2020/11/15

إمرأة... ولا كل الرجال

يقول الأغبياء بأن المرأة هي ناقصة عقل وناقصة دين. بينما يقول المنطق، ويقول العلم، وتقول الوقائع بأنّ المرأة تتجاوز الرجل في الكثير من القدرات الذهنية والخلقية والسلوكيّة أيضاً. لقد ذهب ذلك الزمان الذي أهينت فيه المرأة وأعتبرها الرجل ليست أكثر من خادمته بسبب نواقصها كما كان يتوّهم. المرأة اليوم نراها تقود الرجل في الكثير من المواضع وفي الكثير من الجبهات، فعلى الرجل أن يرى الأشياء على حقيقتها وأن يتخلّص من عقدة "الرجولة" عنده.


إن المتابع القريب والمدقّق العميق لمجريات الأحداث الأخيرة في ليبيا ليلحظ بقوّة بأنّ ما قامت به السيّدة ستفاني وليامس Stephanie Williams من إنجازات تتفوّق بكل قوّة على كل من سبقها من المحاولين الرجال، وأعني بهم:
  1. عبد الإله الخطيب.
  2. إيان مارتن.
  3. طارق متري.
  4. برناردينو ليون.
  5. مارتن كوبلر.
  6. غسّان سلامة.
لقد فشل كل أولئك الرجال في تقديم أي شئ لليبيا ولا أيّ شئ للشعب الليبي، ذلك لأنّهم كانوا لا يلامسون المشكلة الليبيّة بعقولهم ولا بآحاسيسهم. بل إن بعضهم وجد نفسه طرفاً في مشكل الصراع الذي أتى ليبحث عن حلول له.
قال السيّد غسّان سلامة بأن الأمريكيّة ستفاني ويليامس إنّما هي تبني على أسس هو كان قد أنجزها، لكنّني أختلف وبكل قوّة مع السيّد غسّان سلامة في التفكير. السيّد غسّان سلامة كان من أكبر الفاشلين من بين كل أولئك الرجال الذين ذكرتهم أعلاه، والسبب أن السيّد غسّان سلامة كان وإلى حد كبير منحازاً إلى طرف دون الآخر ممّا قلّل من مصداقيّته في هذه المهمّة الصعبة. كذلك فإن السيّد غسّان سلامة كان يفتقد من وجهة نظري إلى الكثير من المعايير التي يجب بأن تكون متوفّرة لمبعوث أممي يأتي لحل مشكلة كبيرة ومستعصية مثل المشكلة الليبيّة.
السيّدة ستفاني ويليامس نجحت فيما فشل فيه الرجال وذلك للأسباب الآتية من وجهة نظري:
  1. أنّها إمرأة: وهذا جانب مهم جدّاً في المشكل الليبي؛ ذلك لأنّ آحاسيسها كمرأة تختلف عن الرجال. مصداقيّتها كمرأة تختلف عن الرجال، وواقعيّتها كمرأة تختلف عن الرجال. فمن المتعارف عليه أن الرجال أكثر شراسة وأكبر طمعاً وأكثر نفاقاً من النساء؛ كذلك فالمرأة هي بطبيعتها عقلانيّة وواقعيّة ولا توجد عندها تلك "العنادة" الرجاليّة والتي ربّما هي من بين منتجات التستوستيرون.
  2. أنّها كانت أذكى منهم جميعاً، فهي ربما كانت قد درست العقليّة الليبية قبل إستلامها المهمّة، وكذلك خبراتها السابقة في الشؤون العربيّة، ودراستها الجيّدة للغة العربية(تحمل ماجستير في الأدب العربي). كل ذلك أعطاها تلك "العصاء" السحريّة التي إستطاعت بها أن تنال إهتمام الليبيين بكل مشاربهم وتوجهاتهم.
  3. ميزات في شخصيّتها لم تكن متوفّرة عند من سبقوها، كإبتسامتها الرقيقة، وتواضعها، وحسن إستخدامها للغة العربية في مواضع هي تعرفها جيّداً. كذلك، فإنّها صبورة ومتأنّية وغير إنفعاليّة. كانت أيضاً تحترم الجميع بدون إستثناء.
  4. العقلية الليبية والمستمدّة من الثقافة العربية ومن الطبائع المتوارثة والتي يحترم فيها الرجل المرآة بشكل كبير، ولا يرفع عندنا الرجل صوته عالياً في وجه المرأة ولا يتشاغب معها. ذلك بكل يقين أعطي لستفاني ورقة إضافية جعلتها تتفوّق على سابقيها من الرجال. فهي إن طرحت أية فكرة ولو كانت تبدو غريبة فإن تفاعل الرجال معها سوف لن يكون قاسياً على الإطلاق، وسوف لن يذهب الرجال بعيداً للتآمر عليها أو سبّها في غيابها كما كانوا يفعلون مع سابقيها من الرجال.
  5. النقطة المهمّة - والأهم من كل شئ هي - وجود الإدارة الأمريكيّة ورائها وبكل قوّة، وذلك أعطاها الكثير من القوّة والثقة بالنفس. الدعم الأمريكي القوي لستفاني ويليامس لم يكن متوفّراً لأيّ من الذين سبقوها، وهذا كانت له تأثيرات كبيرة في داخل ليبيا، وفي خارج ليبيا. ففي الداخل الليبي؛ نحن نعرف يقيناً بأن كل المشاغبين في ليبيا يخافون من أمريكا ويرتعبون من إحتمالية غضب أمريكا من تصرّفاتهم، وبذلك فكانوا كلّهم سامعين ومنصتين وقابلين بما يطرح عليهم. أما على الجانب الخارجي لليبيا؛ فنحن نعرف بأن كل الشغب الذي حدث في ليبيا منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا كان قد جاء إلينا من خارج حدودنا (دول الخليج وخاصّة قطر، روسيا، تركيا، إيطاليا، فرنسا، وبريطانيا). كل هؤلاء ينصتون جيّداً حينما تكون أمريكا في الميدان.
من كل تلك المعطيات فإنّني أرى - ويقيناً - بأن ستفاني ويليامس سوف تحقق المصالحة في ليبيا وسوف تنجح بكل تأكيد في فرض موعداً للإنتخابات ( 24 ديسمبر 2021) وسوف تجرى الإنتخابات وحسب الخطّة. كذلك فإن فرض - وربّما ترجيح - الطرف الذي تعاديه الجماعات الدينية المتطرّفة (تنظيم الإخوان، الجبهة الوطنية، الجماعة الليبية المقاتلة، وبقية شواذ الدين الآخرين والذين من بينهم الصادق الغرياني) وأعني به هنا جانب المشير خليفة حفتر لم يجد نفس الممانعة التي كانت سائدة قبل أن تدخل ستفاني على الخط. لقد رضيت كل الجماعات المتطرّفة بما فيها المليشات المسلّحة بالقبول بكل ما طرح؛ ولعل أروع مثال على ذلك هو مخرجات لجنة 5+5 العسكريّة والتي علينا بأن نعرف بأنّها هي ما سوف يحسم كل الأمور في ليبيا. الحسم في ليبيا هو "عسكري" بإمتياز، وذلك تحديداً هو ما سوف يقوم لأنّه يقع ضمن منطق الأشياء.
من هنا نلاحظ بأن المنتصر الأكبر في كل مشاريع ستفاني ويليامس هو "الجيش الوطني" وبذلك فهي كانت قد وفّرت على المشير خليفة حفتر عناء المواجهة والحروب خاصّة بعد التدخّل العسكري التركي الكبير والجدّي والخطير.
أنا أرى بأن مشاكل ليبيا هي تتجه الآن وبكل قوة نو الحل الشامل، وأرى بأن الإنتخابات سوف تحدث في نهاية العام القادم، وبأن كل الأطراف سوف ترضى بمخرجات تلك الإنتخابات، وبأن ليبيا سوف تمضي قدماً بعد ذلك.... يومكم سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك