2025/10/24

دولة مدنيّة بأيدي وعقول 100% ليبيّة

إن توفّرت النيّة الصادقة، وتواجد الحسّ الوطني الغيور؛ فإنّ حل المشكل الليبي هو بالفعل من أيسر ما يمكن... وبالإمكان تاسيس دولة ليبية وطنيّة وتابعة بالكامل لكل أهلها بدون أية تدخّلات خارجيّة مهما كانت تسمياتها، ومهما كانت إنتماءاتها

بدون أية مخاوف أو تعقيدات، ومن خلال معرفة تامّة للواقع الليبي؛ فإنّ الحل في ليبيا هو بالفعل وبالفعل أسهل بكثير ممّا نتوقّع.
الحل في ليبيا هو ليبيّ وبإمتياز؛ ولا وجود لمنظّمات دولية أو أممية في حل المشكل الليبي. المنظّمات الدوليّة لا تحل مشاكل الدول، وإنّما تعقّدها وتشعّبها بشكل يجعلها صعبة الحل. الأمثلة عندنا في الصومال، وفي أفغانستان، وفي العراق.
الحل في ليبيا هو بالفعل بسيط وبسيط جداً:
  1. تواصل قوّات الجيش الحقيقية في الشرق والغرب والجنوب، والإتفاق على تأسيس الجيش الليبي من جديد.
  2. في الوقت الراهن الإبقاء على المشير خليفة حفتر وأبنائه في قيادة الجيش على شرط أن تعتبر تلك كمرحلة مؤقّتة لا تتعدى السنة الواحدة.
  3. بعد توحيد الجيش وإنتشاره الواضح على كل التراب الليبي؛ يطلب الجيش من كل المليشيات المسلّحة تسليم سلاحها للجيش في مهلة زمنية لا تتعدّى الشهر.
  4. يقوم الجيش بتشكيل حكومة مدنيّة محترفة مؤقّته؛ تكون مهامها إعادة كل شئ في البلاد إلى وضعه الطبيعي.
  5. يقوم الجيش بتكليف هيئة وطنيّة مدنية محترفة تقوم بدراسة صيغ الدستور المطروحة، وكتابة دستور للبلاد يجهّز للتصويت عليه من كل الشعب الليبي.
  6. بعد 6 أشهر كاملة تكون البلاد... كل البلاد منضبطة وحدودها آمنة، ويكون الجيش الليبي هو المسيطر على حدودها، وجهاز حديث للشرطة هو من يتحمّل كل مسئوليات الأمن الداخلي وسلامة المواطن.
  7. يتم طرح مشروع الدستور المستحدث لإنتخابات وطنية في كل أنحاء ليبيا بهدف الحصول على 51% من أصوات الشعب بالموافقة.
  8. بعد الإنتهاء من تفعيل الدستور يأمر الجيش بالبدء في الإستعداد لإنتخابات وطنية في كل أنحاء ليبيا؛ وذلك بإنتخاب رئيساً للبلاد، وبرلماناً وطنيّاً.
  9. تجري الإنتخابات في كل أنحاء ليبيا في الشهر العاشر والحادي عشر من إستلام الجيش للسلطة.
  10. يتم التسليم الطوعي والآمن للسلطة من أيدي الجيش للجهات المنتخبة، ويبقي الجيش والشرطة محافظين على أمن وسلامة البلد.
تلك النقاط العشر هي ليست مستحيلة على الإطلاق، وهي بالفعل ممكنة وواقعيّة بشرط أن تسلّم ليبيا كل ليبيا للجيش الوطني بقيادة المشير حليفة حفتر في بداية المرحلة الإنتقالية، ولمدة سنة واحدة غير قابلة للتجديد كما ذكر أعلاه. يومكم سعيد، وجمعتكم مباركة.

2025/10/14

 بالتفكير والإحتساب يمكنك كسر دائرة الخوف والإرتعاب(1)

كانت مريضتي بعيادة الأمس تعاني من مرض "الشقيقة" Migraine، وكانت من بين أولئك الذين يتعالجون بحقن "البوتوكس"، ويحصلون على نتائج بالفعل باهرة في هذا المجال.
البروتوكول العالمي لحقن مرضى الشقيقة يرجع إلى نتيجة بحثيّة في عام 2010م؛ حيث تمكّن الباحثون وقتها من رسم خريطة علاجيّة تتركّز على حقن 31 منطقة حول الرأس والرقبة من جانب الكتفين، وكانت نتائج عملهم البحثي رائعة(كما يقول ترامب !!)، ومن حينها تم إعتماد تلك الخريطة الحقنيّة عالميّاً، وأصبحت اليوم تتبع في أغلب مراكز علاج مرض الشقيقة في العالم.
المهم أنّني أنا كنت قد تحصّلت على أرفع وسام في بريطانيا لعلاج أوجاع الرأس، والشقيقة على وجه الخصوص في عام 2009م حينما كان "البوتوكس" وقتها لم يستخدم بعد في علاج هذه الآفة التي تصيب أعداداً هائلة من البشر في كل أنحاء العالم، وأغلبهم من الشابّات من النساء في عمر 15-40 سنة؛ ويرجّح بأنّها بسبب فوران هرمون "الإستروجين" في تلك الحقبة الزمنية من عمر المرأة.
في عام 2011م حضرت مؤتمراً عالميّاً في لندن كان مخصّصاً لإستخدام "البوتوكس" في علاج "الشقيقة" بناء على خلاصة النتائج البحثيّة المشار إليها أعلاه. حضر ذلك المؤتمر أفضل معالج لهذا المرض بالإعتراف العالمي؛ وهو أستاذ إستشاري في مرض الأعصاب من أستراليا، وكان كل من حضر يعتبر من أفضل الخامات الطبيّة في هذا المجال، وكان جلّهم من مستشاري مرض الأعصاب.
المهم أنّه في صباح ذلك اليوم؛ كان كل المتحدّثين من كبار الإستشاريين - وهم بالطبع يجلسون في المقدّمة، بينما كنت أنا من بين أولئك "دوب الحال" الذين يجلسون في الصفوف الخلفيّة.... تلك هي سنّة الحياة !! - كان كل المتحدّثين في الفترة الصباحيّة الأولى(09:30 - 11:00) يتكلّمون عن الطبيب الأخصائي، وعن الممارس العام، وعن الصيدلاني كأطراف مهمّة في علاج "الشقيقة"، وكان كل متحدّث يركّز على تنمية علاقات جيّدة، ومتعاونة، ومتكاملة بين تلك الأطراف الثلاثة للحصول على أفضل علاج لمرض الشقيقة.
عند تلك الأثناء، وفي تمام الساعة الحادية عشرة... أي قبيل فترة الإستراحة لتناول بعض المرطّبات؛ شعرت أنا بالفعل بالضيق والإكتئاب. رفعت يدي لطرح سؤال، وأعطيت لي الفرصة؛ فقلت لهم جميعاً، وكنت بالفعل غاضباً: منذ التاسعة والنصف وحتى الآن وأنا أستمع إلى كل متحدّث وهو يذكر الإخصائي المستشار، والممارس العام، والصيدلاني؛ لكنّني لم أسمع ولو لمرّة واحدة ذكر "المريض"؛ وهو العامل الأهم لكل هذه المعاملات. وهنا وأقولها بكل صدق... نظر إليّ كل المستشارين العالميين من الصفوف الأماميّة بتلك النظرة "المخيفة" وكأنّي بهم يقولون لي.. ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا الكلام !!. لم أحفل بنظراتهم، ولم تخيفني؛ فأنا أعرف عمّاذا أتحدّث هنا. قلت لهم... نحن كلّنا نلتقي هنا ونجتمع ونتناقش ونتحاور من أجل "المريض"... ذلك المصاب بمرض الشقيقة المقرف، ونحن هنا نجتمع فقط من أجل رفع المعاناة عن ذلك الذي يعاني ليلاً ونهاراً. كان الجميع ينصت لي بإهتمام، وكانوا بالفعل ينتظرون ماذا كنت سأقول بعدها. قلت... في كل كلامكم هذا الصباح، ولما يقارب ساعتين لم يذكر أي منكم "المريض" في حلقة العلاج التي وصفت لنا. نحن هنا نجتمع من أجل المريض، ولابد من أن يكون المريض هو "بؤرة التركيز" في مؤتمرنا. لابد من تركيز كل تفكيرنا على المريض كإنسان وليس على الشقيقة كمرض.
هناك وبالفعل خرجت من صدورهم، وخاصّة أولئك الذين يجلسون في الصفوف الأمامية - خرجت من صدورهم نبرة "آه... آه... آه"... وشعرت حينها بأن رسالتي كانت قد وصلت. وأقولها مرة أخرى هنا بأن كل متحدّث بعد تلك المداخلة "الغريبة" بالنسبة لهم... أخذ كل متحدّث منذ تلك اللحظة وحتى إنتهاء المؤتمر في الرابعة مساء يركّز على ذكر المريض كجوهر وأساس في كل العلاجات المعطاة.
كان تفكيري حين الشروع في كتابة هذا المقال بأن يكون مقالاً واحداً يتناول قصّة تلك المريضة معي بيوم الأمس؛ لكنّني وجدت نفسي هكذا إنساق وراء الكلمات والتعابير، فتهت في عالم الذكريات، ووجدت نفسي الآن ورحمة بكم مضطرّاً للتوقّف هنا على أن أترك جوهر الموضوع للحلقة القادمة، والتي سأحاول بأن أجعلها النهائيّة. يومكم سعيد.

 بالتفكير والإحتساب يمكنك كسر دائرة الخوف والإرتعاب(2)

كان من المفترض بأنّني في هذه الحقلة أنقل لكم قصّة "كريستينا وإبنتها جورجيا" وأنهي التحدّث في موضوع "التفكير والإحتساب" ؛ لكنّني وأنا أستعد لكتابة هذه الحلقة عادت لذاكرتي قصّة رائعة في مجال "معالجة مرض الشقيقة بالبوتوكس"، وكانت "دونّا" بالفعل هي بطلة تلك القصّة فقرّرت العبور من هناك لأسمح لنفسي لتمديد الحديث في هذا الشأن لثلاثة حلقات بدل الإثنتين، وأقولها بصدق حينما بدأت كنابة هذا الموضوع كان في مخّي كتابة حلقة واحدة ومن بعدها كتابة موضوع آخر قد يأتي إلى مخّي وتفكيري من خلال السباحة في عالم الرب الذي بالفعل لا حدود له !.
في حلقة اليوم تعود بي ذاكرتي لقصّة تلك "المتزحلقة الجليديّة" الرائعة "دونّا" Donna؛ وهي شابة إنجليزيّة ذكيّة ونبهة في عمر 21 سنة. كنت أعرف "دونّا" لأكثر من سنتين وهي تعاني من مرض الشقيقة المزمن، وحاولت معها بكل السبل، وجرّبت عليها الكثير من "الواقيات" Migraine Prophylaxis من هذا المرض المقزّز لكنّها لم تستجب لكل الواقيات التي جرّبتها عليها.
مشكلة "دونّا" أنّها كانت تشتغل كمدرّبة في نادي للتزحلق على الجليد Ice-skating Trainer، وحدث أنّ مديرها الذي تشتغل معه قال لها وفي أكثر من مرّة بأن أدائها لم يكن مشجّعاً طيلة السنتين الماضيتين، وبأنّه قد يضطر لتغييرها بغيرها مما بكل تأكيد سوف يؤدّي إلى فقدانها لوظيفتها التي تعشقها بشكل جنوني وتبدع فيها بشكل كبير.
كان مرض الشقيقة عند "دونّا" وإلى حد كبير تحت السيطرة؛ لكن المضاعفات الجانبية للأدوية التي تتجرّعها كانت تؤثّر على تفكيرها، وعلى تركيزها، والأهم على ثباتها في "حلبة التزلّج الجليديّة" حينما تقوم بتدريب أعضاء وعضوات النادي الجدد. حدّثتني عن قلقها وغضبها وعصبيّتها من رداءة أدائها على حلبة التزحلق، وكانت بالفعل تخشى من فقدانها لوظيفتها المحترمة والتي كانت تدرّ عليها أموالاً كثيرة تساعدها على بناء حياتها كشابّة مازالت في بداية حياتها الإجتماعيّة.
كنت أعصر مخّي أبحث لها عن أسلم الأدوية الوقائية لمرض الشقيقة حتى كانت فرصة العمر ل"دونّا" حينما ذهبت أنا للندن وحضرت ذلك المؤتمر الذي تحدثت عنه في الحلقة الماضية. بعد قيامي بذلك التدريب الميداني، وحقني لثلاثة مرضى تحت المراقبة طرحت على "دونّا" فكرة أن تكون هي أوّل مريضة لي لحقنها بالبوتوكس. ذكرت لها بأنّني مازلت مبتدءاً، وعلى أن هذا العلاج مازال في أيّامه الأولى، وعلى أنّها قد تكون "ضفدعة تجارب" بالنسبة لي.
فكّرت في الموضوع، وعادت إليّ بعد أسبوعين فقط لتقول لي بأنّها مستعدّة بالكامل لخوض التجربة. قمت بحقنها بكل عناية بالبوتوكس حسب البروتوكول العالمي الذي تدرّبت عليه؛ وكانت مفاجأتي ومفاجأة "دونّا" أنّها إتصلت بي بعد أسبوعين لتقول لي بأن مرض الشقيقة عندها لم يكن كما كان، وعلى أن نوبات المرض كانت بالفعل قد قلّت عدداً وأصبحت أقل حدّة بكثير. فرحت لها بشكل كبير، وطمأنتها، وطلبت منها الإنتظار حتى نهاية الثلاثة أشهر بعد حقن رأسها ب 31 حقنة.
دخلت "دونّا" إلى العيادة بعد ثلاثة أشهر، وكانت فرحة وسعيدة وبالفعل مبتهجة بشكل فاق توقّعاتي. قالت لي بأن عدد النوبات إستمر في التقليل، وبأن حدّة كل نوبة وعدد أيّامها كانتا بالفعل قد تقلّصتا بشكل هي نفسها لم تتوقّعه. إستلمت علاجها الثاني، وتمكّنت من المحافظة على وظيفتها المفضّلة، وكانت بالفعل حريصة على إستمرار العلاج بإنتظام حسب نصيحتي. إستلمت "دونّا" 6 علاجات متواصلة لمدة عام ونصف تم خلالها تقليص الأدوية الواقائيّة للصفر، وأصبحت بالفعل "دونّا" تستجيب لعلاج وحيد بدون أية إضافات داعمة أخرى، وعاد إليها تركيزها وإتّزانها، وبالفعل عادت إليها رشاقتها، وبدأت تفتخر بنفسها من جديد.
في آخر عيادة قالت لي "دونّا" بأنّها لم تعد في حاجة إلى الحقن، وعلى أن مرضها لم يعد يؤذيها أو يقلقها من جديد. قالت لي بأنها بالفعل أصبحت تحسّ بأنّها إنسانة من جديد، وبكل تأكيد آكالت عليّ من عبارات الشكر والإمتنان بشكل أخجلني بأن لم أجد ما أردّه عليها من كثرة شكرها ومدحها لي كطبيب.. أو كما قالت "كأفضل أخصائي عرفته في حياتها".
كانت بداية الحقن بالنسبة لها في آواخر عام 2011م، وفي عام 2013م أرسلت لي "دونّا" رسالة تقول لي فيها بأنّها الآن في "إسرائيل" تؤدّي عروضاً راقصة على الجليد في مدن مختلفة منها تل أبيب، وعلى أنّها بعد "إسرائيل" سوف تذهب إلى جنوب شرق أسيا لتقوم بالكثير من العروض الموسيقية الراقصة على حلبات الجليد في ثلاثة أو أربعة من الدول التي دعتها رسميّاً لتقيم عروضها في نواديها الثلجيّة.
فرحت لها بشكل كبير، وكانت بالفعل "دونّا" أوّل مريضة لي أحقنها بالبوتوكس لعلاج الشقيقة، وكانت أوّل حالة نجاح مؤكّدة في هذا المجال.
بكل تأكيد بعد تلك الحالة كانت لي عشرات الحالات التي بصدق كانت كلّها ناجحة وموفّقة؛ ومازلت حتى اليوم أقوم بحقن البوتوكس في حالات الشقيقة المزمنة والتي لم تستجب للعلاجات الدوائيّة الأخرى، وكانت "جورجيا" Georgia هي بطلة الحلقة القادمة والأخيرة في هذا السياق.... يومكم سعيد.