2013/03/06

الحجيمة والتشريط لإزالة "الدم الفاسد"

قرأت مقالاً بعنوان (الحجامة هدي نبوي شريف لعلاج الامراض المستعصية) لصاحبه ابن البيطار(ابو ناصر الحمايدة)، وهذا جزء من سيرته الذاتيّة: دبلوم في الطب النبوي وعلوم الأعشاب من باكستان، عضو المؤتمر الدولي للطب البديل الأوّل، خبير ومستشار وباحث في الطب النبوي وعلوم الأعشاب والحجامة، مؤلّف كتاب أسرار الشفاء في الطب البديل والأعشاب الطبيعيّة والحجامة، مؤلّف كتاب الدليل العلمي في الإستشفاء بالحجامة النبويّة، له عدّة إبتكارات علاجيّة في علوم الأعشاب والحجامة). تجدون المقال على هذا الرابط:

أقول بأنني ذهلت حين قرأت هذا المقال وإستغربت كيف مازال بعض الناس يفكّرون بطرق بدائيّة وبعقليّة ترفض الإعتراف بالتطوّر العلمي والمنطق العقلاني للأشياء.
أنا لست بصدد التعليق على هذا المقال أو إنتقاده، وإنّما فقط وددت أن أتعرّض لبعض المفاهيم الخاطئة التي وردت فيه بهدف توعية الناس إلى مخاطر مثل هذا الأسلوب البدائي لعلاج الأمراض والعلل.

يقول السيّد الحمايدة: الحجامة الوقائيّة تؤدّي إلى الوقاية من الأمراض الخبيثة والمعدية والإنفلونزا الحادة وأمراض القلب والشرايين ووقاية من الضغط والسكّري والكوليستيرول... لا أدري كيف يتم تحقيق كل ذلك بسحب قطرات من الدم بطريقة غير صحيّة على الإطلاق؟.
يقول أيضاً: الحجامة العلاجية تستخدم في علاج "عرق النسا" وهو يعني هنا:
Lumbosacral plexus disorders leading to multiple radiculopathies due to nerve root compression or irritation
فكيف بربّكم يمكن إبعاد ذلك الضغط العضوي على جذر العصب بدون تنفيس الضغط عليه من خلال عمليّة جراحيّة تسمّى Decompression.
  
المثال الذي كثيراً ما أذكّر به مرضاي هو: هل بإمكانك أن تنعش إنسان مشنوق بحبل حول رقبته بإعطائه جرعة من الأكسجين؟. الحل لا يمكن أن يتأتّى بذلك ولكن بإبعاد الحبل عن رقبته !.
يقول السيّد الحمايدة: في الحجامة الرطبة يقوم الحجّام بإخراج الدم الفاسد والأخلاط والخلايا الميّته والضعيفة والسموم والفضلات والشوائب... كيف بربّكم من الممكن أن يفعل مصّ سوائل البلازما الملوّث بالدم من مكان ما بالجسم من عمل كل ذلك، وماذا يعني حضرته ب"الدم الفاسد"؟.

الدم هو سائل دوّار في حركة مستمرّة يبلغ حجمه بين 4.5 – 5.5 لتر وأي تسمّم في الدم أو عوامل إلتهاب أو جراثيم وميكروبات تتوزّع في كل الدم في دقائق لأن الدم هو مثل مياه النهر أو مياه البحر إن وضعت بها قطرة من الحبر فإنّها تتوزّع بأسرع ما يمكن ولا يمكنك بعدها أن تستردّها أو تسحبها. كيف بحجيمة واحدة أو إثنتين في مكان ما في الجسم يمكنك إختيار "الدم الفاسد" وسحبه؟. ألسنا نتحدّث هنا عن "ترهات" وجهل مطبق بفسيولوجيّة جسم الإنسان؟.
يتحدّث السيّد الحمايده عن الحجامة التشخيصيّة، ويتحدّث عن الحجامة الدوائيّة حيث يمكنه بالحجيمة علاج الربو الشُعبي!.
وقوله أيضاً بأن الحجامة تؤدّي إلى علاج السرطان وذلك بإخراج الدم الفاسد الذي تتغذّي عليه الخلايا السرطانيّة !. لو كانت الخلايا السرطانيّة تتغذّى على الدم الفاسد لكان السرطان مفيداً بالطبع !.
يقول الأستاذ الحمايده: وجد من خلال الأبحاث العلميّة ( لا ندري أين ومتى وكيف ) أن جميع خلايا الدم الحمراء الموجودة في الدم السائل المسحوب أثناء الحجيمة بأنّها هرمة وغير منتظمة الشكل ونسبة الهيموجلوبين بها قليلة جدّاً مقارنة بعينة من الدم الوريدي. بمعنى – حسب رأي السيّد الحمايدة – أن الحجّام كان بصدق قد إستخرج الدم الفاسد فقط !.
السيّد الحمايده لا أظن بأنّه يعرف كيف يفرّق بين سائل البلازما وبين سائل الدم. حين تشرّط الجسم فإنّك تمزّق الشعيرات الدموية بتمزّقات صغيرة جداً لكنّها متعدّدة تسمح بخروج مصل الدم على هيئة "بلازما" ويكون ذلك مختلطاً بقليل من الدم. بمعنى أن السائل الصغير المسحوب يحتوي على أكثر من 90% بلازما (سائل زيتي أصفر) وحوالي 10% فقط هي دم، وبذلك فإن العيّنة التي تحلّلها هي عينة دم مخفّفة جدّاً ومن ثمّ فإن نسبة الهيموجلوبين تكون صغيرة جدّاً وعدد الكريات الحمراء يكون صغيراً جدّاً وهذه الكريات الحمراء تتكمّش لغياب الأكسجين... وذلك يبيّن للسيّد الحمايده بأن ما يقوله هو "تدجيل" و"كذب" و"غش"؛ فالمعلومات التي ذكرها وأسندها للعلم كانت عيّنات طبيعيّة 100% لكنّها مخفّفة جدّا.. أي أنّه حلّل بلازما ملوّثة ببعض الدم.
وخلاصة القول: أريد أن أنبّه إخوتنا في ليبيا إلى أنّ هذا النوع من الممارسات يحمل معه مخاطر كثيرة وكبيرة وجسيمة وعليهم الإبتعاد بالكامل عن تعريض أجسامهم لمهلكات قد تؤدّي إلى التسمّم الدموي، الإصابة بالإيدز والإلتهاب الكبدي بي وسي. فحذاري أن يضحك عليكم دجالون من أمثال هذا المرتزق مستغلّين ممارسات الرسول كبرهان على أنّهم يقومون بعمل مشروع ومحبّب.
لم يكن الطب متطوّرا في عهد الرسول، ولم تكن هناك معامل طبيّة ولا علوم طبيّة ولا أبحاث طبيّة ولا علم عن الأمراض بالقدر الذي يتوفّر لدينا اليوم. الرسول ما هو إلاّ بشر مثلنا وما كان بيده في ذلك الوقت أن يحصل على صورة بالرنين المغناطيسي أو حتى يعطى  الرسول عليه السلام لم يكن طبيباً، ولا عمره قال بأنّه كان طبيباً. الرسول تداوى بما يتداوى به الناس في زمانه، ولو أن الرسول عليه السلام كان يقدر على شفاء الأمراض لكان شفي إبنه القاسم، ولكن شفي زوجته خديجة، ولكان شفي صديقة وأقرب الناس إليه وأب زوجته أبوبكر الصدّيق. لو كان الرسول يعرف كيف يعالج الأمراض لكان شفى نفسه من ذلك المرض الذي أصابه وألزمه الفراش لمدة 3 أشهر قبل وفاته عليه السلام. لم يستخدم الرسول عليه السلام أي مضاد حيوي لأية إصابة جرثوميّة، حيث لم يعرف الناس حينها عن الجراثيم ولم يعرفوا عن المضادّات الحيويّة.
إن غياب الخدمات الصحية الجيّدة في ليبيا لا يمكنه أبداً أن يبرّر الإلتجاء إلى قبول ممارسات خاطئة للعلاج تكون مضاعفاتها خطيرة ومستديمة وقد تؤدّي إلى الوفاة بالتسمّم أو الإصابة بمرض مزمن يشل الحياة ويفقدها معانيها للمصاب بها.
إن الحل يكمن في العمل على تحسين الخدمات الطبية في بلادنا والبحث عن التشخيص السليم للأمراض ومن ثم علاجها كما يجب والإستفادة من الضمانات التي تعطيها شركات الأدوية لمنتجاتها وهي كلّها علمية وناتجة عن تجارب معمليّة وليس مجرّد أوهام وتخيّلات.
"لا" للتشريط، و"لا" للحجيمة، ولا لثقب الجلد بأي جسم حاد إلاّ وأن يكون ذلك من خلال طبيب مختص يعرف ماذا يفعل. جلد الإنسان يعتبر سترة واقية للجسم تحميه من الإلتهابات وتسرّب الجراثيم للدم فلا تترك الجاهلون يعبثوا بجلدك مهما كانت المسمّيات ومهما كانت المبرّرات. من توجد لديه علّة مرضيّة فليتصل بنا ونحن سوف نقوم بالعمل على تشخيصها له وإرشاده نحو العلاج الناجع والآمن.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك