2014/02/02

النصر.... عبارات وعبر



تمكّن فريقنا الوطني يوم الأمس من الفوز على فريق أفريقي قوي ومعتبر ويستعد للمشاركة في بطولة كأس العالم بالبرازيل 
في هذا الصيف وهو فريق "غانا".

لعب الفريق الليبي كرة جميلة وراقية، وكان بالفعل برغم قلّة الخبرة وقلة فرص التدرّب والإستعداد... كان الفريق الليبي متألّقاً، والأهم كان متحمّساً ومصرّاً على تقديم شئ رائع لليبيا ولليبيّين حتى يخفّف عنهم عناء السنوات الثلاث الماضية وعذابات الأسبوعين المنصرمين على وجه الخصوص.

شمال أفريقيا ينتصر على جنوبها
فازت ليبيا على غانا كرويّاً كما ذكرت أعلاه، وإنتصرت بذلك ليبيا لشمال أفريقيا على جنوبها.... فما هو المنتظر بعد هذا الإنتصار؟.
الفريق الليبي بعرضه الجيّد يوم السبت الأوّل من فبراير 2014 وبإحتوائه على وجوه شابّة وواعدة يستطيع أن يرسم صورة مشرقة وواعدة للكرة لليبيّة على وجه العموم، ذلك لأن الشعب الليبي شأنه في ذلك شأن بقية شعوب البحر المتوسّط يعشق كرة القدم حتى الإدمان.

نحن نعرف بأن عهد الطاغية القذّافي كان كان عبث بالكرة الليبيّة بنظريّاته الخرقاء، لكنه أخيراً وقبل أن يثور الشعب عليه تيقّن بأن كرة القدم من الممكن الإستثمار فيها لجلب الشعبيّة لذلك النظام الذي بدأ يفلس تدريجيّاً في العقدين الأخيرين من سني حكمه العديدة.. تيقّن ذلك النظام بأن كرة القدم من الممكن تصنيفها في عداد "مولّدات الشعبيّة" خاصّة بعد وضع مشروع إبنه سيف "مشروع ليبيا الغد" قيد التنفيذ، فأعطى السيطرة على كرة القدم من خلال إبنيه الساعدي كلاعب محترف لا يفقه شيئاً في كرة القدم، وإبنه الثاني محمد الذي على ما أظن لا يلعب كرة القدم ولا يعرف عنها كثيراً.
عيّن الطاغية القذّافي إبنيه الساعدي ومحمد على رأس اللجنة الأولمبية الليبية فأفسدا كل شئ يتعلّق بكرة القدم على وجه الخصوص وضاعت كل تلك المليارات في جيوب التنابلة من الليبيّين الذين لم يمتهنوا أي شئ غير "الزمزكة" والتنبلة "للقائد".
بسبب ذلك وغيره كانت الكرة الليبيّة وضيعة ومتأخّرة ومتخلّفة حتى عن دول الجوار الفقيرة مثل تونس ومصر، وإستمر الأمر كذلك إلى أن قامت ثورة 17 فبراير التي فشلت في الكثير من المواضع المهمّة، لكنّها ربّما رفعت اليد عن كرة القدم فوجد هواتها الطريق مفتوحة أمامهم كي يبدعوا.... وبالفعل أبدعوا.

عندما يكون حب الوطن هو الديدن
منذ إجراء الإنتخابات العامة في يوليو من عام 2012 وأعضاء المؤتمر الوطني يجتهدون في البحث عن إيجاد أنجع الطرق للعبث بالوطن الليبي، وبالفعل تمكّن أعضاء المؤتمر الوطني من شل كل مجهودات الحكومة للبدء في عمليات البناء، وتمكّن أعضاء المؤتمر أيضاً من تأجيل مشروع بناء الدولة بما في ذلك مشروع تأسيس الجيش ومشروع تأسيس جاز الشرطة، وكذلك مشروع العدالة الإنتقاليّة، ولم ينجح المؤتمر الوطني إلاّ في المحافظة على الميليشيات المسلّحة وتسليحها مع دعمها بالمال، ونجح المؤتمر في التصديق على قانون العزل السياسي، ونجح المؤتمر في إحداث فتن وخصومات وصراعات بين أبناء الوطن الواحد نتيجة لنوعية الأعضاء وطرق تفكيرهم المتباينة والغبية في معظم الأحيان.
الخلاصة أن المؤتمر الوطني أخفق في كل شئ، وأفسد كل شئ جميل بنته حركة الشعب أثناء قيام الثورة. فشل المؤتمر الوطني وفشلت الحكومة تبعاً لذلك، وبلغت معنويات الشعب الليبي الحضيض حتى بدأ الإحباط يتسرّب إلى القلوب، وبدأت الكآبة تتجذّر في النفوس. وصلنا إلى فشل وشلل وأصابتنا مآسي وعلل وبدأ البعض يحن إلى نظام حكم الطاغية القذّافي برغم كل عيوبه ومساوئه لأن الحاضر كان عند الكثير أسوأ من الماضي.
في خضم هذه الأجواء العابسة في ليبيا كان إنتصار فريق كرة القدم بمثابة القشّة التي تأبّطتها الدودة الغارقة فوصلت عن طريقها إلى شاطئ الأمان.

كان إنتصار فريقنا الوطني بمثابة الأوكسجين لغارق في الرمق الأخير من حياته فتلقّف الليبيّون والليبيّات إنتصار الفريق الوطني بشغف وفرحوا به أيّما فرح.... بعضه فرحاً بالإنتصار وبعضه الآخر بحثاً عن الخروج من دائرة الحزن المغلقة.
إستمات فريقنا الوطني في سبيل تحقيق الإنتصار وكانت علامات تلك الإستماته واضحة لكل متابع لمجريات اللعب وتجلّت تلك الإستماتة في الشوط الثاني وما تبع الشوط الثاني حتّى تمكّن فريقنا من البرهنه على أنّه الند اللدود لفريق غانا وإستمر النزال لمائة وعشرين دقيقة ومع كل الوقت الإضافي لم يتمكّن الفريق الغاني من إختراق مدافعي الفريق الليبي، ومن إستطاع أن يعبر آخر خطوط الدفاع المحصّنة وجد أمامه حارساً مستعدّاً للتنازل عن كل شئ عدا المستديرة الصفراء.


إنتصر فريقنا الوطني لأنّه أراد أن ينتصر، ولم يرد فريقنا أن ينتصر لمجرّد الظفر بكأس البطولة وإنّما أراد فريقنا أن يهدي نصراً للشعب الليبي المكتئب حتى يمكّنه من التواصل مع خيوط الأمل من جديد، وبالفعل إبتهج الشعب الليبي في شرق البلاد وغربها وفي شمالها وجنوبها، وإنتشرت البهجة والسرور لتصل إلى كل أولئك الليبيّين والليبيّات في ديار المهجر، فكان إنتصار فريقنا بمثابة عرساً جماعياً كان المدعوين إليه كل أبناء وبنات الشعب الليبي.

فرح الليبيّون والليبيّات بالنصر، ونصبوا السرادقات في كل مكان، وإزدانت شوارع المدن الكبرى والصغرى بالأضواء وبالألعاب النارية التي أخذت تعانق عباب السماء في كل ربوع ليبيا الحبيبة.
طرابلس
إنتصر فريقنا الوطني في كرة القدم ليحوّل ذلك الإنتصار إلى بواعث بهجة وسرور في كل ركن من أركان الوطن العزيز... وكان بالفعل عرساً جميلاً إنتظره الليبيّون بشغف، وكان مبعث سعادة لكل بيت في ليبيا الحبيبة.
بنغازي
بنغازي
مصراتة
البيضاء
غريان
بني وليد
الإنسان هو الإنسان أينما كان
كان في داخل أرضية الملعب في مدينة كيبتاون في جنوب أفريقيا 22 لاعباً منهم الطويل ومنهم القصير، منهم الأبيض ومنهم الأسود ومنهم البنّي والرمادي، منهم المسلم والمسيحي ومنهم من لا دين له. منهم الناطق بالعربيّة ومنهم الناطق بالفرنسية ومنهم الناطق بالإنجليزية ومنهم الناطق بالإسبانية، لكنّهم جميعاً كانوا بشراً متساوين في المظهر العام وفي الأحاسيس الإنسانية. لم يفرّق بينهم دين أو لغة أو عرق أو لون.
لعبوا جميعهم كبشر وتعاملوا مع بعض كبشر، وفي نهاية الأمر تفرّقوا على الحب والتآخي والتواصل الإنساني.
ألم تكن كرة القدم مثالاً للتعايش الأخوي بين شعوب العالم بعيداً عن اللغة أو الدين أو المعتقد بالنسبة لأولئك الذين يتعاملون مع الغير بعقلية شوفينيّة تدفع إلى تقسيم سكان العالم إلى مؤمن وكافر، وإلى علماني أو متديّن، وإلى أهل النار وأهل جهنّم؟.
نعم... في ملعب كرة القدم تذوب الإختلافات وتتبخّر العنصريات ويسود الإحساس الإنساني النبيل حينما يسقط أحد اللاعبين من الفريق المقابل فيهرع إليه أحد اللاعبين من هذا الفريق ليمد إليه يد العون ويساعده على الوقوف من جديد على رجليه كي يشرع من جديد في مهاجمة فريق المنقذ... أليس في هذا الكثير من العبر والمواعظ لمن يريد أن يرى ويتدبّر؟.

وختاماً... هذا ما قاله بعض لاعبي الفريق الغاني عن الفريق الليبي كما أوردها السيّد "أبوبكر زيو" على صفحته في الفيسبوك:

شوفوا ابطالنا شن قالوا عليهم مدرب غانا..(( لعبنا أمام فريق غاية في الروعة..منظم تكتيكيا قوي بدنيا..رشيق ومهاريا..وعندما تلعب أمام فريق كهذا..هي نتيجة واحدة ستكون في المتناول نعم الخسارة )).
 حارس المرمى..((لم يكن بوسعي أن أقدم أكثر..تصديت للكثير من الكورات..ولكن في نفس الوقت دخل ركلات الجزاء كنت متخوفاً من لاعبي منتخب ليبيا لأنهم يتفننون في تسجل الركلات الجزاء ل،ي شاهدت مباراتهم امام الغابون وزيمبابوي .. واختم واقول أننا ببساطة لعبنا أمام فريق مدهش))
لاعب الهجوم..((لم تصلني أية كرات لأترجمها أهداف حتى وإن وصلتني فلا أعتقد بأني سأفعل لأني أرى وكأن في المرمى 10 حراس..بالمجمل..المنتخب الليبي إستحق الفوز بهذه النتيجة ويبدو أنه لا يوجد مناافس باستطاعته أن يقف أمام كهكذا منتخب..)) جمهور غانا..((نحن احترنا أمام الفريق الذي لعبنا ضده..عندما نشاهد الروح نظنهم الطليان..وعندما نشاهد المهارة حتما هم الإسبان..شاهدنا الشجاعة فخطر ببالنا الألمان..ولكن عندما انتهت المبارة تأكدنا بأنهم ليبيون..نحن منزعجون للغاية..))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك