2025/08/01

تأمّلات جمعاويّة

 كلّما نظر الإنسان حوله ببعض من التأمّل والإستقراء كلّما شعر بأنّ هناك الكثير من الأمور في حياتنا مازالت تحتاج إلى دراسة، وإلى بحوث، وإلى إستنتاجات جديدة وتحديث. الحياة تسير إلى الأمام، وما علينا إلّا أن نسير في ركبها، وأن نساير حركيّتها حتى ننتقل من هنا إلى هناك.

{{هذا الكلام كنت كتبته يوم 01 أغسطس عام 2015م، وكان ذلك في يوم الجمعة. وسبحان الله... لقد ذكّرني به الفيسبوك هذا اليوم الأوّل من أغسطس من عام 2025م، وشاء القدر بأن يكون هذا اليوم هو أيضاً "يوم الجمعة". أتمنّى لكم قراءة ممتعة؛ مع أن الموضوع هو طويل ومنبسط؛ لكنّه من وجهة نظري يعكس نوعاً من التفكير الفلسفي المتجدّد لمن منكم يهتم بملكة البحث في الأمور الصعبة من الحياة}}.
بينما كنت في طريقي إلى العمل هذا الصباح دارت بخلدي الكثير من الأفكار، وذهب بي خيالي إلى أبعاد سحيقة.
بالطبع إنّ ما يشغلني كثيراً هذه الأيّام - وأنا من يحفل كثيراً بالبحث عن تفسير كل ما أرى وأشاهد وأسمع من باب الفضول، وهي عادة ورثتها منذ الصغر ! - هو تلك الإكتشافات العظيمة في عالم الفضاء، وكيف تمكّنت "ناسا" من سبر تلك الأغوار السحيقة والتعمّق في فضاءاتها البعيدة. بمعنى آخر، تمكّنت "ناسا" بعرباتها وسفنها ومركباتها الفضائيّة من النفاذ من أقطار السموات والأرض ووصلت إلى عوالم لم يبلغها الإنسان من قبل وبأي شكل من أشكال التواصل.... يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ}، وبالطبع يمكنني التوقّف عند هذه الآية والتفكير في "لماذا" ذكر الله الجن قبل الإنس في هذا الإطار؛ لكنّني سوف لن أتوقّف هنا، فلديّ أشياء في عقلي أودّ التباحث معه فيها !.
بلغ عدد المجرّات التي إحتسبتها "ناسا" وبقيّة المهتمّين بعلوم وإستكشافات الفضاء ما بين 20 إلى 30 بليون مجرّة، ونحن نعرف بأن كل مجرّة تتكوّن من كواكب ونجوم - أكبرها وأقربها تسمّى شمساً - تعوم كلّها في فضاء بعيد ولا متناهي يسمّى "سماء".
من هذا المنطلق يمكننا القول بأن عدد السماوات قد يصل إلى 30 بليون سماء وربّما مثلها من الكواكب الشبيهة بالأرض تكون بمثابة أراضٍ لتلك المجرّات، وهنا عادت بي الذاكرة إلى قول الله تعالى في القرآن الكريم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، وكذلك قوله: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقً}، وكذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً}، وقوله: {وَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}... من هنا نلاحظ تكرار عدد السماوات بسبع ليس أكثر.
فكيف يمكن التوفيق بين ما توصّل إليه العلم وما ذكره الله في القرآن الكريم؟. هذا سؤال يجب البحث فيه لا الهروب منه، وإن عجزنا في إيجاد العلاقة بين مفرزات العلم وإفادات الرب فعلينا أن نترك الموضوع مفتوحاً للبحث بدون التسرّع في الحكم لصالح هذا الجانب أو ذلك.
دعونا أوّلاً نحاول التعرّف على "السبعة" العدديّة من حيث أهميتها وتداولها ومدلولاتها؛ فهذا الرقم يبدو أنّه توجد له أهمية وقدسيّة عند الخالق: فهناك بكل تأكيد سبعة أيّام، وسبعة سنابل، وسبعة ألوان للطيف، وفي قصص الأوّلين يقول الله تعالى:{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}، وفي القصص القرآني أيضاً ذكرت السبعة في قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً}، وعن أبواب الجنّة ورد الرقم سبعة أيضاً في قوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}، وذكرت في القرآن سبعة أبحر: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.... إذا بكل تأكيد فإنّ لهذا الرقم قدسية معينة عند الرب، ومهما حاولنا البحث فيها أو تفسيرها أو ربطها "بما توصّل إليه العلم !" فإننا يقيناً سوف لن نعرف المدى الحقيقي الكامن وراء ذكر هذا الرقم ومدلولاته عند الله... فلنفكّر ونتصوّر ونتدبّر ونبحث ونجتهد في هذا الرقم، لكن من باب الإنصاف والعدل والإيمان أيضاً... علينا ترك المعنى الحقيقي لله، فنحن لا نعلم تأويل مقاصد الخالق.
عبارة "البحار السبعة" تداولها الإنسان منذ عام 2300 قبل الميلاد حيث وردت في مخطوطات الحضارة السومرية، ثمّ إستمر تداول الناس للبحور السبعة حتى ألصقت بها الكثير من الخرافات والطقوس، وحوّل الناس هذا الرقم إلى ما يشبه العبادة أو التعبّد.
وفي عهد الإسلام لم يخل الأدب العربي والإسلامي من التبرّك بالرقم 7، وكان من بين من كتبوا عن الرقم 7 في القرن التاسع المؤلف والمؤرخ المسلم أبو العباس اليعقوبي حيث كتب:
"من أراد الذهاب إلى الصين في البحر قطع سبعة أبحر، كل واحد له لونه الخاص ورياحه وأسماكه ونسيمه، عكس البحر الذي يليه. فأولها بحر عرب الذي يركب فيه من سيراف، وآخره رأس الجمحة، وهو ضيق فيه مغائص اللؤلؤ. والبحر الثاني الذي مبتدأه من رأس الجمحة يقال له لاروي، وهو بحر عظيم، وفيه جزائر الوقواق، وغيرهم من الزنج، وفي تلك الجزائر ملوك، وإنما يسار في هذا البحر بالنجوم، وله سمك عظيم، وفيه عجائب كثيرة وأمور لا توصف. ثم البحر الثالث الذي يقال له هركند، وفيه جزيرة سرنديب، وفيه الجوهر والياقوت وغيره، ولها جزائر فيها ملوك، ولهم ملك عليهم، وفي جزائر هذا البحر الخيزران والقنا. والبحر الرابع يقال له كلاهبار، وهو بحر قليل الماء، وفيه حيات عظام، وربما ركبت الريح فيه، فقطعت المراكب، وفيه جزائر فيها شجر الكافور. والبحر الخامس يقال له سلاهط، وهو بحر عظيم كثير العجائب. والبحر السادس يقال له كردنج، وهو كثير الأمطار. والبحر السابع يقال له بحر صنجي، ويقال له أيضاً كنجلى، وهو بحر الصين، وإنما يسار فيه بريح الجنوب، حتى يصيروا إلى بحر عذب عليه المسالح والعمران، حتى ينتهوا إلى مدينة خانفو."
في هذا المقال يوضح البحار السبعة المشار إليها في الأدب العربي في القرون الوسطى :
الخليج العربي ("بحر عرب")
خليج كمبات ("بحر لاروي").
خليج البنغال ("بحر هركند").
مضيق ملقة ("بحر كلاهبار").
مضيق سنغافورة ("بحر سلاهط").
خليج تايلند ("بحر كردنج").
بحر الصين الجنوبي ("بحر صنجي").
وتشير البحار السبعة في الأدب الأوروبي في العصور الوسطى إلى البحار التالية:
البحر الأبيض المتوسط، يشمل بحاره الهامشية ولا سيما بحر ايجه.
البحر الأدرياتيكي.
البحر الأسود.
البحر الأحمر، بما في ذلك البحر الميت المغلق وبحيرة طبريا.
بحر العرب (والذي هو جزء من المحيط الهندي)
الخليج العربي.
بحر قزوين.
وعلم الجغرافيا الحديث يحدد المسطّحات المائية (البحار) بمائة مسطّح، ويبلغ عدد المحيطات في العالم خمسة محيطات هي: المحيط الهندي، المحيط الهادي، المحيط الأطلسي، المحيط المتجمّد الشمالي، والمحيط المتجمّد الجنوبي.... مع أن المحيطات في واقع الأمر هي عبارة عن كتلة مائية شاسعة ومتواصلة، ومن ثمّ فهي عبارة عن محيط واحد كبير وعظيم وواسع، وتلك هي نفس التوصيفة للسماوات، فهي سماء واحدة رغم كبرها وظاهرية تعددها.
وعودة إلى عالم المجرّات وعددها حسب أبحاث العلماء (علماء الفلك وليس علماء الدين !)، فربّما تكون أعداد هذه المجرّات بعيدة عن الحصر، وقد نكتشف يوماً ما بأنّنا نعيش في عالم لامتناهي.... ومهما كان من أمر، فهذا هو عالم الله الذي كثيراً ما تحدّى به البشر في الكثير من المواضع منها على سبيل المثال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.
ومهما يكن من أمر، فأين يأتي التناسق بين ما ذكره الله من سماوات سبع وتوابعها من الأراضي والتي ذكر عددها بعدد السماوات السبع؟. هذا الأمر قد يذهب بنا إلى إلقاء نظرة تدبّر على المجرّات التي تعني سماوات ونجوم وكواكب من بينها الأرض... بمعنى أن لكل مجرّة أرض، وربّما في كل أرض حياة:{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}، وقوله {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ}.... ومن فيهنّ، وليس ومن فيها (الأرض).
السؤال الذي سوف يكرّر نفسه في كل مرّة يتم فيها ذكر عدد المجرّات بسماواتها، هو بخصوص الإختلاف في عددها عند الله، وفي عددها عند العلماء.
هناك تفسير آخر ورد بمخيلتي هذا الصباح وأنا أتدبّر خلق الله، وأحاول التوفيق بين علم الله وعلم الإنسان، فحاولت تفسير السماوات بأنّها في واقع الأمر سماء واحدة شاسعة وكبيرة وسحيقة وهي عبارة عن إنعكاس للضوء في الفضاء الفسيح، فلا توجد في الواقع سماء ملموسة ولا توجد طبقات، ومن هنا فالمقصود في القرآن قد لا نفهمه وقد لا نعرف تأويله مهما إجتهدنا، وعلينا الإعتراف بذلك. يقول الله تعالى:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.... بمعنى، أن الراسخين في العلم حينما لا يتمكّنوا من تفسير القرآن بما توصّل إليه العلم الحديث عليهم أن يؤمنوا بقناعة مفادها أن تأويل كلام الله لا يعلمه إلّا هو، وعلى من تبحّر في العلم أن يأمن به كما هو بدل الدخول في متاهة التشكيك.... مع أن البحث في عالم الرب مطلوب، ولا مانع في هذا المجال من التشكيك والبحث عن اليقين من خلال ذلك... قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. هنا نلاحظ كيف أن سيّدنا إبراهيم بعلوّ قدره وبمكانته عند الله وبقوّة إيمانه... نلاحظ أنّه برغم كل ذلك، إنتابه الشك... حاول توضيح أو تأكيد أو التأكّد من أشياء كانت تدور في خلده. نلاحظ أيضاً أن الرب إستدركه بسرعة وعرف مقصده: "أولم تؤمن".... ويحك ؟!!.
هذه الآية بالتحديد تعطينا الإذن بأن نفكّر في كل شئ، وأن نشكك في كل شئ، وأن نحاول البحث عن برهنة كل شئ. المهم أنّنا في نهاية الأمر ومهما كانت نتائج بحثنا يتوجّب علينا أن نعترف بأن علمنا مهما بلغ من التعمّق فهو متواضع وبسيط وبدائي قياساً بعلوم مملكة الرب، ومن ثمّ يتوجّب علينا الإعتراف بذلك وتذكير أنفسنا به حتى لايصيبنا الغرور فنتنكّر لما حولنا.... جمعتكم مباركة.

2025/06/28

أكرّرها وباليقين... هم متقدّمون ونحن عنهم متأخّرين

حينما تنظر حولك بعيون مفتوحة وبعقل متدبّر فإنّك بالفعل تستطيع أن تتعرّف على مداركك ومعالم وحدود تفكيرك. لقد وهبك الله عقلاً بالغ القدرات، وطلب منك بأن تستخدمه... فلا تتردد، ولا تخاف، ولا ترتكن. 


اليوم هو أوّل أيّام السنة القمريّة(الهجريّة) لعام 1447هـ؛ لكنّني بصدق وبصراحة لا أجد ما يدفعني للإحتفال. إنّه عام الإنكسار والهزيمة بالنسبة لنا كعرب وكمسلمين.
وأعود للموضوع الذي وددت كتابته في هذا اليوم... بغض النظر عن إنطباعاتنا وإستنتاجاتنا بخصوص ما حدث بين إيران ودولة الصهاينة في تلك الإثنى عشرة يوماً النحيسة والتعيسة. هناك من يحسّ بالرضاء، وهناك من يحسّ بالتأسّي، وهناك من بالفعل يحسّ بالإنكسار والهزيمة لنا كلّنا كعرب وكمسلمين. أنا شخصيّاً أراها هزيمة كبرى، وإنكساراً لم يسبق لأمة الإسلام أن عانت مثيلاً له في كل تاريخها. لقد إنهزمنا ولا غرو في ذلك؛ لكن أن تهزمنا دولة الصهاينة فذلك من الصعب هضمه أو السكوت عليه.
دعونا نتحدّث عن الأرقام... 1800 مليون مسلم ومسلمة في كل العالم هزمهم 18 مليون يهودي. كل يهودي واحد يعادل 100 عربي أو مسلم، وهذا بالفعل أجاب على تساؤلي القديم: كيف كانت تبادل حماس كل صهيوني محتجز بمائة فلسطيني محتجز؟. أنا الآن قدرت على فهمها... إنّها وللأسف أصبحت معادلة سليمة. كل يهودي واحد يساوي مائة مسلم أو مائة عربي.. إنّها كارثة بالمعنى الصحيح.
الذي نعرفه ونحسّ به هو أن دولة الصهاينة كانت بالفعل قد باغتت إيران بنفس الطريقة... حرفيّاً بنفس الطريقة التي باغتت بها "حزب الله" اللبناني، وعلى أنّها في مباغتة حزب الله كانت قد إغتالت كل قوّاد الصف الأمامي بما فيهم بالطبع الأمين العام والقائد الفعلي لحزب الله السيد "حسن نصر الله" رحمه الله. تكرّر نفس المشهد حرفيّاً مع إيران، وإستطاعت دولة الصهاينة في هجمة واحدة قتل 20 من أفضل القادة العسكريين؛ من بينهم أربعة علماء ذرّة. السؤال هنا الذي يجب أن يسأله كل متحكّم في الشآن الإيراني هو: لماذا سمحت القيادة في إيران للصهاينة بتكرار حدثاً كان قد وقع منذ 9 أشهر وأمام العلن؟. هل بالفعل سأل قادة أيران أنفسهم ذلك السؤال، وهل بالفعل تم توجيه اللوم لأية جهة قياديّة في إيران، وتحميلها المسئوليّة عن ذلك الحدث الجلل والمخجل والمحبط؟.
أعود هنا إلى الواقع، وأحاول الإنطلاق من وحي العقل، وأستدرك ملكة التفكير... لقد حان لنا نحن العرب والمسلمين بأن نخرج من الحفر التي وضعنا أنفسنا في داخلها. لقد آن لنا بأن نخرج عن صمتنا، وأن نتنكّر لواقعنا المخزي، وأن نعترف بهزائمنا وإنكساراتنا. ذلك يعني أنّنا بالفعل وبجد وبصرامة لابد لنا من أن نحاسب أنفسنا، ولابد لنا من البحث الجدّي عن أسباب هزائمنا، ولماذا نحن متأخّرون عن غيرنا؟.
لابد لنا من أن نعترف بأنّنا من بين الشعوب المتخلّفة، والمغلوبة على أمرها، والتي لا تقدر على حماية مواطنيها والذود عن أراضيها في نطاق حدودها المعترف بها دوليّاً. لابد لنا من أن نعترف بأنّنا بالفعل نضطهد شعوبنا في عالمنا العربي والإسلامي، وبأن من يحكمنا هم بالفعل يفرضوا أنفسهم علينا بقوّة الطغيان والجبروت. نحن في عالمنا العربي والإسلامي نفتقر إلى "الديموقراطيّة" التي مكّنت غيرنا من الإنتصار علينا، والتي جعلت من أمريكا سيّدة العالم، ومن دولة الصهاينة سيّدة كل الشرق الأوسط. الديموقراطيّة هي من نصرهم وغيابها هو من هزمنا. لابد ولابد لنا من أن نعترف بذلك صراحة وبكل شجاعة. ما يتبع ذلك سوف يكون أيسر كثيراً من موضوع الإعتراف بديكتاتورية السلطة في بلداننا.
حينما نعترف بأن حكّامنا هم سبب هزائمنا، وعلى أنّهم سبب تأخّرنا، وبأنّهم سبب إذلالنا وإعتمادنا على غيرنا.. وقتها قد تكون الأمور واضحة أمام شعوبنا لتخرج عن صمتها، وتنهض من سباتها العميق.
الذي حدث أخيراً بين إيران ودولة الصهاينة هو تأكيداً لإنتصار العلمانيّة على السلطة الدينيّة، وعلى أن شيوخ الدين عندنا كانوا قد إنهزموا بالعلمانيين عندهم، وعلى أن شيوخ ديننا عليهم بأن يبتعدوا عن أنظمة الحكم في بلداننا، وأن يلزموا جوامعهم ويصلّوا لربّهم، ويكتفوا بدعوة ربّهم ليفتح أبواب الجنّة أمامهم.
شيوخ ديننا هم من خلق الفتنة والتخاصم بيننا. شيوخ ديننا هم من خلق السنة والشيعة، وهم من خلق لنا المذاهب التافهة، وهم من أجّج العداء بين شعوبنا. شيوخ ديننا هم وهم وحدهم من جعل إيران أكبر عدو لنا نحن العرب، وأشد عداء من دولة الصهاينة. شيوخ السعودية المتخلّفون والإغبياء هم من زرع بذور الفتنة بيننا، وهم من أكثر من التحدّث عن إيران الشيعية، وإيران الإثنى عشريّة، وينعتونها بأنّها بلداً كافراً، وعلى أنّها العدو اللدود لأتباع السنّة.
إستغلّت دولة الصهاينة ومن ورائها أمريكا العداء بين بلدان الخليج (الوهابيّة المتخلّفة) وبين إيران؛ بأن أقنعوا حكّام الخليج الذين يحكمون بلدانهم بدون إختيار أو إرادة أو رغبة شعوبهم بأن عدوّهم اللدود هو إيران وليس "إسرائيل"، وعلى أن إيران ترغب في إعادة السيطرة الفارسية على كل منطقة الجزيرة العربيّة.
وبالفعل... نجحت تلك الدعايات المفبركة والمقصودة في بعث الخوف والإرتعاب عند حكّام العرب والكثير من رعاياهم في كل منطقة الخليج، وكان أنّهم إستنجدوا بأمريكا كي تحميهم، وتحافظ لهم على عروشهم القبيحة. وإندفعت بعض دويلات الخليج نحو إقامة علاقات مصيرية مع دولة الصهاينة تحت مسمّى "الدين الإبراهيمي"، وتسعى أمريكا اليوم لفرض ذلك التوجّه على بقية دويلات الخليج لتتمكّن دولة الصهاينة بالفعل من فرض إرادتها وسيطرتها على كل المنطقة من خلال حلم "دولة إسرائيل الكبرى"... حكّام الخليج الأغبياء لم يقدروا على تصوّر ما ينتظرهم لأنّهم وللأسف يفتقدون إلى أية بصيرة، وينتظرون من أمريكا كي تحمي لهم عروشهم من خلال قواعدها العسكريّة المنتشرة في كل بلدانهم.
يدير الأمريكيّون اليوم أكثر من 19 قاعدة عسكريّة دائمة أو مؤقتة في منطقة الخليج العربي. هناك 8 قواعد أمريكيّة دائمة تقع في البحرين، والعراق، والأردن، والكويت، وقطر، والسعودية، والإمارات؛ وتعتبر قاعدة "العُديد" الأمريكيّة في قطر أكبر قاعدة أمريكيّة في كل المنطقة، وهي كانت قد بُنيت في عام 1996م على مساحة تبلغ 24 هكتارًا، وتتسع لنحو 100 طائرة وطائرة مسيّرة، ويتمركز في هذه القاعدة أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي، وهي مقر القيادة المركزية الأمريكية في كل منطقة الشرق الأوسط.
وتُقدر أعداد القوات الأمريكية المتمركزة في منطقة الخليج بأكثر من 30 ألف جندي، وتعتبر هذه القوّات جزءاً من إستراتيجيّة الردع والدعم العمليّاتي في المنطقة؛ إلى جانب أصول عسكرية ضخمة تشمل القاذفات، السفن، أنظمة الدفاع الجوي، ومراكز القيادة.
وختاماً... يا عرب ويا مسلمون أنتبهوا إلى أنفسكم، وأنظروا إلى إحتياجات بلدانكم وشعوبكم، وتحضّروا... فإن الغد هو ليس لكم إن أنتم إستمرّيتم كما أنتم. فكّروا اليوم قبل غدٍ، وتعلّموا من هذه الحرب المدمّرة بين جارتكم وشقيقتكم إيران، وبين دولة الصهاينة عدوّتكم الحقيقيّة، ومعها أمريكا التي تحتمون بها للدفاع عنكم. إنتبهوا إلى أنفسكم يا أيّتها الشعوب المغلوبة على أمرها، وتذكّروا بأن غيركم سوف لن يحميكم، بل سوف يستغلّكم ويضحك عليكم بعد أن يحلبكم ثم يهزمكم.
مدّوا أيديكم إلى إيران، وأنظروا إليها على أنّها جارتكم، وإتركوا خلافاتكم المذهبيّة التي كان شيوخكم قد صنعوها لكم بغباء منهم وليس نكاية أو تشمّتاً فيكم. تصالحوا مع إيران، وتعلّموا من خبراتها العلمية، دعّموها بأموالكم بدل إرسالها لأمريكا، إصنعوا أسلحتكم بأيديكم، إصنعوا قنابلكم الذريّة في داخل بلدانكم وبأدمغة أبنائكم وبناتكم، وأعلنوها واضحة وشجاعة ومجلّية بأنّ القنبلة الذريّة طالما ملكها غيركم فهي حقّاً لكم لا يحق لأيّ مخلوق بأن يمنعكم من تصنيعها وإمتلاكها وإستخدامها متى تعرّض أمنكم للخطر. يومكم سعيد.

2025/06/14

نتن ياهوه الخسّيس أهدته إيران نصراً رخيص

حينما نستخدم عقولنا وبجد نفكّر؛ نستطيع أن نميّز بين النقي والمتعكّر. علينا دوماً بأن نسأل: لماذا، وكيف، ومتى... حتى نتعرّف على معالم طريقنا كما يتوجّب. 

مازلت إلى هذه اللحظة لم أتمكّن من فهم ما كان ألمّ بإيران في الليلة ما قبل الماضية. ضربة قويّة ومدمّرة وقاصمة... وبالفعل كانت ضربة فتّاكة.
نحن نعرف بأن العلاقات بين إيران ودولة الصهاينة لم تكن جيّدة في أيّ وقت، وربّما منذ سقوط نظام الشاه التابع للغرب والمدعوم من الغرب.
كانت علاقات إيران قد بلغت أسوأ حالاتها منذ عمليّة حماس في 7 أكتوبر عام 2023م، وبقيت في حالة ترقّب وإستنفار منذ ذلك اليوم وحتى اليوم.
كانت دولة الصهاينة قد ضربت إيران يوم 26 أكتوبر 2024م، وردت عليها إيران بإطلاق بعض الصواريخ... وإنتهى كل شئ حينها برغم كل التهديدات الإيرانية العنيفة.
لم تقدم إيران من حينها على مهاجمة الصهاينة، وبقيت هكذا صامتة وساكته وبعيدة عن الأوضاع بعد أن فقدت "حزب الله" في لبنان، وأنصارها في سوريا. تنازلت إيران بكل بساطة عن سوريا، وقد نعذر تنازلها عن "حزب الله" بإعتبار أن الوضع في لبنان يعتبر معقّداً بعض الشئ في هذا الإطار.

وعودة إلى الموضوع.... ضربت دولة الصهاينة إيران في العمق، وبقسوة كبيرة. إستخدمت دولة الصهاينة كل ما توفّر لديها من علوم تقنية ومخابراتيّة لإلحاق أكبر هزيمة لإيران بضربة واحدة. كان ما حدث في إيران صباح الجمعة شبيهاً وإلى حد كبير لما حدث لحزب الله يوم 28 سبتمبر 2024م؛ حينما تمكّنت دولة الصهاينة بعمليّة واحدة من قتل "السيّد حسن نصرالله" والكثير من قادة المواجهة في الحزب بضربة مفاجئة واحدة، ومن حينها لم يتمكّن حزب الله اللبناني من إعادة أنفاسه، وبالفعل تمكّن الصهاينة من قفل جبهة "حزب الله" نهائيّاً... وربما إلى الأبد.
إيران لم تتعلّم الدرس، ولم تنتبه لقدرات دولة الصهاينة المخابراتيّة والتكنولجيّة، ومن أكبر المرجّح بأن إيران كان قد تم خداعها بتلك "الوثائق السريّة" التي أعلنت عنها منذ يومين، وكانت إيران قد نشرت واحدة منها تبرهن على أن أحد أفراد لجنة التقصّي التابعة للطاقة الذريّة كان يتعامل مباشرة مع دولة الصهاينة. نشرت إيران تلك الوثيقة من التباهي والترفّع وهي حينها لم تكن تعرف بأن كل شئ كان مفبركاً، ومحبوكاً ومبرمجاً، وعلى أن تلك الوثائق التي تحصّلت عليها إيران كانت في واقع الأمر فخّاً صهيونيّاً لإيران حبكه رجال المخابرات الصهيونيّة بكل ذكاء وبكل عناية حتى تمكّنوا من تمريره على أجهزة المخابرات الإيرانيّة بدون أن تنتبه تلك المخابرات إلى ما وراء الحدث حينها.
المهم... أن دولة الصهاينة تمكّنت بذكائها وخبرتها من الوصول إلى كل أعضاء الصف الأمامي في الجيش الإيراني، وفي جهاز المخابرات، والأهم في البرنامج النووي الإيراني. بعد التعرّف عليهم جميعاً قامت بقتلهم بضربة واحدة بشكل - بالفعل - يجعل كل عاقل يتوقّف ويقكّر ويسأل بكل براءة: كيف تمكّنت دولة الصهاينة من الضحك على قادة إيران بتلك السهولة وبذلك النجاح الكبير.... الكبير جداً ؟.
أعتقد من ناحيتي أن الإجابة واضحة، وأن التفسير لا يحتاج إلى الكثير من التخمين: دولة الصهاينة هي - قبلنا أم تنكّرنا - دولة ديموقراطيّة، ويحكمها بالفعل خيارها، ويخطط لها متعلّموها. في المقابل نجد في الجانب الآخر "إيران" حيث الوضع يختلف تماماً. فإيران يحكمها ويسيطر عليها "المرشد الأعلى" منذ عام 1976م بعيد ثورة "ألخميني" وإنشاء نظام "المرشد الأعلى".
بكل تأكيد فإن "المرشد الأعلى" هو الفاتق الناطق في إيران، وهو صاحب كل السلطات العليا في البلد، وهو غير منتخب من الشعب، ومع ذلك فإن كل البقية في سلطة إيران هم أتباع مطيعين له بدون حق الإعتراض أو الإنتقاد أو الإختلاف.
نحن هنا نتحدّث عن الصراع بين الديموقراطيّة الحقيقيّة وبين الحكم الفردي بغض النظر عن تلك الإنتخابات الصوريّة، وبغض النظر عن وجود رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء وربما برلمان يقال بأنّه منتخب. وهنا أستطيع أن أقولها وبكل قوّة بأن ما حدث صباح الجمعة 13 يونيو 2025م بين دولة الصهاينة وإيران كان بالفعل وبالعقل وبالمنطق يعبّر عن إنتصار "العلمانيّة" على "السلطة الدينيّة".... ليلتكم سعيدة.