( العواطف لاتصنع الدول، والآماني لاتبني الغد، والبلد لايحمل همّها إلا أهلها )
لا أحد من الليبيين المخلصين لبلدهم يمكنه أن يقلّل من كم وهم وقوة المشاكل التي تواجه أبناء وبنات الشعب الليبي وهم يقومون الآن بطئ الصفحات الأخيرة من نظام حكم الطاغية القذافي الذي ترك لنا إرثا مليئا بالمشاكل، وبلدا مبعثرا يفتقر إلى أدنى مكونات الدولة، وإنسانا منهكا محطّما وفاقدا للثقة بنفسه وبقدراته بعد ذلك التدمير الممنهج لإرادة هذا الإنسان الذي عاش في ليبيا في عهد حكم الديكتاتور القذافي.
الدولة في تعريفها العام تعني أرض وشعب يصنع حكومة تضبط العلاقة بين الأرض والشعب من ناحية، وبين أفراد الشعب بعضهم ببعض من ناحية أخرى. الطاغية القذافي دمّر الأرض بما في ذلك بنيتها التحتية، وهمّش الشعب بحيث منعه من صنع تلك الحكومة؛ ومن ثمّ فقد ساءت العلاقة بين الشعب والأرض فعمّ الخراب والدمار، وبين أفراد الشعب بعضهم البعض فعمّت الفوضى، وإنتشر الفساد، وعشعشت اللامبالاة في عقول الليبيين وفي تفكيرهم.
كذلك يجب التذكير بأن الليبيين لم يسبق لهم أن مارسوا السياسة في كل تاريخ وجودهم على هذه الأرض، ولم يتعلّموا فن النقاش والحوار الهادئ الذي يتم من خلاله الإستماع إلى رأي وتفكير الغير وتبنّي وجهة النظر المخالفة حين تكون أكثر صوابا.... الليبيون لم يتعوّدوا على ثقافة الإعتراف بالخطأ، أو تحمّل مسئولية التقصير أو حتى الفشل لأنها وللأسف تلك كانت ثقافتنا الموروثة عبر الأجيال.
نعم... فنحن كليبيين لم نتمكّن من المشاركة برأينا، ولم نتعلّم كيف نعبّر عن آحاسيسنا ومشاعرنا، ولم يسمح لنا بالتفكير الحر البعيد عن الضوابط التي كثيرا ما يصنعها لنا غيرنا سواء كان ذلك من أهلنا أو كان ممن سبق وأن حكمونا من بين أولئك الذين جاءوا إلينا من خارج حدودنا.
إذاً.... والحالة هذه؛ فعلينا كليبيين أن نكون واقعيين، وأن نعي بأن التحديات التي تواجهنا هي تحديات كبيرة جدا فيها الكثير من المطبّات وفيها أيضا الكثير من الأشواك. الغد الذي ينتظرنا أيها الإخوة والأخوات يعتبر بكل المقاييس مثقلا بالمشاكل، ومليئا بالهموم، وقد يحمل بين طياته الكثير من المفاجآت التي قد لاتكون سارَة.... ولكن يجب ألاّ يكون ذلك مدعاة للإحباط، أو مصدرا لليأس؛ وإنما دعوة للتفكير، ويقظة للضمير، وشحذا للهمم، ودفعا إلى الأمام فنحن وربما لأول مرة قد نجد أنفسنا نواجه هذه التحديات لوحدنا؛ لكننا يجب أن نكون على يقين بأن ما يتوفّر لدينا من إمكانيات ذهنية، وقدرات علمية، ومؤهلات مهنية، وموارد مادية، وعزائم قوية ربما تكون سلاحنا الذي به نتمكن من قهر التخلّف والإنتقال بكل ثقة إلى الأمام.
لا لرحيل القذافي
كثرت هذه الأيام الأصوات المطالبة برحيل القذافي، وبدأ وكأن رحيل هذا الطاغية يحمل معه المفتاح السحري لحل الأزمة الليبية التي إستعصى حلّها على حلف الناتو، وعلى ما يسمى بالتحالف الدولي.
أن يطالب "المجتمع الدولي" برحيل القذافي ذلك شأن يخصّهم لكنه يجب ألاّ يعنينا نحن كليبيين في شئ ذلك لأن هذا الطاغية كان قد أفسد في الأرض فقتل الإنسان البرئ، وهجّر العقول النيّرة مرغمة خارج بلادنا، وسجن الأبرياء، وسرق أموال الشعب الليبي، وعبث بثروات ليبيا، وأفسد علاقاتنا بجميع شعوب الأرض، وسفّه عقولنا وسخر من تفكيرنا، حجّر على تفكيرنا، حرم شبابنا من الإبداع، إحتكر القرار على نفسه، نزّه تصرّفاته عن الخطأ ورفع نفسه فوق المحاسبة، ألغى القوانين ونشر الفساد عن عمد، أفسد علاقاتنا الإجتماعية وفسق جهارة أمام أعيننا، إنتقى كل المفسدين في ليبيا ليعيّنهم في أكبر الوظائف وشرّع لهم السرقة والرشوة وأباح لهم – بل إنه شجعهم على – أخذ الرشاوي وإشتراط العمولات الكبيرة..... مساوئ القذافي لايمكننا تعديدها أو حصرها لكثرتها وتشعّبها.... ومن هنا علينا كليبيين أن نتساءل: كيف نفكّر كليبيين وليبيات بأن نترك القذافي يخرج من ليبيا مهما كانت المبررات، ومهما كانت الذرائع؟.
القذافي وعائلته سرقوا أموال الليبيين فتعدت ثروة زوجته صفية الثلاثين مليار دولار بالإضافة إلى مالا يقل عن 30000 كيلو من الذهب الخالص قامت بتهريبها من ليبيا مع بدايات ربيع الثورات العربية حين إنتفض الشعب التونسي البطل. هذه الثروات المهرّبة تمكن القذافي وعائلته من العيش كأمراء وملوك طيلة حياتهم فكيف لنا أن نطالب برحيل القذافي وأفراد أسرته عن بلادنا؟.
القذافي يجب أن يبقى في ليبيا إلى أن يتم المسك به وإيداعه السجن ومنها تتم محاكمته أمام كل الليبيين وأمام كل العرب، وأمام كل شعوب الأرض ليكون مثالا لغيره من الطغاة الذين أفسدوا في الأرض مثله.
إسمحوا لي إخوتي وأخواتي أبناء ليبيا الحبيبة بطرح هذا المقترح لكيفية معاقبة الطاغية القذافي بعد مسكه:
1-تتم محاكمة الطاغية القذافي وفق القوانين الليبية وبقضاة ليبيين مشهود لهم بالعدل والإنصاف على أن يسمح له بإختيار من يشاء من المحاميين الليبيين للدفاع عنه ( محاميين ليبيين فقط) بحيث تكون المحاكمة علنية، ويتم إفساح المجال لكل الشهود ولو مدّ ذلك في زمن المحاكمة لسنوات. لابد من كشف الحساب مع هذا الطاغية بدون رأفة ولا رحمة.
2-بمجرد صدور الحكم بالإدانة ( مضمون 100%) تكون العقوبة بسجن مؤبّد على كل قضية يدان فيها. سوف يحصل القذافي على مالا يقل عن 100 سجن مؤبّد حسب تقديري. لا يجب الحكم على القذافي بالإعدام حتى يذوق من الكأس الذي سقى منه الكثير من الليبيين حين كان يحكمهم بشريعة الغاب المسماة ب"التفويض الثوري".
3-بعد صدور حكم المحكمة يوضع القذافي على عربة يجرها حمار تطوف به في كل المدن الليبية لإفساح المجال لكل أبناء وبنات الشعب الليبي للبصق عليه وتعنيفه بحيث يكون ذلك خياريا 100%.
4-إجبار القذافي على حضور دورات تسييسية في مجال الحكم العادل وحقوق الإنسان وإذا نجح في الإختبار عقب كل دورة تسييسية يتم التخفيف من عقوبات الحكم المؤبّد واحدة بعد الإخرى حتى ينتهي بعقوبة مؤبّدة واحده تنفّذ بحذافيرها ولكن لايتم الحكم على القذافي بالإعدام كما أسلفت لأن القتل بالنسبة لطاغية مثل القذافي يعتبر رحمة به. على القذافي أن يمضي بقية عمره معاقبا بوزر أفعاله حتى يموت موتة طبيعية وعندها يتم قذفه في البحر كما سبق له وأن فعلها بالليبيين.
5-تتم محاكمة جميع أفراد أسرته المتبقين على قيد الحياة بنفس الطريقة التي يحاكم بها هو نفسه؛ وكذلك يحاكم كبار رجال أمنه ولجانه الثورية على أن يتم إعفاء كل شخص يتطوّع تلقائيا بمحض إرادته للكشف عن جميع ممارساته الغير قانونية بما يشمل ذلك من سرقة للمال العام على أن يرد المعني جميع مسروقاته لخزينة الدولة بشرط توفّر الصدق في هذا الإطار.
على كل الليبيين بما في ذلك أعضاء المجلس الإنتقالي أن يكونوا على علم بأن الدائرة بدات تضيق على الطاغية القذافي، وبأنه يسرع الخطى نحو الهزيمة النكراء، وعلى أن ثوار ليبيا يحققون إنتصارات جديده كل يوم، وعلى أن أنصار القذافي هم في تناقص مضطرد كل يوم فلماذا أيها الإخوة ننزل من سقف مطالبنا ونحن الغالبون ؟. علينا بإتخاذ موقف حازم وصارم بأننا سوف لن نرضى بترحيل القذافي، ولا أي من أفراد أسرته خارج ليبيا بعد كل الذي عملوه في بلادنا اللهم إلا أن يهربوا كالسرّاق بعيدا عن أعين الثوّار فتلك يمكن تشبيهها بهروب أي مجرم في أي مكان في العالم بحيث يظل مطلوبا للعدالة والإنصاف من قبل المحاكم بما يتطلّب من تعقّبه قضائيا في أي مكان وجد فيه فيتم القبض عليه من قبل البوليس الدولي ( الإنتربول) ليسلّم بعدها لسلطة القضاء فتتم محاكمته.
على كل الليبيين بما في ذلك أعضاء المجلس الوطني الإنتقالي عدم التباحث أو التفاوض في مصير الطاغية القذافي أو مصير أبنائه مهما كانت المبررات، وبأن لايفكّر أحد في ليبيا في إعطاء ضمانة للقذافي بعدم المتابعة القانونية أو الموافقة على ذلك بأي شكل من الأشكال ومهما كانت الضغوطات حتى وإن كان مصدرها أمريكا، أو دول الإتحاد الأوروبي، أو حتى من أصدق أصدقائنا أمير قطر بارك الله فيه لأن هذه القضية هي قضية بالمطلق تهم الشعب الليبي ويجب إعتبارها قضية سيادية لايمكن التنازل عنها أو التفاوض بشأنها.
لا لتكرار سيناريو العراق
على كل الليبيين أن يكونوا على بينة من أمرهم، وهذه رسالة يوجهها كل الليبيين للعالم من حولهم بأن الذي حدث في العراق عام 2003 حين تم القضاء على حكم الطاغية صدام حسين يختلف تماما عما يحدث الآن في ليبيا (عام 2011) حيث سوف يتم القضاء على حكم الطاغية معمر القذافي نهائيا وذلك للأسباب الآتية:
1-أن التغيير الذي حدث في ليبيا كان تغييرا داخليا 100% وبأيدي ليبية وطنية كانت تعيش في داخل ليبيا حين حدوث إنتفاضة 17 فبراير المباركة وقبلها.
2-أن قوات التحالف حين طلب منها مساعدة الثوّار قامت بالموافقة على ذلك على أساس أنها إنما كانت تقوم بمهمة مدفوعة التكاليف من قبل الشعب الليبي متمثلا في مجلسه الإنتقالي الذي لم يشرف على تشكيله أو إختيار أعضائه أي من هذه الدول التي شاركت في الحملة الجوية.
3-أن القوات الدولية أو التحالف الدولي لم تطأ أقدامها أرض بلادنا وسوف بإذن الله لن تطاه أبدا وبذلك فلا يحق لهم التدخّل في شئوننا الداخلية.
4-أن المعارضة الليبية العاملة خارج ليبيا أيام حكم الطاغية القذافي لم ترجع على الإطلاق على ظهور الدبابات الأمريكية أو دبابات التحالف ذلك لأن المعارضة الليبية لم تطلب من أي كان بأن يتدخّل في بلادنا بل إن الطلب جاء من شرعية وطنية كانت موجوده على الأرض قبل طلب المساعدة الأجنبية.
وبناء على كل هذا وغيره يتبين جليا بأن الوضع في ليبيا ليس هو الوضع في العراق ومن ثم فإن الخوف من تكرار مسلسل العراق يعتبر بكل المقاييس لا أساس له من الصحة على الإطلاق.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن من سوف يشرّع للمرحلة القادمة في ليبيا هو المجلس الوطني الإنتقالي بكامل صلاحياته وبمطلق حريته وليس له من محاسب سوى أبناء وبنات الشعب الليبي ( لايوجد مثيلا ل"بريمن" في ليبيا من ربما بإمكانه سن القوانين أو تشريع الدستور، أو التدخّل في الإنتخابات المستقبلية) كذلك فإن مستقبل الحكم في ليبيا سوف لن يكون طائفيا، ولا عشائريا، ولا قبليا، ولا فئويا، ولا تحاصصيا، ولا دينيا؛ بل إن الحكم في ليبيا سوف يكون وطنيا 100% يكون الفيصل فيه المقدرة والخبرة وليس الولاء الفئوي أو الإنتماء الجهوي أو التقوقع الطائفي.
كذلك فإنه يجب التأكيد بأن فكرة "إجتثاث البعث" التي طبقت بكل غباء في العراق سوف لن يحدث مثلها في ليبيا مهما كانت المبررات فأبناء الشعب الليبي سوف لن يحاسبوا على مواقفهم السابقة أو قناعاتهم الفكرية لأن التنوّع الفكري سوف يكون أساس الحكم في بلادنا بإذن الله.
جميع أعضاء اللجان الثورية والكتائب الأمنيه، ورفاق القذافي ومواليد ما سمي بالفاتح، وغيرهم من المنتمين للأحزاب الغير معلنة في عهد الطاغية القذافي ما هم إلا ليبيين وليبيات من حقهم أن يفكروا وأن يجتهدوا وأن ينتموا إلى حيث شاءوا طالما أن الجميع يخضع لسلطة القانون الذي يسنّه الشعب. إن كل من سبق له أن أساء في حق الليبيين يجب أن يحاكم على ما فعل ولا يحاكم على إنتمائه الإيديلوجي أو قناعاته الفكرية فالناس في ليبيا يجب أن تحاسب على أفعالها وليس على إنتماءاتها أو تفكيرها... وليكن هذا واضحا لكل أولئك الذين ربما يخافون من إنتقامات أو ردود أفعال الجماهير الغاضبة حين ينتهي إلى غير رجعة نظام حكم الطاغية القذافي؛ فالشعب الليبي هو بكل المقاييس يعتبر شعبا متحضّرا ومتأدّبا، ويعتبر كذلك مثقفا وواعيا وسوف لن ينتقم هذا الشعب من أبنائه حتى وإن أساءوا؛ بل إن الشعب الليبي سوف يحاسب كل من أخطأ على قدر خطأه وعلى كل من يعرف يقينا بأنه لم يخطئ أن لايخاف المحاسبة التي يقينا سوف تكون عادلة ومنصفة بل ويجب أن يكون فيها الكثير من الرحمة، ويكون فيها الكثير من العطف والحنان؛ فنحن هنا ومنذ السابع عشر من فبراير عام 2011 نتعامل مع أبناء شعبنا على أنهم أبناء الوطن الواحد كإخوة حتى وإن كانوا قد غرر بهم أو أنهم ربما كانوا قد فكّروا هكذا.
إلى اللقاء في الحلقة الثانية من هذه السلسلة بإذن الله.......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك