2014/11/12

كيف يمكننا تأسيس دولة؟

الحكام يذهبون ولكن الشعوب تبقى ما بقيت حياة على الأرض... قد تجد شعباً بلا وطن ، لكنّك أبداً سوف لن تجد وطناّ بلا شعب.

الشئ الذي قد نتفق عليه هو أن التقدم يكمن في وجود الديموقراطيه الحقيقيه؛ وكلما تعمّقت الديموقراطيه وترسّخت ممارستها في سلوكيّات الشعب وتصرّفاته كلّما إنتعشت وتيرة التقدّم وإزداد الرخاء.
من الممكن القول أيضا بأن التقدم يتناسب طرديا مع جديّة العمل الديموقراطي والشفافيه في تسيير أمور الدوله والاستجابه لرغبات الشعب.  فدول العالم المتقدّمه كلّها وبدون إستثناء تتمتّع بقدر من الديموقراطيه الحقيقه؛ وتلك الدول المتخلّفه وبدون إستثناء أيضاّ تنعدم فيها الممارسه الديموقراطيه بحيث يتناسب تخلفها طرديّا مع مقدار الإستبداد وسيطرة الفرد على السلطه.
ليس من الغريب أن الدول العربيه والاسلاميه تعتبر من بين دول العالم المتخلفه وذلك لأن أيا من هذه الدول لاتتمتع  بالحد الأدنى من الديموقراطيه الحقيقه، وحتى تلك الدول التي حققت تقدما نسبيا مثل تونس ومصر في البلاد العربيه، وماليزيا وأندونيسيا في العالم الاسلامي لم يكن تقدمها كاملا أو على الأقل متناسبا مع امكانياتها الطبيعيه والبشريه ذلك لأنه قد يوجد بها قدرا من المشاركه الشعبيه في الحكم لكن ذلك يظل في حدود النسب الضئيله بالمقارنه بتلك الدول التي تتربع على عرش الديموقراطيه الحقيقه.
قد يقول قائل ان هناك بعض الدول العربيه مثل السعوديه والامارات كانت قد حققت انجازات كبيره لصالح مواطنيها في وجود أنظمة حكم ديكتاتوريه؛ وأرد على مثل هذا الرأي بالقول نعم ان مثل هذه الدول كانت قد حققت قدرا من الرخاء لمواطنيها لكن ذلك بدون شك يظل مرتبطا بضروف معينه أقل ما يقال عنها أنها اصطناعيه. فالعامل الأول الذي يمكن التنبيه اليه هو أن هذه الدول غنيه بمواردها الطبيعيه مع وجود خطه في سياسة هذه الدول تعتمد على شراء ولاء المواطن بتوفير الرخاء له وهذه السياسه ليس من الضروره أن تكون وطنيه مائه بالمائه فالذين يهمهم استقرار هذه الدول وبقائها في قبضة حكامها الغير منتخبين من الشعب مع رضاء الشعب المدفوع ثمنه سلفا.. أولئك أصحاب القرار في هذه الدول- وهم ليسوا بالضروره حكامها- هم الذين يقررون المرحله القادمه حسب مصالحهم  وتوجهاتهم ومن ثم فهم يحافظون على استمرار تبعية هذه البلاد لهم وخضوعها لارادتهم وبذلك خلقوا منها دولا استهلاكيه لايمكنها أبدا الاعتماد على امكانياتها الذاتيه ومن هنا يمكن القول ان ذلك التقدم والرخاء هو في حقيقة الآمر تقدم شكلي اصطناعي كبيت من الزجاج  من الممكن أن يتهشم بسهوله.

ماذا يمنع بلادنا العربيه والاسلاميه من خوض غمار الديموقراطيه الحقيقيه؟

الاجابه على هذا السؤال ليست بتلك البسيطه مهما حاولنا الافراط في التفاؤل وذلك لتعقيدات الحاله العربيه والاسلاميه وهي بطبيعة الحال متشابهه الى أبعد الحدود. ان السبب الرئيسي من وجهة نظري يكمن في غياب الوعي وارتفاع نسبة التخلف الثقافي في هذه البلاد، أضف الى ذلك موروثات دينيه خاطئه تعاقبنا على تتبعها واتفقنا على اعتبارها من الأشياء التي لايجب الخوض فيها لأن ذلك يعتبر من المحرمات؛ والدليل البسيط أن هذا المقال سوف يتعرض الى النقد الللاذع ومن المؤكد أن كاتبه سوف ينعت بنعوت أقلها الخروج عن الدين وقد تصل الى درجة التكفير.
ربما كان أول عهد الاسلام فيه كثيرا من الشفافيه مبعثها الخوف الحقيقي من الله سبحانه وتعالى، وربما كان ذلك العهد منصفا للانسان ومستجيبا لحاجاته دون العمل على سرقة مقدراته لاشباع الرغبات الشخصيه للحكام؛ لكن من المؤكد أن ذلك لم يستمر طويلا وأن الفساد كان قد بدأ يسيطر على الة الحكم منذ العقود الأولى للعهد الاسلامي الميمون حيث أن الانسان هو الانسان وان النفس أمارة بالسوء وهذا هو كلام الله خالق هذا الانسان.

يجب التنبيه هنا الى الفرق بين الاسلام (دين الحق) والمسلمون (أتباع هذا الدين)، فالأول  هو صنيع الخالق الذي لا تشوبه شائبه والثاني هو من صنع الانسان صاحب النفس الأماره بالسوء.
ربما الخطأ الكبير الذي وقع فيه أجدادنا الأولين هو عدم خوضهم في أو تعرضهم لأداة الحكم واعتمادهم على مبدأ مجاراة ما أتفق على تسميته بالسنه في كل شئ في حياتهم وتفكيرهم. فأغلب الفكر العربي والاسلامي كان يرتكز على مبدأ الطاعه.. طاعة أولوا الأمر دون الخوض في نوعية من يجب أن يكون هؤلاء أولوا الأمر وكيف يمكن اختيارهم. كانت طاعة أولى الأمر تعتبر من الأمور الواجبه –ولازالت- وكثيرا من الفقهاء أعتبروا ذلك من الملزمات التي قد يؤدي الخروج عنها من المحرمات حتى وصل الأمر ببعض الفقهاء الى اعتبار طاعة الحاكم من طاعة الله ومن هنا يأتي التكفير أحيانا.
بدون شك أن الفقه الاسلامى كان قد حدد شروطا معينه لأولي الأمر لكنه افتقر الى استحداث الوسيله التي يمكن من خلالها اختيار الحاكم وهنا يقع الشرخ الكبير في نظرية الحكم الاسلاميه على وجه العموم. كذلك فان المشرع الاسلامي لم ينتبه الى احتمال استغلال الحاكم للسلطه على آساس أن الخوف من الله والواعز الديني كافيان للحد من تغليب الجانب الدنيوي على الجانب الديني ومن هنا كانت اليات المحاسبه ضعيفه جدا وبذلك طغى الحكام باسم الدين وخانوا الأمانه وظلوا في مواضعهم الى أن ماتوا أو قتلوا دون الكشف عن أخطائهم أمام الشعب (الرعيّه).
من مثل هذه الأشياء يأتي الخوف من الدعوه الى إعادة دولة الخلافه، حيث أن الخلافه الاسلاميه في أخر أيامها شهدت فسادا اداريا وأخلاقيا أدى في نهاية المطاف الى الواقع المزري الذي يعيش فيه المسلمون اليوم. فمن الخلافه الأمويه والعباسيه والفاطميه وحتى الخلافه العثمانيه لم يكن وضع الحكم الاسلامي خاليا من العبث والفوضى حيث تغيب العدل وسادت المحسوبيه وتحول الخلفاء الى حكام بأمرهم وتكونت البطانات التي عملت على توسيع الهوه بين الحاكم والشعب الأمر الذي ادى الى امتعاض المواطن وسخطه على الحاكم وقيام الحاكم بفرض الأمر الواقع بحد السيف ومن هنا بدأت العقليه الدكتاتوريه الجائره تغلب على أركان الدوله الاسلاميه الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى اندحار الخلافه الاسلاميه على يد الأتراك الذين فشلوا في الحفاظ على تماسك الأمه الاسلاميه وبذلك سلموا ولاياتها على طبق من ذهب للمستعمر المسيحي الذي كان دوما متربصا يتحين الفرصه. لم يقتسم الأوربيون ولايات الخلافه الاسلاميه فحسب بل أوجدوا أنفسهم للمتذمرين من أبناء الأمه الاسلاميه كمنقذين لهم من حكم السلاطين وبذلك قاد لورنس واللنبي وغيرهم العرب ضد أولوا الأمر فيهم من أمراء الخلافه العثمانيه وبذلك بدأت أولى بشائر التشتت العربي والاسلامي وقسمت دولتنا الاسلاميه الى دويلات متناحره أوصلتنا الى الوضع الوضيع الذي نعيشه اليوم.

هل الدعوه الى اعادة الخلافه الاسلاميه في محلها؟  

 للأسباب المذكوره اعلاه والى أسباب أخرى كثيره تعتبر الدعوه الى اعادة الخلافه الاسلاميه من وجهة نظري دعوه الى الوراء وهنا يجب التأكيد على أن هذا ليس له علاقه بالاسلام على الاطلاق. فالاسلام براء من ممارسات المسلمين، والدين الاسلامي يظل دائما هو الأساس لأي نظام حكم عادل وهذا النظام له كل الملكات التي تجعل منه نظاما عالميا يصلح لجميع سكان المعموره ولكن بدون شك يظل دور المسلم الحقيقي كامنا في البحث عن وسيلة الحكم التي تطبق بعدل وأمانه أوامر الله  كما وردت في القرآن الكريم.
ربما المزج بين الديموقراطيه التي ترتكزعلى نظرية تعدد الاحزاب والدين الاسلامي من شأنه أن يرسم شكلا جديدا للحكم تقلل من العيوب وتنتصر للعدل من أجل الانسانيه جمعاء بمختلف معتقداتها وتوجهاتها الوطنيه؛ ذلك أن الشفافيه ونظام المحاسبه الذي يخضع له الحاكم والمحكوم على السواء كما تنص عليها توجهات الديموقراطيه الغربيه اذا ما مزجت بروح العدل والمساواة الاسلاميه كما وردت في كتاب الله فانها سوف تتقدم على الدعوات الغربيه الحديثه بالبحث عن منهج مختلف اتفقوا على تسميته بالطريق الثالث ( والى الذين يخدعون أنفسهم ويخدعوا العقيد القذافي معهم فان الدعوه الى الطريق الثالث لا علاقه لها مطلقا بنظرية القذافي العالميه الثالثه؛ فالفرق شاسع شسوع الشمس عن الأرض وأبعد من ذلك بكثير. "ففكر العقيد القذافي" يعتمد آساسا على مبدأ الضحك على الانسان وسرقة ثرواته وتحقيره واذلاله وتهميشه مع سلب الوطنيه منه وتحويله الى أشبه بالعبد في وطنه. تلك الأفكار القذافيه لاتخذع لا لعقل ولا لمنطق ومن ثم فان مجرد الانحدار الى مناقشتها أو اعطائها حيزا من تفكير الانسان العاقل يعد اهانه لهذا الانسان).
نعم ان الزمن تغير وحياة اليوم لم تعد هي الحياة منذ 1400 سنه وبهذا علينا نحن المسلمون أن نتخلى عن تلك الاحلام البهلوانيه التي تنادي باعادة الخلافه وبأن لا مستقبل للمسلمين الا بالعوده الى ذلك النهج الذي لم يؤدي في نهاية المطاف الا الى الانحطاط والمهانه. القرآن ليس وسيلة حكم وانما هو منهاج يمكن الاهتداء به لابتكار وسيله للحكم اسلاميه الروح عقلانية المسعى وعصرية الوسيله التي تخضع دائما الى اعتماد مبدأ التجدد والتطوير للوصول الى الأحسن  ولكن أبدا عدم التفكير في الوصول الى الحل النهائي لمشكلة الحكم كما يبشر العقيد الذافي شعوب الأرض. فالحل النهائي ليس من شؤوننا نحن البشر ذلك بأننا في تطور دائم وذلك لأن متطلبات حياتنا دائما متجدده ولن نصل الى الكمال وتلك هي سنة الله.

ماذا على المسلمين أن يفعلوا حتى لا يتحولوا الى نكره؟

إن وضع المسلمين اليوم مؤسف له ولا أستطيع أن أتصور وضعا أسواء من هذا الذي نعيشه، والسبب لامحاله ليس الاستعمار والصهيونيه لكنه الخلل في تفكيرنا والفوضى في تصرفاتنا بسبب غياب العقلانيه وسيادة العاطفه. ان الحل الحقيقي لمشاكل المسلمين لا يمكن له أبدا أن يتحقق بالمطالبه بتطبيق الشريعه لأن واقع الحال اليوم ليس هو بذلك الواقع الذي عاشه أجدادنا في الأمس البعيد. ان الذي يريد أن يطبق الشريعه فليبدأ بنفسه واسرته وآل بيته وبعدها من الممكن أن يخرج ويدعو غيره الى الاقتداء به. أما الذين يطبقون الحد على الانسان الغلبان المسكين من أجل اختلاسات محدوده ويتركون أولئك المفسدون الذين يسرقون الأرض ومن عليها فذلك ليس من روح ديننا الحنيف والذي يستطيع أن يدلني على نظام حكم واحد في بلاد المسلمين يطبق الشريعه الاسلاميه ولايفسق حكامه فانني سأتنازل عن كل ما تعرضت اليه اليوم  وأعلن استعدادي للاقتناع المطلق بما ينادي به الداعون الى تطبيق الشريعه الاسلاميه. أنهم يجلدون الغلابه في السعوديه (أرض مبعث الاسلام ومهد النبي محمد عليه السلام) ويقطعون أعضاء سارقي لقمة العيش من جيوب المستغلين ويتركون أولئك الذين يفسقون ويسرقون ويقامرون ويزنون ،و...، و... وهم أهل وابناء ولي الأمر الذي علينا طاعته لأن طاعته (كما يقولون لنا) من طاعة الله. هل تطبيق احكام الشريعه في ليبيا، أو السودان، أو باكستان، أو شمال نيجريا، أو في أي مكان آخر من بلاد الاسلام بأحسن حالا من ذلك المطبق في السعوديه؟. دعونا أخوتي من هذا اللامعقول ولنعترف جميعا باننا بشر ولن نصل  أبدا الى درجة العدل  التي اتصف بها ربنا سبحانه وتعالى.
إن أول ما يتوجّب علينا فعله اخوتي هو أن ننقي أنفسنا من الداخل، أن نبدأ بذواتنا أولا، ثم آل بيتنا وبعدها ان استطعنا نخرج الى من حولنا.
  • علينا بأن نعطي لأنفسنا وأهلنا قيمه ونحترمها.
  • علينا بأن نغلّب العقل على العاطفه وأن نكون واقعيين في تصرفاتنا.
  • علينا بأن نعلم أبنائنا ونساعد على تعليم إخواننا من حولنا حتى نمكّنهم من الحياة الشريفه التى تحفظهم من إستغلال الحاكم الجائر لهم.
  • علينا بأن نعمل متكاتفين وبدون أن نخذل بعضنا لبعض من أجل تغيير هذه الأوضاع التي تعيشها بلادنا تحت سيطرة حكم تجّار الدين وتسلّط المليشيات المسلحة بإسم الثوّار.
  • علينا بأن نتعلم ونهيئ أنفسنا من أجل الغد الذي ننشد فيه الديموقراطيه الحقيقيه التي تعني في الأساس أن نحترم الرأي الآخر وأن لا نحاول إقصاء الغير مهما كان منهج تفكيرهم ومهما كان إيمانهم أو معتقدهم.
  • علينا بأن نتعلم كيف نحترم مقدرة الآخرين وامكانياتهم، لأن المفاضلة بيني وبينك تكمن في مقدرة أحدنا بالتفوّق على الآخر بالعمل وليس بالكلام.
  • علينا بأن نبدأ بما هو متاح من العمل الديموقراطي دون الولوج في غياهب الايديولوجات العقيمه التي تزيد من تفرّقنا وتدفعنا الى التشرذم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك