.

ألم تذهب خلسة – مثل العاشقة الولهانة – لتقابل سيف إبن الطاغية القذّافي، وممثليه من أمثال أبوزيد دورده، وغيرهم من زبانية نظام الطاغية القذافي؟.

إليك بهذا الملخّص لأخبارك كما ورد حرفيّا في وسائل الإعلام:

{ وفي نفس السياق كشف عضو المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا الدكتور "علي الصلابي" أنه أجرى اتصالات مع ممثلين عن حكومة "القذافي" للبحث عن مخرج سياسي يضع حداً للصراع الدائر منذ خمسة أشهر بين الثوّار وكتائب "القذافي".

وقال في تصريحات نشرتها صحيفة القدس الفلسطينية إنه التقى شخصيات نافذة من النظام أبرزها رئيس جهاز المخابرات الخارجية الليبية "أبو زيد عمر دوردة" ومستشار "القذافي" "أحمد قذّاف الدم" والوزير السابق الدكتور "حسين عقيل" في شكل منفصل. وأوضح أن أهم تلك اللقاءات هو الذي تم في القاهرة "بمشاركة مصرية رفيعة المستوى".

وأوضح "الصلابي" الذي يقيم حالياً في الدوحة ، أن تلك الاتصالات تمت بموافقة رئيس المجلس الانتقالي الدكتور "مصطفى عبد الجليل" ومسؤول الشؤون الخارجية رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي "محمود جبريل". وأوضح أن رفض الحوار مع ممثلي "القذافي" كان موجوداً في البداية أما اليوم فليست لدينا موانع من الحوار مع مساعديه حول آلية الحل السياسي، "لكن الحل ينبغي أن يبدأ من رحيل "القذافي" وأبنائه ونظامه أولاً ثم يُقرر الشعب الليبي كل شيء بعد ذلك". وعلّق قائلاً: "الحوار دليل قوة".

وأضاف أنه سلّم الموفدين الذين اجتمع معهم رسائل خطية إلى "القذافي" وأنها تضمنت التأكيد على أن المخرج السياسي ينبغي أن ينطلق من تنحَيه هو وأولاده وأتباعه عن الحكم. وشدد على أن الإعلان عن هذه الخطوة من خلال اللجنة الشعبية العامة (الحكومة التي تأتمر بأوامر "القذافي") أو مؤتمر الشعب العام (برلمان مؤيد له) لن يُجدي نفعاً، وأن هذا الأمر ينبغي أن يرد على لسان "القذافي" نفسه "ثم نترك للشعب الليبي أن يُحدد خياره".

وألمح إلى إمكانية القبول بهيئة مشتركة من الثوّار وممثلي النظام تُعد للمرحلة الانتقالية، لكن شريطة انسحاب "القذافي" من المسرح السياسي، كما قال. وأكد أن عواصم عدة ذكر منها واشنطن وباريس ولندن على اتصال مع المجلس الانتقالي للبحث في حل سياسي للصراع مُوضحاً أنه "ليست لدينا مشكلة في الحديث مع أي كان".

وشدد على أن الدافع إلى القبول بمخرج سياسي على رغم تقدم الثوار في الميدان هو الحرص على حقن دماء الليبيين في طرابلس وسبها وبني وليد وسرت، "فهم إخوتنا وأبناؤنا ونحن حريصون عليهم حرصنا على سكان المنطقة الشرقية"}... إنتهى الإقتباس.

هل كانت كل مخاوفك في محلّها حين توقعت بأن يقوم الطاغية القذافي بحرق وتدمير طرابلس على سكّانها مما حوّلك إلى "متكالب" على الحوار وفي خلسة بعيدا عن أعين المجلس الإنتقالي الذي قلت بأنك تفاوض بإسمه، وبموافقته في حين كذّب المجلس الإنتقالي أية صلة له بذلك، أو أي تكليف لك للتفاوض نيابة عنه... ثم من أنت حتى تقوم بالتفاوض نيابة عن المجلس الإنتقالي؟.

ألم يكن أكثر وقارا، وإحتراما لك يا دكتور الصلاّبي أن تتجه إلى ربك، وتترك الحكم لمن يفهم متطلباته، وشروطه؟. هل يمنعك أحد في ليبيا من أن تدعو الناس إلى الخير، والتعاون، والأمانة، والصدق، والرحمة، والمواساة، وما إليها من التعاليم الإسلامية السمحاء التي نفهمها كمسلمين بدون الحاجة إلى إبن تيميّة أو إبن كثير، أو محمد عبد الوهّاب ( الوهابية) ليشرحها لنا؟.

وحين تصرّح يا دكتور الصلاّبي بأنك من دعاة الديموقراطيّة.. على من "تدلّس"؟. أليس هو تنظيمكم ( جماعة الإخوان المسلمون) من لا يعترف بتاتا بالديموقراطيّة أو بالإنتخابات على إعتبار أنها بدع غربيّة؟.

أكرر لك ما ذكرت: { دخلت في عهد جديد وعهد ديمقراطي نؤمن فيه بالنقد وبالحرية، ونؤمن بحق الآخرين في أن ينتقدونا، كما أننا نحن أيضا من حقنا أن ننقد ونتحدث ونتكلم، ولن نسمح لقلة قليلة من المتطرفين العلمانيين بأن يُدخلوا ليبيا في نفق جديد أسوأ من الذي أدخلنا فيه القذافي منذ أربعين عاما}..... إنتهى الإقتباس.

من هم هؤلاء "المتطرّفين العلمانيين" الذين تتحدّث عنهم يا دكتور الصلاّبي؟. كيف بربّك يمكن إطلاق كلمة "متطرّفين" على "علمانيين" إن كنت تعرف شيئا يذكر عن "العلمانية" يا دكتور الصلاّبي؟. ألم يكن من الأولى لك أن تتحدّث عن "السلف الصالح" وتبعد نفسك عن الحديث عن "العلمانية" ؟.

العلمانية يا دكتور علي الصلاّبي تعني إستخدام العقل والعلم في تسيير شئون الحياة إن كان فهمك للعلمانية مشوشا كما عكسته تصريحاتك. المسميات الأخرى للعلمانية تشمل "الليبراليّة" والتي تعني "التحررية"، وكذلك "البراغماتية" والتي تعني "الواقعيّة"... لكن العلمانيّة ليس لها إرتباط بالدين على الإطلاق. العلماني قد يكون مسلما صادقا، مسيحيا ملتزما، يهوديّا متحررا، بوذيّا عقلانيا، هندوسيّا لايعبد البقر... كل هؤلاء من الممكن أن يكون علمانيّا بإمتياز إن هو وظّف العلم وإستخدم العقل لتسيير شئون حياته، أو أسرته، أو مكتبه، أو حكومة بلاده، أو منظمة الأمم المتحدة. العلماني هو إنسان تحرري (ليبرالي) يؤمن بأفكار وعلوم العصر كأساس لتسيير الأمور.... ولا يدخل المعتقد الديني على الإطلاق في تعريف العلمانيّة. أنا لا أدعو مطلقا إلى العلمانيّة؛ لكنني أود القول إن إنساناّ بهذا التفكير وبهذا التصوّر لا يمكن له أبدا بأن يكون "متطرّفا" أو "متزمّتاً"، أو "متعصّباً" ذلك لأن مفاهيم العلمانية تتناقض تماماّ مع تلك التصنيفات؛ كما تتناقض الإشتراكية مع الرأسمالية أو - إن شئت - الإمبريالية، وكما تتناقض الشيوعيّة مع التطرّف الديني.

أتمنى بأن تكون الآن قد فهمت معنى "العلمانية" حتى لا تقذف الناس وتتهمهم بالكفرلأنني أنا أؤمن بالعلمانية وأراها ربما الطريقة المثلى لتسيير دولة عصريّة، ونحن في أمسّ الحاجة إلى تطبيق المثال التركي في بلادنا؛ مع أنّني أعتبرنفسي مسلماً بقناعة وإفتخار أعبد ربّي قدر ما إستطعت، لا أؤمن بالتعاويذ، ولا أعترف بالسحر أو السحرة، ولا اؤمن ب"الفال"، أو ضرب الودع، أو قراءة الكف، أو تفسير الأحلام، أو عذاب القبر، أو العشرة المبشّرين بالجنة، أو عودة المسيح، أو المهدي المنتظر، أو علامات قيام الساعة فكل هذه الأمور توجد لها نصوصا قرآنية واضحة لا تحتاج إلى أي تأويل، وقطعا لا تحتاج إلى "علماء دين" لتفسيرها. أنا مسلم أؤمن بدين الله، وأعترف بوجود الله، وأرى الله في كل خليّة في جسمي لأنني طبيب متخصّص سبق لي دراسة تركيبة ووظيفة جسم الإنسان، وتعمقت كثيرا في دراسة مخّ وعقل وتفكير الإنسان، وشعرت بوجود الله في كل مكان ( ترقّبوا هذا الموضع الإليكتروني: http://www.leebia.com/ الذي سوف يطلق في الأيّام القليلة القادمة، والذي سوف يتحدّث عن الإسلام النقي باللغة الإنجليزية بهدف تحسين صورة الإسلام بعد أن قبّحها ولطّخها تنظيم القاعدة، وغيره من التنظيمات "الإسلاميّة" المتطرّفة).

وختاما... أنا أدعو كل الليبيين بأن يكونوا إخوة متحابّين في الله، وبأن يتعاونوا مع بعض، بأن يتخلّصوا من الأنانية وحب الذات، وبأن ينصب تفكيرهم على ليبيا كوطن، وليبيا كبلد، وليبيا كبيت لكل الليبيين.

نحن الآن أيها السادة نمر بمرحلة إنتقالية... إنتقالية.. إنتقالية. بمعنى أن كل من سيحكم ليبيا في هذه الفترة سوف لن يبقى في الحكم، ولن يخلّد، ولن يفرض نفسه على الليبيين بأي شكل من الأشكال. لماذا أيها السادة نتناحر نحن من أجل السلطة في هذا الوقت بالذات؟.

أما بخصوص أولئك الذين يريدون ترشيح الدكتور عبد الرحمن السويحلي لرئاسة مجلس الوزراء فأود أن أطرح بيانهم أمام السادة القراء:

{ ونحن في هذه المرحلة الانتقالية الحساســة والصعبـــة من تاريخ بلادنا الحبيبــــة ليبيا، وبعد ســـقوط حكم الطاغيــة القذافـي وزواله إلى غير رجعة بإذن الله، وشعبنا الليبي العظيم على عتبة الولوج إلى دولة جديدة، دولة ليبيا الحرة الحديثة دولة القانون والدستور والمؤسسات، ونظراً لما تتطلبه هذه المرحلة الانتقالية من إستحقاقات وطنية تتمثل في ضرورة تشكيل حكومة وفاق وطني تمثل كافة أطياف المجتمع الليبي الحر ويتكون أعضاؤها من شــخصيات وطنيــة نزيهــة تمثل نبض الشارع الليبي وتستجيب لتطلعات أبناء هذا الوطن في التأسيس للمرحلة الديمقراطية القادمة بكل حرص وشفافية، وحيث أن الأخ الدكتور عبدالرحمن الشيباني السويحلي هو من الشخصيات الوطنية المعروفة على مستوى الوطن وله تاريخ نضال مشرف ضد الطاغية ونظامه الهالك حيث ساهم هذا المناضل في التصدي للنظام القمعي الفاشي في الداخل والخارج لفترة تزيد عن ثلاثين عاماً وكان له صوت مسموع في أوروبا وامريكيا وجميع انحاء المعمورة، يندد بالدكتاتور ويدعوا الشعبي الليبي إلى الثورة عليه، وقد دفع ثمناً غالياً في سبيل هذا الوطن من وقته وحريته وجهده وماله، عليه فإننا كإتحاد للثوار بمدينة مصراتة المجاهدة نقف بكل قوة مساندين لترشح الدكتور عبدالرحمن السويحلي كرئيس للحكومة الانتقالية وندعوا جميع الشرفاء من أبناء الوطن في مدينة مصراتة وكافة مدن الوطن الحبيب للوقوف معنا مساندين في هذا الموقف الوطني الذي يعلم الله إننا لا نبتغي من وراءه جزاءً ولا شكوراً إلا حرصاً على اللحمة الوطنية وبناء دولة ليبيا الحرة الحديثة دولة القانون والعدل والمساواة}.... إنتهى البيان.

وأودّ أن أقول لإخوتنا في مصراته الذين أكن لهم كل إحترام وتقدير، ولا اعتقد بأنّه يوجد أحد في ليبيا لايفتخر بمصراته وأهل مصراته بسبب بلاء أهل مصراته وثوّارها ذلك البلاء الحسن أثناء عمليّات تحرير مصراته من مخالب الطاغية القذّافي، ومن زبانيته ومرتزقته؛ لكنني أود أيضا أن أقول لأولئك الذين يريدون فرض الدكتور السويحلي على بقية الليبيين ألا يعرف هؤلاء بأننا نمر الآن بمرحلة إنتقالية من أهم معالمها البناء لمستقبل زاهر لليبيا مبني على الحرية، والديموقراطية، والشفافية، وسيادة دولة القانون؟. لماذا يا أهل مصراته تحرقون أوراق إنمتصاراتكم بهذا العناد والإصرار على فرض شخص علينا ؟.

أنا شخصيا لم أسمع عن الدكتور السويحلي، ولم أعرف عنه شيئا من قبل ترشيحه. إذا كان الدكتور السويحي يعتبر من الشخصيات الوطنية فإنني أتوقّع منه في المقام الأول بأن يكون زاهدا في الحكم لا طامعا فيه أو ساعيا إليه مهما كانت المبررات.

أما بخصوص أن يكون الدكتور عبد الرحمن السويحلي من الشخصيات الوطنيّة المعروفة فنعم له بذلك إن كان بالفعل هو كذلك. وأما بخصوص أن يكون الدكتور السويحلي قد ساهم في التصدّي للنظام القمعي في الداخل وفي الخارج لفترة تزيد عن 30 سنة حسب البيان المشار إليه أعلاه فإنني أعيد لأقول بأنني لم أسمع عنه، ولم أسمع عن نضاله مع وجودي في الطرف المضادّ لنظام حكم الطاغية القذّافي منذ عام 1975 حيث شاركت في أوّل مظاهرة علنيّة ضد نظام حكم القذّافي في مدينة بنغازي عندما كنت طالبا في السنة الأولى في كلية الطب هناك. كما أنني شاركت في الكثير من المنتديات الثقافيّة التي من خلالها قمت بإنتقادات علنيّة للطريقة التي كان يحكم بها القذّافي ليبيا، وكتبت الكثير من المقالات المضادة لنظام حكم الطاغية القذافي بشكل مستمر وعلني منذ عام 2001 تواصلا وحتى الآن. أنا لم أستمع إلى أو أقرأ عن الدكتور عبد الرحمن السويحلي، ولم أتعرّف على أي من مواقفه برغم إهتماماتي المستمرّة في هذا الشأن، ومعرفتي لأغلب المعارضين لنظام القذّافي ولو عن طريق الكتابة والمساهمات التقافيّة.

أنا أعرف الدكتور محمد السويحلي أخصائي الأطفال في طرابلس، وهذا كان من أكبر المؤيدين لنظام الطاغية القذّافي، وكانت صوره معلّقة على الحائط بالمستشفى مع الطاغية القذافي عندما قام الأخير بزيارة لمستشفى الجلاء للأطفال بشارع عمر المختار في طرابلس.

هل توجد علاقات قرابة بين الإثنين أو لا توجد ؟... لآ أدري.

المهم.. أننا نحن الآن نمر بمرحلة حرجة في تاريخ بلادنا، وعلينا أن نتكاتف مع بعض، وأن نحاول التقليل من الإحتقان بقدر ما نستطيع ولو تطلّب الأمر بأن يتنازل بعضنا عن الكثير في سبيل الوطن، وفي سبيل أهلنا في ليبيا، وإحتراما للدماء التي سالت فوق تراب الوطن، وتلك الأرواح الغالية التي وهبت في سبيل الحرية بدون السؤال عن أو حتى الإنتظار لأي مقابل.

إذا كان الدكتور محمود جبريل يريد تشكيل حكومة مؤقته بناء على التكليف الصادر له من المجلس الإنتقالي فعلينا جميعا أن نقف معه ونشجعه بدل أن ننتقده ونعمل على تشتيت تفكيره. الدكتور محمود جبريل ( لا أعرفه، ولم أتحادث معه، لا تربطني به أية علاقة من أي نوع) من وجهة نظري يعتبر إنسانا قديرا للقيام بهذه المهمة، وهو يعتبر من المؤهّلين بجدارة لرئاسة الحكومة، وقد برهن في الفترة الماضية – رغم صعوبتها – على أنّه إنسان كفوء، وقادر فلماذا إذا يقف بعضنا في وجهه، ولماذا يحاربه البعض الآخر؟.

بالنسبة لمحاربة الدكتور الصلاّبي له ربما تكون جذورها بسبب بعض المناصب التي كان الدكتور علي الصلابي يطمح في الحصول عليها له ولبقية آل الصلاّبي من أمثال إسماعيل الصلاّبي، وهناك صلاّبي آخر لم أتمكن من تذكّر إسمه. هؤلاء آل الصلاّبي كما علمت يريدون الداخلية، والإعلام، وربما التعليم أيضا؛ وحين لم يتمكّنوا من ذلك قاموا بإعلان الحرب "القذرة" على الدكتور محمود جبريل وبقية زملائه في المجلس الإنتقالي بحجة "العلمانيّة" التي يظنّها الدكتور الصلاّبي "تنظيم متشدد" يحارب الإسلام !!.

ما يقال لكل الليبيين الذين يتنافسون على السلطة في بلد مازالت تعاني من ويلات القتل والتشريد حتى لحظة كتابة هذه الأسطر... أقول لكم إنكم بذلك تعيدون سيناريو حماس وفتح في فلسطين؛ حيث يتقاتل الفرقاء على حكم دولة لم تتشكّل بعد، ولم تحظى بإعتراف دولي... فعن ماذا يتقاتل هؤلاء؟. أظنّها تعود إلى إنحدار في المستوى الحضاري، وغياب في مستوى الوعي والإدراك؛ مع إنعدام كلّي ربما للبراغماتية السياسية التي من أهم أسسها التوافق، والتعامل مع الواقع الموجود على الأرض وليس مع الواقع الإفتراضي... تلك بالطبع تسمّى "الواقعيّة" والتي تعني بكل المفاهيم "البراغماتيّة" التي يحاربها أتباع التنظيمات الإسلامية المتشددة.

ملاحظة أخيرة: كنت في البداية متخوّفا من تصاعد نفوذ بقايا "الجماعة الليبية المقاتلة" والذي تمثّل بكل وضوح في نفوذ السيد عبد الحكيم بلحاج، ورفيقه المهدي الحاراتي؛ لكنني بعد إستماعي إلى الإثنين وكل منهما يعبّر عن أحاسيسه الداخلية، ووجهة نظره في سير الأحداث في ليبيا أحسست بالكثير من الإطمئنان حيث برهن كل من الشابين على أنّهما من أبناء ليبيا المخلصين الذين لاتهمّهم المناصب، ولا تمنعهما إنتماءاتهما الدينية من رؤية ليبيا كبلد للجميع بدون إستثناء، وبدون تغوّل طرف على الآخر.

بالطبع أنا أنتظر مقابلة السيد عبد الحكيم بلحاج مع قناة الجزيرة يوم غد الأربعاء عند الساعة السابعة وخمس دقائق بتوقيت غرينيتش ( في برنامج بلا حدود) وأتمّنى بأن يقول السيد بلحاج كل ما يسر الليبيين، ويخفف من مخاوفهم؛ خاصة بعد إستماعي في نهاية الإسبوع الماضي إلى السيد "نعمان بن عثمان" ( محسوب على الجماعة الليبية المقاتلة) في برنامج العربية "بانوراما" وقد أعجبتني ثقافته، وسعة مداركه،كذلك عمق تفكيره وتحليلاته الواقعية لما آل إليه مصير تنظيم القاعدة، والمستقبل الذي ينتظر هذا التنظيم التكفيري المتشدد الذي يعتبر من وجهة نظري من أكبر من أساء إلى الإسلام منذ الحروب الصليبية؛ بل إنني أجزم بأن الإساءة للإسلام التي قدمتها أفعال تنظيم القاعدة كانت قد فاقت جميع الأضرار التي لحقت بالإسلام من جراء الحروب الصليبية فأولئك كانوا أعداء ظاهرين للإسلام وبإسم المسيحية؛ لكن تنظيم القاعدة كان عدوّا للإسلام من الداخل وبإسم الإسلام وهنا تكمن الخطورة..... ويكمن الضرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك