عندما تسير في طريق لم تحدّد أنت معالمها ولا تعرف مخاطرها فإنّك سوف تتوه ولن تبلغ نهايتها، ذلك لأنّ غيرك هو من إختار وجهتها ورسم لك تشعّباتها ومساربها.... نصيحتي أن تحذرها حتى تتجنّب أخطارها ومثالبها.
بعد مشروع "نيوم" الإفتراضي والذي سيكلّف السعوديّة 500 مليار دولار، وبعد تجنيس إمرأة إليكترونيّة وإحتسابها سعوديّة الجنسيّة؛ بلغنا بالأمس كذلك بأن "الأمير الشاب" أمر كذلك بحبس 11 أميراً من أبناء عمومته من بينهم إبني الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز(الأمير متعب والأمير تركي)، وتشمل قائمة الأحد عشر كذلك الأمير الملياردير الوليد بن طلال والذي تبلغ أمواله المسالة والمودعة والمستثمرة 17.2 مليار دولار وهو حفيد الملك عبد العزيز أل سعود مؤسّس المملكة السعوديّة.
كذلك تشمل القائمة 38 من الشخوص المرموقة الأخرى في السعوديّة من بينهم إبراهيم عسّاف وزير مالية سعودي سابق، والوليد الإبراهيم (مالك مجموعة إم بي سي الفضائيّة)، وبكر بن لادن (رئيس مجموعة بن لادن للتوظيف)، وتشمل القائمة أيضاً فهد بن عبد الله (نائب وزير الدفاع السابق)، وتركي بن ناصر (الرئيس السابق للأرصاد وحماية البيئة). كما ضمّت القائمة كذلك قائدا سابقا للقوات البحريّة، ورئيس ديوان ملكي، ورئيس مراسم ملكيّة، ورجال أعمال مشهورين آخرين.
القصد المعلن من وراء هذه الإعتقالات المفاجئة كان "الفساد المالي"، ولكن المغزى الحقيقي يعرفه الأمير محمّد بن سلطان جيّداً، وأعتقد بأنّه يصب في التفرّد بالحكم وبالولاية وبالسلطة ولإفساح الطريق أمامه بعد إزاحة كل من "قد" يعرقل "المسيرة".
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيّة قد نشرت تقريراً عن حياة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بناءً على سلسلة من المقابلات مع أعضاء العائلة المالكة ودبلوماسيين. الصحيفة تحدثت في تقريرها عن شراء الأمير المبجّل من أبيه محمد بن سلمان يختاً بقيمة 550 مليون دولار، وعلى أنّه كان قد منح الصحفيين الذين يغطّون جولاته نحو 100 الف دولار رغم حالة التقشف التي كانت تعيشها السعوديّة نتيجة لهبوط أسعار النفط وخسائر السعوديّة في حرب اليمن التي كانت هي بدورها قد نشبت بأمر من هذا الأمير. الملفت للإنتباه أنّه حينما إستعرت الحرب في اليمن وزادت خسائر السعوديّة فيها في المال والأفراد كان الأمير محمّد بن سلمان يقضي إجازة مرفّهة في جزر المالديف.
الخبر الآخر المثير للإنتباه والتساؤل في نفس الوقت هو سقوط طائرة الهيلوكبتر مساء الأمس(الأحد) والتي كان على متنها الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز الذي كان هو بدوره وليّاً للعهد لفترة قصيرة وكان رئيساً للمخابرات السعوديّة. هذا السقوط المثير قد يكون أيضاً جزءاً من تلك الحملة الأخيرة لفسح الطريق أمام الأمير العائد من أمريكا والذي يوصف بأنّه مقرّب جدّاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويتبع آوامره حرفيّاً.
ومن الأخبار التي سمعتها هذا الصباح من البي بي سي البريطانيّة أيضاً أنّ الأمير البليونير الوليد بن طلال كان ضد ترشّح ترامب للرئاسة في أمريكا، وبعد ترشّح ترامب كان الأمير طلال صوتاً معادياً وقويّاً ويقال بأنّه دفع للصحافة في أمريكا كي تهاجم ترامب وتكشف عوراته وعيوبه. يبدو أن ترامب ربّما يحاول الآن الإنتقام من طلال والبقيّة يعرفها القارئ (الكيفيّة والتبعيّة وتنفيذ الآوامر وما إليها...).
وختاماً.... ليس لي إلّا أن أقول أنّه في بلاد تُحكم بالمطلق مثل السعوديّة لا يحدث التغييرات فيها أهلها ولا يشاركون في حكمها، ولا يملكون حتى حريّة التخطيط لها؛ فإنّ تلك التغييرات حتماً سوف تأتيها من غيرها "جاهزة" ومعها ضمانة إستخدام وحماية بكل تأكيد. السعوديّة بالفعل هي من وجهة نظري تسير في طريق لم تخترها ولم ترسم معالمها ولا هي تعرف مآلاتها، ومن يسير في مثل هكذا طريق لابدّ وأن تحدث له حوادث خطيرة قد تؤدّي به وبمحيطه إلى عواقب وخيمة ونتائج مدمّرة.
أنا أرى بأنّ ما ينتظر السعوديّة هو خطير ومر وقد تتجاوز نتائجه بكثير ما حدث في ثورات الربيع العربي خاصّة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن... لكنّني - وأقولها بكل صراحة - سوف لن أذرف ولا دمعة واحدة على ذهابهم، فهم كانوا السبب في كل مآسينا كليبيين وكعرب وكمسلمين. ذلك يعني بالطبع - وفقط - الأسرة الحاكمة، أمّا السعوديّة كدولة والشعب السعودي الطيّب فهم أهلي وإخواني ولا يمكنني إلّا أن أتمنّى لهم الخير والتقدّم والسعادة والأمن والهناء.
القصد المعلن من وراء هذه الإعتقالات المفاجئة كان "الفساد المالي"، ولكن المغزى الحقيقي يعرفه الأمير محمّد بن سلطان جيّداً، وأعتقد بأنّه يصب في التفرّد بالحكم وبالولاية وبالسلطة ولإفساح الطريق أمامه بعد إزاحة كل من "قد" يعرقل "المسيرة".
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيّة قد نشرت تقريراً عن حياة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بناءً على سلسلة من المقابلات مع أعضاء العائلة المالكة ودبلوماسيين. الصحيفة تحدثت في تقريرها عن شراء الأمير المبجّل من أبيه محمد بن سلمان يختاً بقيمة 550 مليون دولار، وعلى أنّه كان قد منح الصحفيين الذين يغطّون جولاته نحو 100 الف دولار رغم حالة التقشف التي كانت تعيشها السعوديّة نتيجة لهبوط أسعار النفط وخسائر السعوديّة في حرب اليمن التي كانت هي بدورها قد نشبت بأمر من هذا الأمير. الملفت للإنتباه أنّه حينما إستعرت الحرب في اليمن وزادت خسائر السعوديّة فيها في المال والأفراد كان الأمير محمّد بن سلمان يقضي إجازة مرفّهة في جزر المالديف.
الخبر الآخر المثير للإنتباه والتساؤل في نفس الوقت هو سقوط طائرة الهيلوكبتر مساء الأمس(الأحد) والتي كان على متنها الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز الذي كان هو بدوره وليّاً للعهد لفترة قصيرة وكان رئيساً للمخابرات السعوديّة. هذا السقوط المثير قد يكون أيضاً جزءاً من تلك الحملة الأخيرة لفسح الطريق أمام الأمير العائد من أمريكا والذي يوصف بأنّه مقرّب جدّاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويتبع آوامره حرفيّاً.
ومن الأخبار التي سمعتها هذا الصباح من البي بي سي البريطانيّة أيضاً أنّ الأمير البليونير الوليد بن طلال كان ضد ترشّح ترامب للرئاسة في أمريكا، وبعد ترشّح ترامب كان الأمير طلال صوتاً معادياً وقويّاً ويقال بأنّه دفع للصحافة في أمريكا كي تهاجم ترامب وتكشف عوراته وعيوبه. يبدو أن ترامب ربّما يحاول الآن الإنتقام من طلال والبقيّة يعرفها القارئ (الكيفيّة والتبعيّة وتنفيذ الآوامر وما إليها...).
وختاماً.... ليس لي إلّا أن أقول أنّه في بلاد تُحكم بالمطلق مثل السعوديّة لا يحدث التغييرات فيها أهلها ولا يشاركون في حكمها، ولا يملكون حتى حريّة التخطيط لها؛ فإنّ تلك التغييرات حتماً سوف تأتيها من غيرها "جاهزة" ومعها ضمانة إستخدام وحماية بكل تأكيد. السعوديّة بالفعل هي من وجهة نظري تسير في طريق لم تخترها ولم ترسم معالمها ولا هي تعرف مآلاتها، ومن يسير في مثل هكذا طريق لابدّ وأن تحدث له حوادث خطيرة قد تؤدّي به وبمحيطه إلى عواقب وخيمة ونتائج مدمّرة.
أنا أرى بأنّ ما ينتظر السعوديّة هو خطير ومر وقد تتجاوز نتائجه بكثير ما حدث في ثورات الربيع العربي خاصّة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن... لكنّني - وأقولها بكل صراحة - سوف لن أذرف ولا دمعة واحدة على ذهابهم، فهم كانوا السبب في كل مآسينا كليبيين وكعرب وكمسلمين. ذلك يعني بالطبع - وفقط - الأسرة الحاكمة، أمّا السعوديّة كدولة والشعب السعودي الطيّب فهم أهلي وإخواني ولا يمكنني إلّا أن أتمنّى لهم الخير والتقدّم والسعادة والأمن والهناء.
أنا عربي ومسلم وأفتخر بعروبتي كما أنّني أفتخر بإسلامي. أنا ولدت في عصر الصحوة العربيّة وفي زمن إستعاد فيه الإنسان العربي كرامته بعد أن مرّغتها البلاد التي إحتلتنا بالقوّة وحاولت القضاء على أساسيّاتنا الثقافية واللغوية والدينيّة أيضاً. إنتصرنا على مستعمرينا وبنينا بلداننا بأيدينا ولم نبخل على مدننا ولا على بوادينا. أعدنا إلى أنفسنا الكرامة وزرعنا في قلوب أبنائنا وبناتنا حب الوطن، وأريناهم الدين الوسطي المتسامح مع الغير والمتصالح مع كل أتباعه. كانت علاقاتنا أخويّة ومحبتنا لأهلنا وجيراننا مخلصة وحقيقيّة، ولم تكن حينها إيران عدوّتنا ولا تركيا عدوّتنا بل كانت عدوّتنا الوحيدة"إسرائيل" بعد أن أغتصب صهاينتها أرض إخوتنا وأهلنا في فلسطين وشرّدوهم... شرّدوهم بعد أن حرموهم من مجرّد الحلم بوطن.
تلك كانت وبصدق أسعد أيّامنا فيكفي أنّنا كنا نمتلك كرامة ونحسّ بأنفسنا. يكفي أننا كنا نبني حاضرنا بأيدينا ونخطّط لمستقبلنا بعقولنا وبأفكارنا ونحلم بغدنا ونحن "كلّنا" جزءاً منه وننتمي إليه. حسبنا حينها أنّنا كنّا نحمل القيم النبيلة في نفوسنا، ونحنُّ على بعضنا، ونتسارع لنجدة الملهوفين من بيننا بدون أن نسأل من أي بلد ومن أية أصول أو من أتباع أية طائفة أو مذهب أو شريعة. كنّا نرى أنفسنا مسلمين نؤمن بالله ونحب رسوله بدون أن نفكّر في الخصام أو نبحث عن ما يفرّقنا. تلك كانت أيّامنا الجميلة التي بالفعل صنعت لنا مدارس فكريّة ومنابر ثقافية وتنوّعات فنّية وإبداعيّة... ذلك كان بصدق هو "الزمن لجميل" الذي بصدق نحنُّ إليه اليوم مع يقيننا بأن قطار الحياة لايمكنه إلّا وأن يسير إلى الأمام في إتجاه واحد، ولا يمكن له إطلاقاً أن يعود إلى الوراء أو حتّى يتوقّف عن المسير.... تلك هي سنّة الله في خلقه وتلك هي مشيئته.
لا مشكلة لديّ في المبايعة، لكنّني فقط أريد أن أعرف عمّاذا أبايع. السعودية - مع إحترامي - مازالت تحكم بنظام "مطلق" وقد يكون فريداً من نوعه من بين كل أنظمة الحكم في العالم. فالسعوديّة مملكة يملك فيها الملك ويحكم ويحتكر سلطة القرار فيها على أبنائه وآل بيته، وتلك هي بصدق مصيبة السعوديّة الكبرى.
أنا أرى بأن الأمور في السعوديّة مازالت في مرحلة الإصلاح.. أي بمعنى أن الإصلاح في السعوديّة ليس مستحيلاً ومازال بإمكان الشعب السعودي(رجالاً ونساء) أن يعمل معاً من أجل غد أفضل لهذه الدولة التي بوسعها أن تحظى بإحترام وتبجيل العالم لها. علينا أن نفكّر وأن نخرج الأفكار التجديديّة من عندنا لا أن نستجلبها من غيرنا... بمعنى علينا أن نتعلّم كيف نثق في أنفسنا ونعتمد على قدراتنا، وأن لا ننظر إلى غيرنا على أنّهم أفضل منّا أو أنّنا نحن أقل منهم شأناً.
هذه بعض الأفكار أطرحها على أهلنا في السعوديّة لدراستها والتعامل معها بكل إيجابيّة، ولا أعتبر ما أطرحه هنا بأنّه ملزماً لأي أحد، لكنّنا هكذا في هذه الحياة الدنيا نتعلّم من غيرنا ونعلّم غيرنا وذلك هو الأسلوب الأنجع لخلق تراثاً إنسانيّاً متجدّداً يواكب الحاضر ويبني للمستقبل:
- إصلاح أليّة الحكم: أنا أرى بأن أوّل عمل يقوم به أي مصلح من الأسرة السعودية الحاكمة هو أن يكتب دستوراً للبلاد ينص فيه وبكل صراحة ووضوح على أن النظام الملكي في السعودية لا يختلف عن الأنظمة الملكية في بقية بلاد العالم.. أي أن العائلة المالكة بجميع حواشيها والمنتمين دماًً وعرقاً إليها هم يملكون ولا يحكمون. مهمّتهم الأولى والأخيرة تكمن في الحفاظ على هذه الدولة متماسكة ومتضامنة وموحّدة، أما حكم هذه المملكة فهو للشعب السعودي ولا يحق لأي فرد من العائلة المالكة المشاركة في الحكم.
- بناء الإنسان السعودي: الخطوة الثانية من وجهة نظري تكمن في بناء الإنسان السعودي(رجل وإمرأة) على أسس عصريّة ومتمدّنة ومتحضّرة بما يتطلّب ذلك من إدخال علوم اليوم وثقافة اليوم الرقميّة إلى كل بيت.. إلى كل بيت سعودي ولو كان ذلك في أقاصي الأرض السعوديّة. لابدّ من طرح جلابيب وتلابيب الماضي، خلعها، إستبدالها، تطويرها، إدخالها العصر؛ غير أن ذلك لا يمكن له أن يعني قذفها بعيداً، أو الترفّع عنها، أو التنكّر لها فهي تظل من معالم ثقافتنا العربية وكينونتنا التي تعيش في داخلنا. ذلك بكل تأكيد يعني الخروج من حلقة الدوران حول النفس وتكسير تلك الدائرة المفرغة التي وجدنا أنفسنا ندور في داخلها ولم نتمكّن من كسر طوقها الذي يحيط بنا ويمنعنا من التقدّم إلى الأمام أو بمعنى آخر.. يمنعنا من "التحرّر". التحرّر الذي أعنيه هنا هو من عقدنا ومن مكبّلاتنا ومن عقليات فضّلت بأن تبقى حبيسة الماضي فمنعها ذلك من رؤية الحاضر أو الدخول عبر بوابات المستقبل. تحرير المرأة السعوديّة من تلك القيود التي فرضت عليها من قبل أولئك الذين يخافون من التقدّم ويكرهون التحضّر ويرتعبون من شئ إسمه "الدولة العصريّة" دعك من الديموقراطيّة وإختيار الحاكم وفق الأبجديات التي رسمها الإنسان من خلال خبرته وتصوّراته وأحلامه ورغبته الكامنة بداخله والتي تدفعه نحو التغيير والتطوّر والإنطلاق إلى الأمام. نعم تحرير المرأة السعوديّة كان يجب بأن يكون من بين ألأولويّات لمن بالفعل يريد أن يطوّر المجتمع السعودي، وأن يرفع من كم ومقدار الإقتصاد السعودي وينوّعه. تتحرّر المرأة السعوديّة مع الحفاظ على كرامتها وشرفها وكينونتها كمرأة تحلم وتبدع وتشارك وتنتج مثل أخوها الرجل.
- دخول العصر من أبوابه الواسعة: دخول العصر يعني التعامل بمعطياته وتوفير متطلباته. العلم، التقنية، الإحتراف، والوسيلة. لابدّ من إدخال كل أنواع التقنيّة (التقليديّة والرقميّة) في مراحل الدراسة الأوليّة، وليبدأ ذلك بأسلوب مدروس في الروضة ومنها تدريجيّاً إلى التعليم الإبتدائي والمتوسّط والثانوي على أن يبلغ مداه في التعليم الجامعي. لابد وأن تركّز السعوديّة على البحث في مراحل ما بعد الجامعة، بحيث يكون التركيز على الداخل ومن خلال العقول والخبرات السعوديّة مع إستجلاب العقول الأكبر من خارج البلاد إليها وليس العكس.
- التعدّد والتنوّع والتعصرن: الحياة هي بكل المعايير ملوّنة ومتعدّدة الأبعاد وعلينا أن نراها كذلك ونتعامل معها وفق ذلك المنظور. لابدّ من فتح المجال لكل صنوف الحياة ولكل ألوانها وتنوّعاتها. الفن والموسيقى والإبداع الذوقي ليس محرّماً على الإطلاق، والذين يحرّمونه هم فقط من يخاف منه لدرجة الإرتعاب، والذي يخاف لا يمتلك الثقة بالنفس. هناك ضوابط ومعايير تحدّدها الدولة من خلال جهازها التشريعي المنتخب، وهناك قوانين تحمي ذلك التشريع وهناك قوى تفرض تطبيق تلك القوانين على كل الناس(أهل البلد) بدون إستثناء إنسان واحد مهما كان ومهما كان موقعه في السلّم الوظيفي للدولة من رأس الدولة إلى أصغر موظف فيها. هناك قنوات معروفة وواضحة يجب العبور من خلالها ولا يحق إطلاقاً في الدولة الحديثة أن تكون فيها أجساماً موازية تحكم وتنفّذ من خارج تلك القنوات المعروفة والتي يكون الشعب هو من إختارها بطريقة شفّافة وعادلة ومنصفة للجميع بدون إستثناء وفق معايير تطبّق على الجميع وبدون إستثناء.
- بناء الإقتصاد المتنوّع والمتحضّر: لابد من سن قوانين ونظم تمكّن الدولة من التوسّع في مشاريعها الإقتصاديّة بما ينوّع مصادر الدخل فيها، على أن يعتمد إقتصاد الدولة في جوهره على "الإنتاج" وليس "الإستهلاك". توطين مشاريع الإقتصاد في الدولة يقوّي تحرّرها وإقتصادها ويدعم إستقلالية قرارها. لابد وأن تفتح الدولة أبوابها للمصدّرين كي يأتوا إليها لا أن تذهب هي إليهم. ذلك من شأنه أن يفتح الباب واسعاً للمنافسة الشريفة بما يعطي فرصة الإختيار وعدالة الإنتقاء. برامج التسلّح الجارية تحتاج إلى مراجعة شاملة، وتلك الرشاوي والعمولات التي ترافق برامج التسلّح في السعوديّة يجب أن تحظى بالأولويّة إن كانت الدولة بالفعل تسعى لتنظيف نفسها من الفساد المالي والإداري.
- السياسة الخارجيّة: الدول الحرّة هي من ترسم معالم سياستها الخارجية برجالها ومن خلال مهنييها المعنيين. على الدولة السعوديّة أن تعيد النظر في كل سياساتها الخارجيّة ولتبدأ بالجيران. لابد هنا من إقحام أرفع العقول والخبرات السعوديّة في هذا المجال مع خبرة كبيرة في مجالات القانون الدولي والديبلوماسيّة ومع دراية مهنيّة بالتاريخ والجغرافيا والإقتصاد وفنون العلاقات الدوليّة. لابد من إنتاج عقول تمتهن السياسة كعلم وكممارسة لرسم علاقات السعودية مع دول العالم، بشرط أن يكون ذلك مرتكزاً على معايير "الربح والخسارة" في كل الأمدية(القصير والمتوسّط والطويل).
- علاقات الدولة بمحيطها: على الدولة السعوديّة أن تعيد فتح كل ملفات علاقاتها بالدول المجاورة لها، وأن تدرس بجدّية علاقتها بإيران بحيث تتصالح السعودية مع إيران بإعتبارها دولة جارة ومسلمة وعلى أنّها أقرب وأكثر آماناً من "إسرائيل"، بحيث تنتهي العداوات بين السعوديّة ومحيطها الإسلامي على أسس متبادلة بكل تأكيد لكن ذلك يدخل في باب "فنون السياسة" الذي يجب أن تتقنه السعوديّة بإعتماها على عقول أهلها وأهلها فقط. لابد من إنهاء قضية اليمن بأسرع ما يمكن على أسس سياسية صرفة وبعيداً عن الحل العسكري الذي برهن على أنّه غير موفّق على الإطلاق. تنقية علاقات السعودية مع محيطها العربي والإسلامي بالدرجة الأولى سوف يعيد "إسرائيل" إلى حضيرة العزل من جديد، وذلك سوف يخدم مصالح الفلسطينيين ويعيد إليهم حقوقهم كاملة وبكل كرامة من خلال حواضنهم العربية والإسلامية. الشرخ(الأسفين) الذي وضع بين السنّة والسيعة يجب... يجب ... يجب أن يزال فوراً، وأن تعود علاقات السنّة والشيعة أخويّة بالكامل وعلى إعتبار أن أتباع كل جهة هم من المسلمين المؤمنين يقيناً بالله الواحد وبرسوله المختار. لا يمكن للسعودية بأن تقبل بوجود صراعات من خلال نفس الدين ومن بين نفس الأتباع حتّى وإن إختلفوا في المسلك.
وختاماً... بعد أن يطوّر نظام الحكم نفسه بحيث يسمح للسعوديين والسعوديّات بالمشاركة الدستورية الكاملة في حكم بلادهم من خلال صناديق الإقتراع والتناوب السلمي على السلطة بحيث تبقى الأسرة الحاكمة كرمز للبلد ولأهل البلد تراقب الشعب وهو يحكم بلده وتبقى الأسرة المالكة منزّهة ونظيفة ومتعفّفة عن السلطة تاركة إيّاها للشعب حتى يحكم بلده بكل حريّة وبكل إقتدار. بعد ذلك يتحرّر الإنسان السعودي(رجل وإمرأة) وفق أطر المحافظة على ثقافة البلد وعلى تقاليده الجميلة وأسسه الإجتماعيّة بحيث تكون متفتّحة على العالم ومساهمة في حركة التغيير. بعد ذلك يأتي بناء الإقتصاد السعودي المتنوّع والذي يشارك فيه كل أبناء وبنات السعوديّة بدون تمييز ولكن بتمايز وفق المقدرة والإمكانيات المعرفية والمهنيّة، وبذلك فقط يحسّ المواطن السعودي بأنّه بالفعل يساهم في بناء دولته فيحس بها ويحبّها ويغار عليها ويكون حينها مستعدّاً للتضحية في سبيلها. يتنوّع الإقتصاد السعودي وتتعدد مصادره وتخرج بذلك السعوديّة من الإعتماد على النفط وتدخل بعد ذلك بالفعل وبكل ثبات في "العصر الرقمي" وهي مستعدّة له ولا تخضع لغيرها في برمجته أو تسييره.
ذلك هو بالفعل مشروع الغد للسعويّة وليس تلك الطفشات الغير مدروسة والتقليعات العشوائيّة الإعتباطيّة التي تطرح اليوم على الأرض السعودية ويحاول من يطرحها إيهام السعوديين والسعوديات بأنّهم سوف يدخلون العصر بمشروع "نيوم" أو غيره. أنا أرى بأن مثل تلك التقليعات هي عبارة عن تيه وضياع في عالم إفتراضي لا توجد قاعدة له في بلد مازالت وللأسف تعتمد في كل شئ... كل شئ بما في ذلك "الشماغ" على غيرها كي يصدّره لها. لا يمكننا يا سادة ويا سيّدات أن نعيش ونترفّه على ما يصدّره غيرنا لنا. علينا بأن نسعى جدّيّاً لأن ننتج ما نأكل ونصنع ما نلبس ونجمّع على الأقل ما نركب إن كنّا بالفعل نستخدم عقولنا في التفكير لغدنا والتخطيط الجدّي لمستقبلنا. ربّنا يحمي السعودية ويوفّر لها الآمان ويبعد عنها المفسدين ويفتح على ولاة الأمور فيها كي يروا الدنيا على حقيقتها وأن يخرجوا من تلك الأبراج العاجيّة التي يصنعها لهم المنافقون وتنابلة السلاطين ويرضون هم بالعيش فيها مغمضين أعينهم عن العالم الذي يحيط بهم وهم واهمون بأنّهم {{خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }}... تصبحون على خير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك